هل صارت قطر سويسرا الشرق الأوسط؟
زياد فرحان المجالي
جو 24 :
قطر اليوم ليست مجرد دولة صغيرة تتحرك في مساحة سياسية مضطربة، بل أصبحت لاعبًا إقليميًا ودوليًا يُحسب له حساب، خاصة في ملف الوساطات المعقّدة التي فشلت فيها دول أكبر منها حجمًا وإمكانًا. ومع انعقاد «منتدى قطر»، تتجدد الأسئلة حول طبيعة الدور الذي تبنيه الدوحة:
هل نحن أمام دولة تتحول تدريجيًا إلى "سويسرا الشرق الأوسط”؟
الجواب الأقرب للواقع هو: نعم، ولكن بطريقتها الخاصة.
فالدوحة لا تقلّد أحدًا، ولا تستنسخ نموذجًا جاهزًا، لكنها تبني رؤية تناسب جغرافيتها ومكانتها ووعيها السياسي. وتاريخ الوساطات التي قادتها قطر خلال العقد الأخير يكشف حجم الدور الذي أصبحت تمارسه.
الوساطة الأفغانية: أعقد تفاوض في القرن
حين كانت واشنطن تريد الخروج من أطول حرب خاضتها في تاريخها، لم تجد مكانًا آمنًا للتفاوض مع طالبان إلا الدوحة. استضافت قطر المحادثات، وأدارت النقاشات، وقدّمت ضمانات، واحترمت حساسية الأطراف.
والنتيجة: اتفاق تاريخي وُقّع في الدوحة.
النجاح لم يكن دبلوماسيًا فقط، بل استراتيجيًا؛ فقد أثبت أن قطر قادرة على لعب دور عالمي، لا إقليمي فقط.
إفريقيا: هدوء عبر طريق الدوحة
من السودان إلى القرن الإفريقي، كانت قطر طرفًا حاضرًا في محطات التوتر. وفي أوقات معينة كانت العاصمة الوحيدة التي يستطيع طرفان متصارعان الجلوس فيها.
إنها دبلوماسية هادئة، لا تبحث عن المكاسب الإعلامية، بل عن النتائج.
غزة: دور إنساني وسياسي بثمن الدم
لم تكن الوساطة القطرية في غزة مجرد دعم مالي أو مساعدات إنسانية.
لقد دفعت الدوحة ثمنًا مباشرًا لموقفها، وسقط شهداء قطريون جراء القصف الإسرائيلي، وكانت الدوحة أحد أطراف المعادلة الصعبة التي تحاول أن تمنع الانهيار الإنساني الكامل في القطاع.
قطر لم تساوم على موقفها، وظلت تحافظ على خطوط اتصال مفتوحة مع حماس من جهة، ومع القوى الغربية من جهة أخرى، وهو أمر لا تقدر عليه أي دولة أخرى في المنطقة.
منتدى قطر: منصة تصنع المكانة
هذا المنتدى أصبح أحد أهم أدوات القوة الناعمة للدوحة.
إنه ليس مجرد مساحة نقاش، بل هو إعلان أن الدولة الصغيرة قادرة على أن تكون منصة دولية تستقبل المتخاصمين، وتناقش القضايا الكبرى، وتقدّم نفسها كدولة حل لا دولة أزمة.
مكسب عربي لا قطري فقط
إن الدور الذي تلعبه قطر لا ينعكس عليها وحدها.
إنه مكسب عربي كامل، لأن الدوحة تعيد تقديم صورة جديدة للعرب: صورة منفتحة، عقلانية، قادرة على الحوار وعلى مخاطبة العالم بلغته، وليس بشعاراته.
قطر اليوم لا تنافس أحدًا، بل تفتح طريقًا جديدًا للعالم العربي، طريقًا كانت المنطقة بحاجة إليه.
هل تصبح قطر سويسرا المنطقة؟
ربما ليس بالمعنى الكامل، لكنّها تقترب من ذلك عبر ثلاث ركائز:
1. حياد مبادر لا ينسحب من الملفات
2. وساطة ناجحة بين أطراف لا يلتقون إلا في الدوحة
3. استعداد لتحمّل تكلفة سياسية وإنسانية، حتى دماء شهدائها
وبذلك تقدّم قطر نموذجًا عربيًا نادرًا: دولة صغيرة قادرة على لعب أدوار كبيرة.








