2025-12-15 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

رسالة إلى زميلٍ صحفي بين الحسّ الإنساني والذكاء الاصطناعي

زياد فرحان المجالي
جو 24 :
 صديقي العزيز،
الذي أقدّر رأيه وأحترم تجربته،
وأثمّن صراحته التي لا تخلو من حرصٍ مهنيٍّ صادق،
وصلتني منك رسالة قلتَ فيها:
> "أخي العزيز، أرجو أن تتقبل ما سأقوله. ما هو مكتوب بقلم إلكتروني – أي ذكاء صناعي – وأنا خبير في هذا الأمر. عليك أن تعلم أن كثيرًا من الصحفيين باتوا يعرفون ذلك، لذا أنصحك ألّا تعرض نفسك للنقد، وأرجو أن لا تنزعج من رأيي هذا."
وأنا أؤكد لك — بكل تقدير واحترام — أنني لم أنزعج أبدًا من رأيك، بل فرحت به.
فنحن ننتمي إلى مهنةٍ لا تزدهر إلا بالحوار، ولا تحيا إلا بالاختلاف النبيل في الرؤية.
الذكاء الاصطناعي لا يكتب عنّي… بل معي
الذكاء الاصطناعي ليس قلمًا بديلًا، بل أداة مساعدة — كالكاميرا والمونتاج والمصحّح اللغوي.
قد يُراجع ويُقترح، لكنه لا يعرف لماذا أكتب، ولا ما الذي يجعلني أكتب الآن بالذات.
هو آلة لا تحسّ، وأنا إنسانٌ أحمل التجربة والذاكرة والنبض.
لقد جُبلت مهنتنا على التعب والسهر والانفعال،
على انتظار الخبر الذي قد يأتي في منتصف الليل،
وعلى جهد الكلمة التي تُكتب تحت ضغط الوقت، لا بأمرٍ من برنامج.
من الاستديو إلى الذكاء: بين زمنين
أتذكّر — عن تجربة — كيف كان نشر الأخبار في الاستديو يتأخر لأن شريط التصوير لم يُحمَّل في الوقت المناسب.
كنّا ننتظر اللقطات لتُغسل وتُمنتج وتُراجع،
وكان الصوت يُعاد عشر مرات، والمونتير يقطع ويُلصق الشريط بشفرة صغيرة، ثم نركض جميعًا لنلحق موعد البث.
أما اليوم، فالاستديو يُدار بأنظمة ذكاءٍ اصطناعي تضبط الإضاءة، وتشغّل الكاميرات، وتنتج النشرة خلال لحظات.
ما كان يحتاج إلى عشرات الأشخاص، أصبح يتمّ بلمسة واحدة.
نعم، تغيّر الزمن.
لكن السؤال ليس في سرعة التكنولوجيا، بل في وعي الإنسان الذي يستخدمها.
لقد أخذ الذكاء الاصطناعي مكان الآلة،
لكنه لم يأخذ مكان الإنسان — ولن يفعل، ما دام هناك قلبٌ يرى قبل أن يكتب.
الحسّ قبل الذكاء
الخطر الحقيقي ليس في استخدام الذكاء الاصطناعي،
بل في فقدان الحسّ الإنساني ونحن نكتب.
أن نرى الحدث بلا إحساس، أو نسمع الخبر بلا نبض.
الذكاء الاصطناعي لا يعرف دمعة أمٍّ فقدت ابنها،
ولا رعشة مراسلٍ يسمع أول صفّارة إنذار،
ولا ارتباك مذيعٍ ينقل للعالم مشهدًا لم يره من قبل.
هذه هي مساحة الإنسان،
لا يمكن تقليدها بخوارزمية،
ولا ترجمتها بأي برنامج.
التقنية ليست خصمًا… بل اختبارًا
أدوات المهنة تغيّرت — من الريشة إلى الكاميرا،
ومن الآلة الكاتبة إلى الشاشة،
ومن غرفة الأخبار إلى نموذجٍ لغويٍّ رقمي.
لكن المهنة نفسها لم تتغيّر:
ما زالت تقوم على الإنسان، على ضميره، وعلى صدقه أمام الناس.
أنا أستعين بالذكاء الاصطناعي حين أحتاجه،
كما أستعين بالقاموس والمكتبة والأرشيف،
لكنه لا يكتب بدلاً عني.
هو يُنظّم الفكرة، أما الفكرة فتبقى منّي،
من تجربتي، ومن إحساسي بما أرى وأسمع وأؤمن به.
الحقيقة التي يعرفها قرّائي
أنا أتابع المصادر وأقرأها من أكثر من جهة،
أحلّل وأقارن وأستقصي كل خبر قبل أن أكتبه،
وأستند إلى أوثق ما يُنشر في الصحف والمواقع العالمية والعربية.
كل مقالٍ أنشره هو خلاصة قراءةٍ وجهدٍ وسهر،
يخرج من روحي ووجداني قبل أن يمرّ على لوحة المفاتيح.
لقد عرفني القرّاء، وتابعني الآلاف صباحًا ومساءً،
ويعلم كثيرٌ منهم أن ما أكتبه لا يكتبه أحد غيري،
لأن كل فكرةٍ تحمل بصمتي، وكل تحليلٍ يحمل لغتي.
أنا لا أتنافس مع الآلة، بل أُحاورها،
وأجعلها تخدم إنسانيتي لا أن تحلّ محلّها.
كلمة إنصاف
ليس في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي ما ينتقص من الكاتب،
بل فيه ما يعكس وعيه بمستقبل المهنة وشجاعته في مواكبة التطوّر دون أن يتنازل عن هويته.
أنا لا أختبئ خلف التقنية، بل أستخدمها كما يستخدم الرسام فرشاته أو المونتير عدسته — لأعبّر بدقةٍ أكبر عما أراه وأشعر به.
الذكاء الاصطناعي عندي ليس كاتبًا بديلًا، بل شريك وعي أستعين به لأُتقن الفكرة وأُنضج النص،
بينما تبقى الروح لي، والأسلوب لي، والنبض لي.
واليوم، بعد أن عرفني الصباح، وعرفني كثيرٌ من المتابعين والمعجبين بما أكتب،
أقولها بثقةٍ وهدوء:
التقنية لا تصنع الكاتب،
لكن الكاتب الواعي هو الذي يُحسن استخدامها دون أن يفقد صدقه أو إنسانيته.
وهذا ما أفعله، وما سأظل أفعله ما دمت أكتب باسم القلب والعقل معًا.
زياد فرحان المجالي

كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير