jo24_banner
jo24_banner

هل يمكن اجتثاث حماس من غزة؟ حين تفشل الجيوش ويستيقظ الضمير الإنساني

حلمي الأسمر
جو 24 :


* من أراد أن يقتل حماس عليه أولاً أن يقتل الفكرة التي وُلدت منها، وأن يطفئ نور الإيمان في قلوب الملايين الذين يرون فيها عنوان كرامتهم.



سنتان من العدوان الإسرائيلي على غزّة، بكل ما حشده من نارٍ وحديد، وبما استند إليه من دعمٍ أمريكي وغربي وعربي غير مسبوق، ومع ذلك فشل في تحقيق الهدف المركزي الذي أعلنت عليه الحرب: القضاء على حماس.

لم ينجح الاحتلال في كسر الحركة، ولا في انتزاع سلاحها، ولا حتى في تحرير أسيرٍ إسرائيلي واحدٍ دون موافقةٍ صريحةٍ منها. الحرب التي وعدت بتصفية المقاومة، انتهت إلى اعترافٍ ضمنيّ بوزنها، وإلى إدراكٍ مرير في تل أبيب أن غزّة ليست قطعة أرض يمكن "تطهيرها”، بل كائن حيٌّ منظم الإرادة، عصيٌّ على الإبادة.

ومع ذلك يطلّ دونالد ترامب، مُلوّحًا بخطته الجديدة، مهددًا بأنّه "سيذهب لقتل حماس” إن لم تلتزم بما يُملى عليها!
فبأي منطقٍ يتحدث؟
إذا كانت إسرائيل، وهي أقوى جيوش المنطقة وأكثرها تدريبًا وتسليحًا وتغطيةً استخباريةً، عجزت عن اقتلاع الحركة من أرضها خلال عامين من الإبادة الممنهجة، فهل ستفعلها قوات عربية تُزجّ في حربٍ عبثية ضدّ شعبٍ يؤمن أن موته شهادةٌ وحياته مقاومة؟
أم أنّ ترامب، الذي اعتاد تحويل السياسة إلى عرضٍ تلفزيوني، يظنّ أن حماس يمكن "قتلها” كما تُحذف حسابات إلكترونية من شاشة هاتفه؟

من خطة ترامب إلى عقدة نتنياهو

في وثيقة ما يُسمّى «صفقة القرن الجديدة»، نصّت خطة ترامب للسلام(!) على إمكانية نشر قوة دولية أو عربية مؤقتة في قطاع غزّة للإشراف على المرحلة الانتقالية بعد "تفكيك حكم حماس”.
لكن نتنياهو رفض صراحةً وجود أي قوة أجنبية — خصوصاً تركية — واعتبره مساساً بسيادة إسرائيل الأمنية!
فمن يملك الخطة إذن؟ ترامب أم نتنياهو؟
الجواب واضح: نتنياهو هو من يضع الوقائع، وواشنطن تكتفي بالتغطية السياسية والإعلامية.
الولايات المتحدة، ومعها عدد من الأنظمة العربية، باتت شريكاً كاملاً في مشروع الحرب على وعي الفلسطيني، أكثر من كونها شريكاً في الحرب العسكرية ذاتها.

الواقع الميداني: جيش بلا نصر، ومقاومة بلا هزيمة

ما يجري في غزّة اليوم يتجاوز حدود الجغرافيا. إسرائيل، التي قيل إنها تواجه "تنظيماً إرهابياً”، وجدت نفسها في مواجهة مجتمعٍ كاملٍ يحمل المقاومة في جيناته.
الطفل في المدرسة، والمرأة تحت الأنقاض، والشيخ على أطلال بيته، جميعهم جزءٌ من شبكة مناعةٍ نفسيةٍ واجتماعيةٍ لا يمكن قهرها.
لهذا فشل الاحتلال في كسر الإرادة قبل أن يفشل في كسر البندقية.

كلما طال أمد الحرب، تآكلت صورة إسرائيل في الداخل والخارج:

تصاعدت موجات الهجرة العكسية من "أرض الميعاد” إلى الخارج.

وبدأت عائلات إسرائيلية تشكّك علنًا في جدوى الحرب.

وتحوّلت الجامعات الأمريكية والأوروبية إلى ساحات تضامنٍ مفتوحٍ مع غزّة.

بل وأصبح الشباب الغربي — لا سيما جيل "زد” — يرى في الفلسطيني رمزاً عالمياً للمقاومة الأخلاقية ضد منظومة الهيمنة الغربية.

أما في العالم العربي، فقد انكشفت هشاشة الخطاب الرسمي أمام صلابة الشارع.
شعوبٌ بأكملها رفعت صور غزّة، فيما حكوماتها هرولت نحو "التنسيق الأمني” أو الصمت المريب.
ومع ذلك، انقلب السحر على الساحر: فكل صاروخٍ سقط على غزة أطلق في المقابل وعياً جديداً في العواصم العربية والغربية معاً، حتى غدت المقاومة الفلسطينية ظاهرة أخلاقية كونية، لا يمكن محاصرتها.

قوات عربية في غزّة؟ أم عربٌ يُستدرجون لمعركة ضدّ ضميرهم؟

حين يتحدث ترامب عن «دول عربية مستعدة لإرسال قوات لاجتثاث حماس»، فهو في الواقع يختبر مدى قابلية الأنظمة لاستخدامها كأداة في حرب إسرائيل القذرة.
لكن الفارق بين الميدان والخيال كبير:
إسرائيل نفسها، بكل ما تملك، فشلت في هزيمة مقاتلين يعرفون شوارعهم كما يعرفون عيونهم.
فكيف ستفعلها قوات عربية لا تعرف الأرض ولا اللغة ولا نبض الناس؟
إن أيّ وجودٍ عربيٍّ عسكريٍّ في غزة لن يُنظر إليه إلا كقوة احتلالٍ جديدة، وسيتحوّل فوراً إلى هدفٍ مشروعٍ للمقاومة.
وغزة التي قاومت أقوى الجيوش لن تتردّد في مقاومة "الوسطاء المسلحين”.

العدوان الذي أنجب وعياً جديداً

كلما اشتدت آلة القتل، ازداد العالم وعياً.
في الغرب، نزل مئات الآلاف إلى الشوارع — من واشنطن إلى لندن إلى باريس — يرفعون راية فلسطين ويهتفون ضد الإبادة.
هذا التحول الشعبي ليس عارضاً، بل هو بداية تفكّكٍ أخلاقيٍّ داخل المنظومة التي لطالما دعمت إسرائيل بلا حدود.
الإعلام الغربي الذي كان يشيطن حماس بدأ يتحدث عن "إفلاس الحرب الإسرائيلية”، وعن "جرائم ضد الإنسانية”.
لقد تحولت غزّة من مدينةٍ محاصرةٍ إلى مرآةٍ تكشف عُري العالم.

العدالة تطارد القتلة

في نهاية المطاف، العدالة — وإن تأخرت — بدأت تتحرك.
مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية ضد قادة الاحتلال ليست مجرد أوراق قانونية، بل شهادة إدانةٍ أخلاقيةٍ لحربٍ لم تعد تجد من يبررها.
ونشر قوائم الطيارين الإسرائيليين المشاركين في المجازر على منصات التواصل لم يعد مجرد فعلٍ رمزي، بل محاكمة شعبية مفتوحة للعقلية التي اعتقدت أن بالإمكان قتل شعبٍ ثم التمتع بالحصانة.
هكذا تتآكل صورة إسرائيل لا في ساحات القتال فقط، بل في ضمير العالم الذي بدأ يستيقظ على جريمة العصر.

الخلاصة

لا يمكن اجتثاث حماس من غزة، لأن المقاومة هناك ليست تنظيماً عسكرياً فحسب، بل حالة وجودية تعيش في الناس، وتتنفس مع أنقاضهم، وتتكاثر مع كل شهيدٍ يسقط.
من أراد أن يقتل حماس عليه أولاً أن يقتل الفكرة التي وُلدت منها، وأن يطفئ نور الإيمان في قلوب الملايين الذين يرون فيها عنوان كرامتهم.
وهذا ما لم تستطع إسرائيل أن تفعله، ولن يستطيع ترامب ولا جيوشه ولا "القوات العربية” أن تفعله.
فغزة، ببساطة، أكبر من الهزيمة، وأقوى من الاجتثاث.

كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير