jo24_banner
jo24_banner

حملة شيطنة الإسلام: حين يصبح المسلم ضحية في وطنه وفي منفى الغرب

حملة شيطنة الإسلام: حين يصبح المسلم ضحية في وطنه وفي منفى الغرب
جو 24 :

كتب أ. د. محمد تركي بني سلامة -

لم يعد الهجوم على الإسلام والمسلمين في الخطاب الغربي مجرد انحياز أعمى أو سوء فهم ثقافي؛ ما نشهده اليوم منظومة متكاملة من الشيطنة المنظمة، تُعبِّئ الرأي العام وتُشرعن السياسات وتُبرِّر الدم المسفوك. يكفي أن نتأمل موجة المقالات والتقارير التي تربط الإسلام حصراً بالتطرف، وتقدّم المسلمين كتهديد أمني دائم، كي ندرك أننا أمام سردية جديدة–قديمة تريد أن تجعل من الإسلام «مشكلة العالم»، ومن المسلم «المتهم الأبدي» أينما وُجد.

في الولايات المتحدة، يُسوَّق خطاب "التدقيق المشدّد” في الهجرة على أنه ضرورة لحماية الأمن القومي، بينما يتم التركيز على المهاجر المسلم تحديداً بوصفه الخطر الكامن. خلف هذا الخطاب تكمن فكرة أخطر: أن الانتماء إلى الإسلام قرينة اشتباه، وأن المسلم ينبغي أن يثبت براءته قبل أن يُعامَل كمواطن محتمل. وهكذا يتحوّل ملف الهجرة إلى أداة فرز أيديولوجي وثقافي، لا إجراءً إدارياً عادلاً، ويُعاد إنتاج صورة المسلم الغازي المتربص بالحضارة الغربية.

في كندا، تُصوَّر البلاد على أنها «مغناطيس لحماس»، وفي أوروبا تُربَط الجاليات المسلمة بعصابات الاستغلال الجنسي أو غسل الأموال أو الاحتيال على نظم الرعاية الاجتماعية. لا أحد ينكر وجود مجرمين في أي مجتمع، لكن الانتقائية الإعلامية والسياسية في التركيز على حالات بعينها، وتضخيمها لتصبح "دليلاً” على خلل ديني وثقافي شامل، تكشف عن نية مبيّتة لصناعة فزاعة اسمها «الإسلام السياسي» أو «التطرف الإسلامي» تُستخدم لإخافة الجمهور وتبرير التضييق على ملايين الأبرياء.

والأخطر أن هذه الشيطنة لا تقتصر على المسلمين في الغرب، بل تمتد لتطال المسلمين في ديارهم. فحين تُصوَّر حركات المقاومة حصراً بوصفها «إرهاباً إسلامياً»، وحين تُختَزل قضايا التحرر الوطني في معادلات أمنية تُدار من عواصم غربية، يصبح دم المسلم في بلاده مباحاً تحت لافتة «مكافحة الإرهاب». يكفي أن ننظر إلى فلسطين اليوم لندرك مدى هذا الانحياز الفج: احتلال استيطاني يمارس القتل والتهجير والحصار منذ عقود، ومع ذلك يُقدَّم للعالم باعتباره ضحية، بينما يُجرَّم الشعب الفلسطيني الذي يدافع عن أبسط حقوقه في الحرية والكرامة.

هذه الصورة المقلوبة ليست خطأ عارضاً، بل تعبير عن الوجه الحقيقي للمنظومة الغربية المعاصرة؛ المنظومة التي ترفع شعارات حقوق الإنسان والديمقراطية حين تخدم مصالحها، وتصمت أو تبرر حين تكون الضحية عربياً أو مسلماً. فالذي يطالب بتجريم منظماتٍ إسلامية داخل الولايات المتحدة أو أوروبا، بحجة صلات مزعومة هنا أو تقارير أمنية هناك، هو ذاته الذي يغضّ الطرف عن جرائم موثقة تُرتكب في غزة والضفة الغربية، ويمنح إسرائيل الغطاء السياسي والعسكري والمالي كي تواصل حربها المفتوحة على الشعب الفلسطيني.

هذه الازدواجية القيمية ليست مجرد انحياز سياسي، بل هي جزء من بناء «عدوّ حضاري» جديد بعد سقوط الاتحاد السوفييتي. لقد تمّ تنميط الإسلام في الوعي الغربي بوصفه نقيضاً للحداثة والعقلانية والحرية، ومن ثم جرى تصوير كل ما يصدر عن العالم الإسلامي من مطالب بالعدالة أو الاستقلال أو حفظ الهوية، على أنه تهديد وجودي يجب احتواؤه أو سحقه. وهنا يتقاطع الخطاب الإعلامي مع مراكز الأبحاث والقرار السياسي في إنتاج حزمة واحدة: المسلم إرهابي محتمل، والإسلام عقيدة عنف، والعالم العربي بيئة تفرّخ التطرف.

لكن الحقيقة التي تجاهلها هذا الخطاب أن المسلم اليوم ضحية في كلتا الجبهتين: في بلاده التي تعاني من الاحتلال أو الاستبداد أو الفوضى، وفي بلاد الغرب التي يُعامل فيها كغريب دائم، مهما اندمج أو أبدع أو ساهم في بناء اقتصادها ومجتمعها. المسلم الذي يُقتل في غزة أو السودان أو أفغانستان هو الوجه الآخر للمسلم الذي يُلاحَق في المطارات، أو يُستهدَف بخطاب الكراهية في الشوارع والمدارس ووسائل الإعلام. إنهما ضحية واحدة لمنظومة واحدة، وإن اختلفت الساحات وتعددت الشعارات.

إن مواجهة هذه الحملة لا تكون بالبكاء على الأطلال ولا بردود الفعل الانفعالية، بل ببناء خطاب عربي–إسلامي جديد، واثق من نفسه، يستند إلى قوة الحجة ووضوح القيم، ويُعيد تقديم الإسلام للعالم بوصفه منظومة حضارية إنسانية لا مشروع عنف وتدمير. كما تتطلب هذه المواجهة وحدة في الصف العربي والإسلامي، وإعادة تعريف العلاقة مع الغرب على أساس الندية والاحترام المتبادل، لا على أساس التبعية الفكرية والسياسية.

لقد آن الأوان أن نكشف هذا الوجه الحقيقي الذي يحاول الغرب إخفاءه خلف شعارات براقة. فاحترام الإنسان لا يتجزأ، والعدالة لا تُطبَّق بانتقائية، وحق الشعوب في الحرية والكرامة لا يمكن أن يكون امتيازاً لأمة دون أخرى. ما لم يُدرك الغرب هذه الحقيقة، وما لم يراجع انحيازه الأعمى لإسرائيل على حساب الفلسطينيين والعرب والمسلمين، سيظل يتحدث عن السلام والديمقراطية فيما يزرع بذور الكراهية والصراع. أما نحن، فمسؤوليتنا أن نرفض هذه الشيطنة، وأن نتمسّك بحقنا في السردية والكرامة، وأن نُسمع العالم صوت الضحية لا صوت الجلاد.

كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير