القيادة التي تصنع التغيير: شهادة في حق رجل دولة أكاديمي بحجم الدكتور سلطان أبو عرابي العدوان
د. محمد تركي بني سلامة
جو 24 :
في زمنٍ يتكاثر فيه المتحدثون باسم "الإصلاح" ويقلّ فيه من يجسّدونه فعلًا، يطلّ علينا نموذجٌ أردنيّ أصيل، يُعيد إلى الأذهان معنى القيادة الحقيقية التي تُحدث التغيير لا بالشعارات، بل بالفعل والموقف والرؤية. إن الحديث عن الأستاذ الدكتور سلطان أبو عرابي العدوان ليس حديثًا عن شخصٍ فحسب، بل عن مدرسة قيادية فريدة استطاعت أن تزرع في كل موقعٍ تولّته روحًا جديدة ونهجًا مؤسسيًا راقٍ، ترك أثره العميق في التعليم العالي الأردني والعربي على حد سواء.
من جامعة اليرموك، إلى جامعة الطفيلة التقنية، مرورًا بجامعة إربد الأهلية، وصولًا إلى الأمانة العامة للاتحاد العام للجامعات العربية، كان الدكتور سلطان أبو عرابي العدوان قائدًا يعرف كيف يحوّل الإمكان إلى إنجاز، والظروف إلى فرص، والرؤية إلى واقع ملموس. وقد تجلى هذا الدور مؤخرًا بإنجازه الكبير في العراق، حين ارتقت الجامعة التي يقودها لتصبح الأولى بين الجامعات العراقية الخاصة، وهو إنجازٌ لم يكن مفاجئًا لمن يعرف هذا الرجل وما يمتلكه من حكمةٍ وجرأةٍ ونزاهةٍ ووضوح رؤية.
لقد شاءت الأقدار أن أكون شاهدًا على إحدى المواقف التي تُجسد شخصية الدكتور سلطان القيادية، يوم تم نقلي بشكل تعسفي من قسم العلوم السياسية كي أعمل باحثًا في مركز دراسات اللاجئين والنازحين والهجرة القسرية بجامعة اليرموك، وطلبت الغاء الانتداب والعودة إلى قسم العلوم السياسية. كان القرار حينها محفوفًا بالاعتراضات والضغوط، فقد رفض أعضاء القسم وعميد الكلية بشدة نقلي، بل وهددوا الدكتور سلطان بتقديم استقالاتهم إن نفّذ قراره.
لكن القائد الذي لا يخاف في الحق لومة لائم، لم يتراجع ولم يتردد. بل بكل هدوءٍ وحزمٍ طلب من سكرتيرته أن تحضر لهم أقلامًا وأوراقًا، وقال لهم بالحرف الواحد:
> "إذا كنتم مصرّين على الاستقالة، فسأكون سعيدًا بتعيين بدلاء عنكم.”
كان موقفًا مهيبًا في لحظةٍ فارقة، كشف عن معدن رجلٍ لا يساوم على قناعاته، ولا يخضع للابتزاز الأكاديمي أو الحسابات الشخصية. بعدها، عُدت الى القسم بقرارٍ شجاعٍ منه، ورفع عني جزءًا من الظلم الأكاديمي الذي كنت أتعرض له لسنوات، وتقدّمت بعدها مباشرة بطلب الترقية. بل أكثر من ذلك، عيّن الدكتور سلطان ثلاثة أعضاء هيئة تدريس جدد في قسم العلوم السياسية بعد تلك الواقعة، كما فتح الأبواب أمام كفاءات جديدة في مختلف كليات الجامعة، أحيانًا رغم معارضة إداراتها، لأن الرجل كان يؤمن أن الجامعة ليست ملكًا لأحد، بل وطنٌ علمي يجب أن يتجدد دومًا بالكفاءات.
من يعرف الدكتور سلطان يدرك أنه لا يساوم على المبادئ، وأنه ينتمي إلى جيلٍ من القادة الذين يرون في الموقع الأكاديمي تكليفًا لا تشريفًا، ومسؤولية لا امتيازًا. لقد كان يواجه التحديات بابتسامة الواثق، ويتخذ قراراته انطلاقًا من المصلحة العامة لا من المزاج أو المجاملة، ولذا ترك بصمته العميقة في كل مؤسسة قادها.
إننا اليوم، ونحن نحتفي بإنجازه الأخير في العراق، لا نحتفي بجامعةٍ فقط، بل نحتفي بنهجٍ قياديٍّ ملهم أثبت أن العقول الأردنية قادرة على أن تصنع الفارق متى ما وجدت البيئة الداعمة والقيادة الرشيدة. الدكتور سلطان أبو عرابي العدوان يمثل نموذجًا حيًا للقائد الأكاديمي الذي يبني المؤسسات ويصنع الرجال ويرسّخ القيم.
وفي ختام هذه الشهادة التي أقولها للتاريخ وهو حيٌّ يُرزق، أطال الله في عمره ومتّعه بموفور الصحة، فإنني أدعو الجامعات الأردنية عامة، وجامعة اليرموك خاصة، إلى استلهام هذا النموذج القيادي الوطني، لتنهض من جديد، وتستعيد ألقها ومجدها الذي عُرفت به. فالجامعة لا ينقصها الطاقات ولا الكفاءات، بل تحتاج فقط إلى قيادة تؤمن بقدراتها وتمنحها الفرصة لتبدع. لقد علّمنا الدكتور سلطان أن التغيير ليس شعارًا، بل قرارٌ شجاعٌ يصنعه القائد المؤمن برسالته. والله الموفق.








