تحرير الأسرى كركيزة في الفكر المقاوم الفلسطيني: دراسة في البعد الرمزي والاستراتيجي
د. معن علي المقابلة
جو 24 :
ثير بعض المشككين في جدوى المقاومة الفلسطينية تساؤلات متكررة حول ما إذا كان حجم الدمار والخسائر البشرية التي شهدها قطاع غزة يستحق تنفيذ عملية السابع من أكتوبر (طوفان الأقصى) من أجل تحرير الأسرى الفلسطينيين. وللوهلة الأولى، قد يُفهم هذا الفعل على أنه مغامرة غير محسوبة، إذ يبدو غير منطقي – وفقاً للرؤية العقلانية التقليدية – أن يؤدي السعي لتحرير بضعة آلاف من الأسرى إلى مقتل عشرات الآلاف من المدنيين وتدمير البنية التحتية للقطاع. ومع ذلك، فإن مناقشة هذه المسألة يجب أن تُطرح في سياق تقييم التجربة النضالية للمقاومة الفلسطينية، لا من باب التشكيك في شرعية المقاومة كوسيلة للتحرر الوطني والاستقلال، بغض النظر عن الجهة التي تتولى قيادتها.
تشكل قضية الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي ركناً محورياً في الوعي الجمعي للشعب الفلسطيني، لما تمثله من رمزية نضالية؛ فهؤلاء الأسرى لم يُعتقلوا إلا نتيجة مشاركتهم في أعمال مقاومة ضد الاحتلال. ومنذ عام 1948، لم تتوقف المقاومة الفلسطينية، بينما سعى الكيان الصهيوني إلى قمعها عبر الإفراط في استخدام القوة العسكرية، وهو نهج مألوف في جميع حالات الاحتلال عبر التاريخ، حيث يلجأ المحتل إلى العنف المفرط لتعويض فقدانه للشرعية. ويمكن استحضار أمثلة تاريخية مشابهة، مثل الاحتلال الأمريكي لفيتنام، والاستعمار الأوروبي لأفريقيا، واحتلال فرنسا للجزائر، وأخيراً الاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق.
لقد تبنّى الفكر الاستراتيجي لقوى المقاومة الفلسطينية منذ السبعينيات، حين بدأت فصائل المقاومة اليسارية – كحركة فتح والجبهة الديمقراطية والجبهة الشعبية – باستخدام أسلوب خطف الطائرات، مروراً بعمليات أسر الجنود التي نفذتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، رؤية تقوم على مبدأ الحفاظ على زخم المقاومة واستمراريتها. وتتمثل الرسالة الجوهرية لهذا الفكر في التأكيد على أن المقاومة لا تتخلى عن أسراها، بل تضع تحريرهم في صلب أهدافها، ما يعزز ثقة المقاتلين بأنهم لن يُتركوا وحيدين داخل المعتقلات، وأن المقاومة ستسعى دائماً لإطلاق سراحهم وتأمين أسرهم، حتى وإن صدرت بحقهم أحكام مؤبدة.
من هذا المنطلق، فإن قضية الأسرى تتجاوز البعد الإنساني أو السياسي المحدود، لتصبح عنصراً بنيوياً في استمرار المقاومة وبقائها.
ويبرز بعد آخر في بنية المقاومة الفلسطينية، يتمثل في أن قياداتها الميدانية تتقدم الصفوف في القتال وتشارك مباشرة في المواجهات مع العدو، وقد ارتقى عدد كبير منهم شهداء في ميدان المعركة. هذه الممارسة تُجسد مبدأ المساواة بين القائد والمقاتل في تحمّل تبعات النضال، وهو ما يعمّق الالتزام الشعبي بالمقاومة رغم ضراوة العدو ووحشيته. ورغم استخدام الاحتلال لكل أنواع الأسلحة، وعدم تمييزه بين طفل وامرأة وشيخ، فإنه فشل في كسر إرادة هذا الشعب.
إن جوهر القضية الفلسطينية يتمثل في كونها قضية احتلال استيطاني لأرض الشعب الفلسطيني من قبل مجموعات صهيونية مدعومة من قوى غربية سعت إلى فرض هيمنتها على المنطقة من خلال زرع كيان غريب في قلبها. وبذلك، فإن مقاومة الشعب الفلسطيني هي فعل طبيعي ومشروع في سياق مقاومة أي احتلال، شأنها شأن جميع حركات التحرر الوطني عبر التاريخ. وهذه هي الحقيقة الجوهرية للقضية الفلسطينية دون الحاجة إلى الدخول في تأويلات فلسفية أو نقاشات نظرية عقيمة.
* باحث وناشط سياسي/ الاردن
Maen1964@gmail.com








