أمن الكيان الصهيوني أولا .. هل هناك ثانيا؟!
ياسر الزعاترة
جو 24 : مثيرة للسخرية تلك المفاوضات التي تجري برعاية أمريكية بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، ويبدو أن هدفها من الناحية العملية هو تقطيع الوقت وبث الوهم بإمكانية تحقيق تسوية تبعد شبح انتفاضة تلوح في أفق الفلسطينيين ردا على ممارسات السلطة والاحتلال في آن، لاسيما بعد أن تصاعد العنف الصهيوني ضد الفلسطينيين، متزامنا مع اعتقالات السلطة وتنسيقها الأمني مع الاحتلال.
الأمريكان يعلمون أن كل ترتيباتهم في المنطقة، بخاصة ما يتعلق باستكمال الاتفاق مع إيران بعد ستة شهور ستغدو في مهب الريح إذا اندلعت انتفاضة جديدة في الضفة الغربية، وتبعا لذلك في كل الأراضي المحتلة، الأمر الذي سيكون محرجا لكل الأنظمة العربية، وقد يؤدي إلى تجديد مسيرة الربيع العربي التي أجهضت مرحليا في مصر.
هم يحتاجون تبعا لذلك إلى بث الوهم بإمكانية تحقيق تسوية. ولأن الحديث في القضايا الجوهرية سيدفع المفاوضات نحو الحائط المسدود دون أدنى شك، وفي المقدمة قضية القدس التي كانت السبب المباشر لفشل مفاوضات كامب ديفيد صيف العام 2000، فإن من الأفضل الحديث عن ملفات تمنح الطمأنينة للإسرائيليين، وتبيع الوهم على الفلسطينيين، من دون أن تؤدي إلى فشل سريع للمفاوضات، فضلا عن الأمل في التوصل إلى اتفاق إطار سيكون تطبيقه برسم سنوات، لا مجرد شهور قبل أن يجري فتح الملفات الكبرى (ليس من بينها حق العودة الذي تبدي السلطة استعدادا للتنازل عنه، وهو لم يكن الملف الذي أفشل قمة كامب ديفيد 2000).
لو سأل المفاوض الفلسطيني نظيره الإسرائيلي، أو سألوا جون كيري عن حقيقة موقفهم من قضية القدس، أو موقف نتنياهو لانتهت المفاوضات سريعا، ولذلك لا بأس من الحديث عن قضايا أخرى يستغرق التفكير فيها وتطبيقها سنوات طويلة.
على هذه الخلفية جاءت مقترحات مستشار كيري (جون ألين) التي قيل إن 1600 خبير أمني وسياسي قد شاركوا في صياغتها (هل تحتاج إلى ذلك؟!)، والتي تبحث في ترتيبات أمنية تتعلق بالأمن ولا شيء آخر، وهنا قدم الأمريكان للإسرائيليين كل ما يطمئنهم من الناحية العملية، لكن الشهية الإسرائيلية للمزيد لم تتوقف، فلم يكتفوا بتواجد في الغور والمعابر، بل طالبوا بتأكيد استباحتهم للضفة الغربية برمتها، بحيث يمكنهم الدخول والخروج في أي وقت يشاؤون، تماما كما هو عليه الحال الآن، فضلا عن محطات إنذار مبكر في مناطق أكثر من تلك التي عرضت في الخطة الأمريكية، وسيطرة على الأجواء (هذه لا بأس بها أمريكيا)، وحتى التكنولوجيا التي وعد بها أوباما من أجل مزيد من ضمان الأمن الإسرائيلي لم تكن كافية.
خلاصة القول هي أنهم يريدون الإبقاء على الاحتلال، وبتعبير أدق، يريدون تجديد دماء أوسلو، أو صناعة أوسلو جديد يزيح عبء إدارة السكان، مع حق الفلسطينيين في أن يقولوا إن لهم دولة، وقد يجري الاعتراف بها دوليا بعد ذلك، حتى قبل فتح ملفات الوضع النهائي.
في محاضرته أمام مركز سابان، وهو أحد أذرع اللوبي الصهيوني الفكرية في أمريكا، قال أوباما إن “المسيرة ستكون تدريجية. فالإسرائيليون لن يوافقوا على نسخ غزة في الضفة الغربية. هذا ليس معقولا”. وأضاف “نحن نؤمن بأنه سيكون بوسعنا الوصول إلى نقطة تكون فيها إسرائيل واثقة من ذلك، ولكن سيتعين علينا أن نرى إذا كانت ستوافق، واذا كان الرئيس عباس مستعدا لقبول حقيقة أن الفلسطينيين لن يتلقوا كل رغباتهم منذ البداية”.
هو إذن اتفاق الإطار الذي طالما تم الحديث عنه، وهو إذن الحل الانتقالي الذي يجري تخريجه بأساليب شتى، وهي إذن الدولة المؤقتة التي ستحصل بعد ذلك على اعتراف أممي، وتحول النزاع إلى نزاع حدودي بين دولتين، أي تصفي القضية من الناحية العملية. وإذا ما تم تجاوز المؤقت إلى الدائم، فلن يكون إلا الاتفاق البائس الذي ورد في وثيقة جنيف وملحقها الأمني.
عبث يستحق الازدراء، ولولا الأجواء البائسة التي صنعتها القيادة التي انقلبت على ياسر عرفات، ومهّدت لاغتياله، ومساعيها المحمومة لإعادة تشكيل الوعي الفلسطيني، ولولا ورطة حماس في القطاع واستهدافها في الضفة، ومعها كل مفردات المقاومة، ولولا ضياع فتح كحركة تحرر تحت قيادة من هذا اللون، لكانت الانتفاضة قد اندلعت منذ سنوات.
على أن ذلك كله لا ينبغي أن يحرف الأنظار عن الغيوم التي تتجمع في سماء الضفة، بحسب يوفال ديسكن، مسؤول الشاباك السابق، والتي تبشرنا بأن شعب فلسطين سينتفض في مواجهة هذه المهزلة، وسيقول لهؤلاء الذين يعبثون بمصيره، أن كفى؛ خذوا أموالكم واستثماراتكم واستثمارات ذويكم وارحلوا، واتركوا الشعب يواجه الاحتلال بطريقته.
(الدستور)
الأمريكان يعلمون أن كل ترتيباتهم في المنطقة، بخاصة ما يتعلق باستكمال الاتفاق مع إيران بعد ستة شهور ستغدو في مهب الريح إذا اندلعت انتفاضة جديدة في الضفة الغربية، وتبعا لذلك في كل الأراضي المحتلة، الأمر الذي سيكون محرجا لكل الأنظمة العربية، وقد يؤدي إلى تجديد مسيرة الربيع العربي التي أجهضت مرحليا في مصر.
هم يحتاجون تبعا لذلك إلى بث الوهم بإمكانية تحقيق تسوية. ولأن الحديث في القضايا الجوهرية سيدفع المفاوضات نحو الحائط المسدود دون أدنى شك، وفي المقدمة قضية القدس التي كانت السبب المباشر لفشل مفاوضات كامب ديفيد صيف العام 2000، فإن من الأفضل الحديث عن ملفات تمنح الطمأنينة للإسرائيليين، وتبيع الوهم على الفلسطينيين، من دون أن تؤدي إلى فشل سريع للمفاوضات، فضلا عن الأمل في التوصل إلى اتفاق إطار سيكون تطبيقه برسم سنوات، لا مجرد شهور قبل أن يجري فتح الملفات الكبرى (ليس من بينها حق العودة الذي تبدي السلطة استعدادا للتنازل عنه، وهو لم يكن الملف الذي أفشل قمة كامب ديفيد 2000).
لو سأل المفاوض الفلسطيني نظيره الإسرائيلي، أو سألوا جون كيري عن حقيقة موقفهم من قضية القدس، أو موقف نتنياهو لانتهت المفاوضات سريعا، ولذلك لا بأس من الحديث عن قضايا أخرى يستغرق التفكير فيها وتطبيقها سنوات طويلة.
على هذه الخلفية جاءت مقترحات مستشار كيري (جون ألين) التي قيل إن 1600 خبير أمني وسياسي قد شاركوا في صياغتها (هل تحتاج إلى ذلك؟!)، والتي تبحث في ترتيبات أمنية تتعلق بالأمن ولا شيء آخر، وهنا قدم الأمريكان للإسرائيليين كل ما يطمئنهم من الناحية العملية، لكن الشهية الإسرائيلية للمزيد لم تتوقف، فلم يكتفوا بتواجد في الغور والمعابر، بل طالبوا بتأكيد استباحتهم للضفة الغربية برمتها، بحيث يمكنهم الدخول والخروج في أي وقت يشاؤون، تماما كما هو عليه الحال الآن، فضلا عن محطات إنذار مبكر في مناطق أكثر من تلك التي عرضت في الخطة الأمريكية، وسيطرة على الأجواء (هذه لا بأس بها أمريكيا)، وحتى التكنولوجيا التي وعد بها أوباما من أجل مزيد من ضمان الأمن الإسرائيلي لم تكن كافية.
خلاصة القول هي أنهم يريدون الإبقاء على الاحتلال، وبتعبير أدق، يريدون تجديد دماء أوسلو، أو صناعة أوسلو جديد يزيح عبء إدارة السكان، مع حق الفلسطينيين في أن يقولوا إن لهم دولة، وقد يجري الاعتراف بها دوليا بعد ذلك، حتى قبل فتح ملفات الوضع النهائي.
في محاضرته أمام مركز سابان، وهو أحد أذرع اللوبي الصهيوني الفكرية في أمريكا، قال أوباما إن “المسيرة ستكون تدريجية. فالإسرائيليون لن يوافقوا على نسخ غزة في الضفة الغربية. هذا ليس معقولا”. وأضاف “نحن نؤمن بأنه سيكون بوسعنا الوصول إلى نقطة تكون فيها إسرائيل واثقة من ذلك، ولكن سيتعين علينا أن نرى إذا كانت ستوافق، واذا كان الرئيس عباس مستعدا لقبول حقيقة أن الفلسطينيين لن يتلقوا كل رغباتهم منذ البداية”.
هو إذن اتفاق الإطار الذي طالما تم الحديث عنه، وهو إذن الحل الانتقالي الذي يجري تخريجه بأساليب شتى، وهي إذن الدولة المؤقتة التي ستحصل بعد ذلك على اعتراف أممي، وتحول النزاع إلى نزاع حدودي بين دولتين، أي تصفي القضية من الناحية العملية. وإذا ما تم تجاوز المؤقت إلى الدائم، فلن يكون إلا الاتفاق البائس الذي ورد في وثيقة جنيف وملحقها الأمني.
عبث يستحق الازدراء، ولولا الأجواء البائسة التي صنعتها القيادة التي انقلبت على ياسر عرفات، ومهّدت لاغتياله، ومساعيها المحمومة لإعادة تشكيل الوعي الفلسطيني، ولولا ورطة حماس في القطاع واستهدافها في الضفة، ومعها كل مفردات المقاومة، ولولا ضياع فتح كحركة تحرر تحت قيادة من هذا اللون، لكانت الانتفاضة قد اندلعت منذ سنوات.
على أن ذلك كله لا ينبغي أن يحرف الأنظار عن الغيوم التي تتجمع في سماء الضفة، بحسب يوفال ديسكن، مسؤول الشاباك السابق، والتي تبشرنا بأن شعب فلسطين سينتفض في مواجهة هذه المهزلة، وسيقول لهؤلاء الذين يعبثون بمصيره، أن كفى؛ خذوا أموالكم واستثماراتكم واستثمارات ذويكم وارحلوا، واتركوا الشعب يواجه الاحتلال بطريقته.
(الدستور)