jo24_banner
jo24_banner

الهيدروجين الأخضر: الفرصة التي تدقّ باب مصفاة البترول

حسان التميمي
جو 24 :


بينما تتجه الاقتصادات الكبرى والإقليمية نحو الهيدروجين الأخضر كوقود للمستقبل، تقف مصفاة البترول الأردنية أمام مفترق طرق حقيقي ولحظة لن تتكرر.

هذه اللحظة، التي يراها الجميع كـمفترق طرق، هي في الحقيقة نقطة اللاعودة التي ستحدد شكل ومكانتها خلال العقود الثلاثة المقبلة، فمصفاة البترول ليست مجرد منشأة صناعية، بل جزء من ذاكرة الدولة، وشاهد صامت على قرارات السيادة الكبرى.

إذ تأسست عام 1956، وهو العام ذاته الذي قرر فيه الملك حسين طرد الجنرال البريطاني كلوب باشا، معززًا سيادة الأردن واستقلاله السياسي، ومنذ ذلك الحين، ظلت ركيزة للأمن الطاقي وعمودًا ثابتًا في اقتصاد تغيرت ملامحه مرات عديدة.

لكن العالم اليوم دخل مرحلة جديدة، وهنا يكمن الفارق بين القائد الذي يرى أبعد من الأفق، وبين من يكتفي بإدارة الأزمة، فالمستقبل أصبح سباقًا مفتوحًا، ومن يتأخر عنه سيدفع الثمن من إرثه قبل ميزانيته.

الهيدروجين الأخضر أصبح محورًا اقتصاديًا عالميًا، والسؤال الذي يفرض نفسه: هل سيكون الأردن جزءًا من هذا السباق، أم سيكتفي بدور المتفرج، كما لو أن القرار لا يخصه؟ الحكومة الأردنية التقطت هذه التحولات مبكرًا، لكن البيروقراطية غالبًا ما تعمي البصيرة عن الفرص الحقيقية.

جاءت التعديلات التشريعية الأخيرة، وعلى رأسها المادة 8، كإعلان رسمي بأن الدولة تريد للمؤسسات الكبرى، وخاصة المصفاة، أن تدخل عصر الطاقة النظيفة بثقة ودون عوائق، ولأول مرة، يمكن للمصفاة إنتاج الهيدروجين داخل أسوارها دون متاهة بيروقراطية، ودون أن تبقى رهينة للهيدروجين الرمادي الذي يثقل ميزانها المالي والكربوني في عالم يتحرك نحو التشدد البيئي.

تاريخيًا، اعتمدت المصفاة على الهيدروجين لإزالة الكبريت وتحسين جودة الوقود، لكنه يُنتج من مشتقات النفط أو الغاز الطبيعي، ما يعني كلفة تشغيلية مرتفعة وعبئًا بيئيًا يتزايد عامًا بعد عام، خاصة مع تطبيق أوروبا لضريبة الكربون على المنتجات المستوردة وهنا يكمن الفخ الذي لا يراه إلا القليلون: فكل طن هيدروجين رمادي يصبح قريبًا قيودًا إضافية على قدرة المصفاة على المنافسة، وربما خطرًا مباشرًا على استدامة توسعاتها المستقبلية.

إنني أرى أن هذا ليس مجرد تحسين تشغيلي صغير، بل تحول جذري في هوية المنشأة نفسها بالانتقال من الاستهلاك إلى الإنتاج، ومن التبعية إلى القيادة، ومن منشأة تكرير تقليدية إلى أصل استراتيجي قادر على صناعة المستقبل.

المصفاة تمتلك كل ما تحتاجه لتكون اللاعب الوطني الأول في هذا التحول، فلديها موقع استراتيجي، وبنية تحتية ضخمة، وإدارة متميزة وكوادر تشغيلية كفؤة، والأهم من ذلك طلب محلي كبير على الهيدروجين داخل وحداتها نفسها أي إنها منصة إطلاق جاهزة، أقرب ما تكون إلى انطلاق فعلي، بحيث يمكن أن يبدأ التحول بخطوات تدريجية على شكل إنتاج أولي يغطي جزءًا من الاستهلاك الداخلي، ثم توسع متوسط يربط الإنتاج بالطاقة المتجددة القادمة من الجنوب، وصولًا إلى مرحلة أكبر تتحول فيها المصفاة إلى منتج للهيدروجين أو الأمونيا الخضراء للتصدير.

وهكذا، تتحول هذه المنشأة التي ارتبطت بذاكرة الأردنيين بمواسم الخير من مستهلك ضخم للطاقة إلى لاعب إقليمي في سوق جديدة تتشكل الآن، وتفتح للأردن فرص تصدير واستثمار جديدة ونتيجة تتجاوز حدود المصفاة إلى تعظيم مكسب وطني، وحماية إرث أردني من كلف الكربون المستقبلية، وتعزيز أمن الطاقة، وخلق فرص عمل عالية المهارة، ووضع الأردن على خريطة الاستثمارات الدولية، كما يعيد تعريف دور المصفاة في الاقتصاد، من منشأة تقليدية إلى أصل استراتيجي قادر على إنتاج وقود المستقبل.

إنني أرى في المادة (8) نافذة مستقبلية، ونداء واضح لمن يقرأه جيدًا، بعيدًا عن ضجيج البيروقراطية، فالهيدروجين الأخضر ليس مشروعًا عابرًا، بل مسار حياة جديد للطاقة والمصفاة، بتاريخها وثقلها ومكانتها، تستطيع أن تكون أول من يعبر هذا الطريق.
العالم يتغير أسرع مما نتخيل ونتوقع، والمستقبل كما هو دائمًا لا يحابي المبطئين، والبصيرة هي العملة الجديدة، والقرار الآن هو ما سيُكتب في السيرة الذاتية لمنشأة وطنية.

كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير