حين تُغسَل الجريمة بلغة الإنسانية… ولماذا لا نملك ترفَ التلطيف
زياد فرحان المجالي
جو 24 :
ليس من السهل أن يكتب الإنسان ضد مقالٍ كُتب بحسن نية، لكن الأصعب هو الصمت حين تتحوّل النيّات الحسنة إلى غطاء لغويّ يخفّف من ثقل الجريمة، أو يُربك البوصلة الأخلاقية في لحظة لا تحتمل الالتباس. ما يدفع إلى هذه القراءة ليس الرغبة في السجال، بل ضرورة التصحيح، لأن الكلمات – حين تُخطئ توصيف الصراع – لا تبقى بريئة.
أولًا: العنوان… حيث يبدأ الانحراف
الحديث عن "الكراهية” في توصيف الصراع مع المشروع الصهيوني ليس زلّة لغوية، بل خطأ بنيوي. نحن لا نقف أمام نزاع مشاعر، ولا أمام مواجهة روايات متقابلة، ولا أمام تاريخ من سوء الفهم المتبادل. نحن أمام احتلال عسكري استيطاني، قائم على اقتلاع شعب من أرضه، وتدمير كيانه، وإلغاء وجوده، منذ عام 1948 وحتى اليوم.
الكراهية شعور،
أما ما يجري في فلسطين فهو جريمة منظّمة.
ومن يختزل الصراع في "كراهية”، يختزل الجريمة في عاطفة، ويحوّل القاتل إلى طرف نفسي، والضحية إلى حالة انفعالية.
ثانيًا: من غذّى الصراع فعلًا؟
القول إن "آليات الخوف والسرديات” هي التي غذّت الصراع هو قلب فجّ للوقائع.
الذي غذّى الصراع هو:
وعد استعماري لا يملك شرعية
احتلال عسكري بالقوة
تهجير شعب كامل
مذابح موثقة
نظام فصل عنصري
دعم دولي سياسي وعسكري ومالي
لم تبدأ الحكاية بخوف، بل بجرافة.
ولم تُكتب بالسرديات، بل بالدم.
أما الروايات، فجاءت لاحقًا لتبرير ما فُرض بالقوة، لا لصناعته.
ثالثًا: حادثة أستراليا… تفكيك بلا تزييف
ما جرى في أستراليا حادث أمني محدد، وتدخّل إنساني فردي، لا أكثر.
الرجل الذي تدخّل لم يكن محللًا سياسيًا، ولا فاعلًا أيديولوجيًا، ولا ممثلًا عن أي سردية. كان إنسانًا رأى فعلًا إجراميًا مباشرًا، فاتخذ قرارًا لحظيًا.
لكن الخطر لا يكمن في الفعل،
بل في تحميله ما لا يحتمل.
استخدام هذا المشهد لتسويق خطاب إنساني عام، دون تسمية الجريمة الأصلية في فلسطين، ودون تحديد طبيعة الصراع، هو قفز غير أخلاقي فوق الحقيقة.
رابعًا: هل الصور القادمة من غزة "تغذّي الكراهية”؟
هذا أخطر ما يمكن قوله.
الصور القادمة من غزة والضفة لا تغذّي الكراهية، بل تكشف:
أطفالًا تحت الأنقاض
مدنًا مُسحت عن الخريطة
عائلات أُبيدت
شعبًا يُعاقَب لأنه موجود
الغضب أمام هذه الصور ليس كراهية، بل استجابة أخلاقية طبيعية.
والمشكلة ليست في من يغضب، بل في من يطالب الضحية بالهدوء، بينما القاتل يواصل القتل بدمٍ بارد.
خامسًا: الأسئلة الافتراضية… هروب لا تحليل
السؤال من نوع:
> "لو كان المتدخّل يعلم كل الخلفيات، هل كان سيفعل ما فعل؟”
سؤال لا قيمة له.
لأننا لا نحاكم الأفراد العاديين بمنطق الصراعات الكبرى،
لكننا أيضًا لا نسمح باستخدام أفعالهم لتبييض مشروع احتلال.
الإنسانية لا تُستخدم كممحاة للتاريخ.
الخلاصة التي لا تقبل التخفيف
لا حياد في مواجهة الإبادة
لا إنسانية بلا تسمية الجاني
لا أخلاق تُبنى على تمييع الحق
ولا لغة ناعمة في زمن المجازر
من أراد الدفاع عن الإنسان،
فليبدأ بالدفاع عن الإنسان المقتول،
لا عن صورة مريحة للضمير.
أما الصراع، فليس كراهية…
إنه احتلال.
وكل ما عداه محاولة للالتفاف على الحقيقة.








