المجالس النيابية الأردنية؛ فقدان الثقة ووعي سياسي غائب .. لغز يحتاج إلى حلّ
جو 24 :
كتب د. محمد أبو بكر -
عايشنا المجالس النيابية الأردنية منذ العام ١٩٨٩ ، ومازلنا نتابع ونراقب أداء هذه المجالس ، في حين أن غالبية المواطنين لا يعنيهم لا مجلس النواب ولا الأعيان ولا حتى الحكومات نفسها .
يدرك الكثير من المواطنين بأن المجالس النيابية بعيدة عنهم تماما ، وينظر البعض أيضا بعين الشك والريبة لها ، لا بل ويعتقد مواطنون بأن هذه المجالس تعمل وفق مصالح شخصية بحتة ، حتى بعض القوانين تجري صياغتها والموافقة عليها بعيدا عن رغبات الشعب ، الذي يشعر بكثير من الإمتعاض في أوقات عديدة .
العديد من قوانين الانتخابات تغيّرت طيلة هذه السنين ، والأصل في قانون الانتخابات أن يكون دائما وبتوافق بين القوى المختلفة ، غير أن هذا التغيير والتعديل والتبديل يثير الكثير من الغموض والشكوك حول النوايا .
وحين تسأل المواطن عن مقدار الثقة مع المجلس النيابي يأتي الجواب فورا .. لا نثق بالنواب أبدا ، يعملون لمصلحتهم فقط ، يبتعدون عن قواعدهم الشعبية ، حين تحقيق الفوز ، وعندما تحاول الوصول إلى نائبك الذي قمت بانتخابه فلا تجده ، وربما يختار الهروب .
نحن هنا لا نعمم أبدا ، غير أن الثقة في أدنى مستوياتها ، وقد تكون مفقودة نهائيا ، وحين تكون نسبة التصويت لا تتجاوز الثلاثين بالمئة ، فهذا واضح بعدم رغبة المواطنين في المشاركة بالعملية الإنتخابية ، بسبب عدم القناعة ، لأنهم خاضوا تجارب مريرة في مجالس نيابية سابقة .
هذه الثقة المفقودة تحتاج للكثير من أجل العمل على ترميمها ، وهذا بالطبع يحتاج لمجالس نيابية مستقلة تماما ، وحين يتحدث رئيس مجلس نيابي سابق عن سطوة الحكومات على المجالس في أوقات مختلفة ، تشعر أحيانا وكأن المجلس النيابي هو جزء من من دوائر الحكومة ، والمعضلة أن غالبية النواب لا يدركون حجم قوة النائب وما منحه الدستور لمجلس النواب ، ولكن غالبية هذه المجالس باتت رهينة لرغبات حكومات ووزراء بعينهم ، وتحوّل النائب لمجرد شخص يبحث عن مصلحة لأفراد معينين من قاعدته الشعبية ، سواء لعاطل عن العمل أو تزفيت شارع أو ترميم مدرسة ومركز صحي ، فتبدّل دور النائب تماما ، وهكذا ارتضى النواب الإنتقاص من عملهم ، الذي هو أكبر من ذلك بكثير .
المجالس النيابية الاردنية في مرحلة الخمسينيات من القرن الماضي كانت تعبّر فعلا عن أحاسيس ومشاعر الأردنيين ورغباتهم ، والسبب يعود للأحزاب القوية التي كانت تشتعل نشاطا ، فاستطاعت هذه الأحزاب القومية واليسارية السيطرة على غالبية المقاعد ، فكانت أول حكومة حزبية في تاريخ الأردن .
الوعي السياسي للمواطنين كان واضحا ، وحين يقرر زعيم الحزب الشيوعي الأردني يعقوب زيادين ، المسيحي الكركي ترشيح نفسه على مقعد القدس في انتخابات عام ١٩٥٦ ، ويحقق فوزا كاسحا ، فهذا يعني مقدار ذلك الوعي المتقدم لدى المواطنين ، الذي نفتقده اليوم ، وهذا يحتاج للكثير من أجل إعادته ، ولكن من الصعب القيام بذلك في ظل أحزاب مازالت بعيدة عن معنى الحزب الحقيقي .
وللأسف الشديد ؛ كنّا نأمل في ظل وجود أحزاب على الساحة أن نشهد مجلس نواب مختلف ، إلا أن خيبة الأمل كانت حاضرة ، فبقيت الأمور على ماهي عليه ، فلا ثقة موجودة ، ولا أمل بالتحسّن في المستقبل ، إلا إذا نجحنا في إحداث تغيير جذري في العملية الإنتخابية برمتها ، واستطاع المجلس تحرير نفسه من الحكومات ، التي مازالت تمارس سطوتها الناعمة عليه ... إنّه لغز حائر يحتاج إلى حلّ ، فهل سنصل إليه ، أم نبقى ندور في حلقة مفرغة ، حتى يصيبنا الدوران ؟








