2025-12-15 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

قراءة معمّقة في مقال د. فؤاد البطاينة حول قضية أيمن صندوقة

زياد فرحان المجالي
جو 24 :


هناك مقالات تُقرأ مرة ثم تُنسى، وهناك نصوص تُقرأ لأنها تطرق بابًا حساسًا في قلب الدولة. مقال الدكتور فؤاد البطاينة ينتمي بوضوح إلى الفئة الثانية؛ لا لأنه يرفع الصوت، بل لأنه يضع إصبعه على جرحٍ يعرف الأردنيون جميعًا أن تجاهله لا يضر شخصًا بعينه، بل يهدد فكرة الدولة نفسها: العدالة، والمواطنة، ووحدة الجبهة الداخلية.

ليس المطلوب من القارئ أن يتفق مع الدكتور البطاينة في كل كلمة، ولا أن يختلف معه بدافع عاطفي. المطلوب ببساطة أن نفهم ما الذي يحذر منه، ولماذا اختار "قضية أيمن صندوقة” عنوانًا، لا باعتبارها شأنًا فرديًا، بل بوصفها مرآة لخلل يقترب من العصب الوطني.

الدولة ليست نصوصًا… الدولة عدالة
ينطلق الدكتور البطاينة من قاعدة قانونية واقعية وصارمة:
القانون، حتى لو كان قاسيًا أو محل خلاف دستوري، يصبح ملزمًا متى أُقرّ وسرى. عندها لا يملك القاضي أن يعيد صياغته وفق قناعته، بل أن يطبّقه كما هو، لأن وحدة التطبيق—even إن كان ظالمًا—تحفظ فكرة الدولة، بينما انتقائيته تهدمها من الداخل.
هذه ليست فلسفة نظرية، بل خلاصة تجربة دول ومجتمعات. فالدولة تستطيع تعديل قوانينها، لكنها لا تستطيع البقاء إذا فقد المواطن ثقته بأن القانون يُطبّق عليه كما يُطبّق على غيره. عندها يبدأ السؤال الأخطر: ماذا يجوز؟ وماذا لا يجوز؟ ومن يحميني إن وقعت تحت مزاج التأويل؟
الدكتور البطاينة لا يدّعي أن القانون دائمًا عادل، بل يقول إن العدل يبدأ من المساواة في التطبيق، لأن التمييز في المواطنة—سياسيًا أو طبقيًا—هو البوابة الأولى للفتنة.

القضاء كعمود الدولة.. هنا بيت القصيد
أخطر ما في مقال البطاينة ليس توصيفه للقانون، بل حديثه عن المنظومة القضائية حين تُنتهك، وعن محكمة التمييز بوصفها المرجعية العليا التي يُفترض أن تُنهي الجدل، وتحسم الصواب، وتغلق باب التسييس والتطويع.
في الوعي الأردني، محكمة التمييز ليست درجة تقاضٍ إضافية، بل عنوان الطمأنينة الأخير. لذلك، فإن أي ادعاء -إن ثبت- بتجاهل حكم تمييزي قطعي، لا يمكن التعامل معه كمناوشة إجرائية. حينها تصبح القضية أكبر من منشور سياسي، وأكبر من اسم شخص، وأكبر من سنوات سجن. تصبح قضية ثقة بالدولة.
الثقة بالقضاء ليست ترفًا. هي ما يمنع تحوّل المجتمع إلى غضب مفتوح أو انفلات داخلي. المواطن يقبل الخسارة حين يثق بأن الحكم صدر بمعيار واحد. لكنه يتمرّد حين يشعر أن الأحكام تُفصّل، أو أن المعايير تتبدل.

لماذا يربط البطاينة القضية بالاستهداف الوجودي؟
إقحام إسرائيل وأميركا في التحليل ليس تخوينًا، بل قراءة واقعية لموقع الأردن في الإقليم. الأردن دولة لا تُضرب بسهولة من الخارج: علاقاته الدولية متينة، ونظامه يحظى باحترام خاص، والحرب السافرة عليه غير مرجحة.
لذلك، فإن أي استهداف—إن وُجد—لا يأتي عبر الدبابات، بل عبر تفكيك الداخل: ضرب الثقة، وتسييل القضايا، وتحويل كل ملف إلى صراع هوياتي أو طبقي. هذا منطق معروف في الحروب الناعمة: حين تشكك شعبًا في عدالته، فأنت تفتح الطريق إلى إضعاف دولته.

ثنائية "أردني–فلسطيني”… الفخ القديم المتجدد
أقوى تحذيرات البطاينة تتعلق بالثنائية الفتنوية "أردني–فلسطيني”. هذه الثنائية ليست حقيقة المجتمع الأردني، بل أداة استُخدمت تاريخيًا كلما أراد أحد تفجير الداخل أو الهروب من سؤال العدالة.
الأردن قام على تنوع أصول مواطنيه، وعلى عقد اجتماعي واضح: مواطنة واحدة، دولة واحدة، ومرجعية جامعة. لكن أي شعور بالتمييز، مهما كان محدودًا، يمنح خصوم الدولة فرصة خطيرة للعب على هذا الوتر.

لماذا تحولت قضية صندوقة إلى "قضية وطن”؟
لأنها—بحسب رواية البطاينة—تمس ثلاث دوائر حساسة في آن واحد:
1. حرية التعبير وحدودها القانونية
2. سلامة إجراءات التقاضي ووحدة المرجعية القضائية
3. شعور المواطن بالمساواة وعدم وجود طبقية في المواطنة
حين تجتمع هذه الدوائر، لا يعود الملف فرديًا. يصبح سؤالًا عن معنى الدولة نفسها.
الأردن لا يقوى بكثرة السجون، بل بعمق الثقة. لا يقوى بصمت الناس، بل بإيمانهم أن القضاء هو الحكم الأخير، لا المزاج ولا الخوف.

رسالة لمن يريد أن يفهم… ولمن يراهن على الفتنة
لمن يريد أن يفهم:
ما طرحه الدكتور فؤاد البطاينة ليس تحريضًا ولا طعنًا بالدولة، بل دعوة صريحة لإعادة ترتيب البوصلة: عدالة أولًا، مساواة أولًا، احترام المرجعيات العليا أولًا.
ولمن يراهن على الفتنة:
الأردن ليس هشًا. هذا بلد خبر محاولات الاستدراج، ويدرك أن سقوط الدولة ليس بطولة، بل كارثة جماعية. لا ينجو أحد إذا انهارت الثقة، ولا يبقى أحد فوق الرماد.
ما المطلوب؟ تصويب لا صدام
إن كانت الوثائق صحيحة، فالمطلوب ليس ضجيجًا ولا تخوينًا، بل:
تحقيق مؤسسي شفاف
تفسير قانوني علني
احترام الأحكام العليا
وتأكيد صارم لمبدأ المساواة أمام القانون
فالدولة التي تحترم نفسها تُصلح أخطاءها ولا تُهديها لخصومها.
قضية أيمن صندوقة ليست اسمًا في خبر، بل سؤالًا عن معنى الدولة.
والأردن لا يُحمى بالخوف، بل بالعدل.
ولا يُحصَّن بإسكات الناس، بل بطمأنتهم أن القانون واحد، والقضاء واحد، والمواطنة واحدة.
هذا هو جوهر رسالة الدكتور فؤاد البطاينة.

ومن يريد أن يفهم، فليفهم من هنا: الدول لا تنهار حين تُنتقد، بل حين لا تجد من يجرؤ على قول الحقيقة قبل فوات الأوان.

كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير