يديعوت أحرونوت تنشر مقالا عن "الجبهة الثامنة.. الحرب التي لم تعلَن بعد"
جو 24 :
رغم كلّ ما تكشّف للرأي العام العالمي من حجم الإجرام الصهيوني الذي يُمارس ضدّ الفلسطينيين والعرب بشكل عام، إلا أن بعض وسائل الإعلام العبرية ما زالت تصرّ على نشر وتصدير الأكاذيب في محاولة للتغطية على حجم الوحشية والفاشية التي تمارسها "اسرائيل" ضدّ الفلسطينيين.
بالأمس، نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت مقالا لـ "ماركو مورينو / ساغيف أسولين" شخّص فيه الكاتبان ما قالا إنه خطر يتهدد كيانهم المزعوم، متجاهلين حقيقة أن العداء الذي ظهر أخيرا للصهيونية يرتبط بشكل مباشر ووثيق بالجرائم التي يمارسها الصهاينة بحقّ الشعب الفلسطيني، ومرتبط بإستفاقة الرأي العام العالمي المتأخرة لماهية الاحتلال الصهيوني.
وتاليا نصّ المقال الذي ننشره في سياق إطلاع القارئ العربي على طريقة تفكير العقل الصهيوني:
الجبهة الثامنة: الحرب التي لم تعلَن بعد
16 ديسمبر 2025 / يديعوت أحرونوت -
في الأعوام الأخيرة، أصبح مصطلح "آلة السم" شائعاً في الخطاب العام الإسرائيلي؛ فكل طرف يتهم خصمه بنشر الأكاذيب، وهندسة الوعي، وإعادة إنتاج الرسائل الدعائية، يطلق عليه هذه التسمية. لكن وسط هذا الضجيج، ننسى أمراً أهم كثيراً؛ آلة السم الحقيقية، الكبيرة والمحكمة، لا تعمل داخل إسرائيل، إنما ضدها. إنها آلة عالمية غنية بالموارد والقدرات، وتعمل منذ أكثر من عقد في الساحة الدولية، وتنجح يوماً بعد يوم في إخراج الجماهير إلى الشوارع للتظاهر، وإشعال الكراهية ضد إسرائيل، وتأجيج موجات معاداة السامية في الجامعات، والتأثير في الرأي العام في دول الغرب الليبرالي.
هذه هي الآلة التي حولت إسرائيل إلى رمز للشر في نظر جيل شاب لم يلتقِ إسرائيلياً في حياته، والتي أدت في نهاية المطاف إلى انتخاب أحد ممثليها (زهران ممداني) لمنصب عمدة نيويورك. وهي أيضاً التي وقفت وراء الهجوم الإرهابي الوحشي في حفل عيد الحانوكا في سيدني هذا الأسبوع. وهذه ليست ظاهرة اجتماعية – سياسية محلية، إنما منظومة تأثير إمبريالية، ممولة بالمليارات، ومُنسَّقة بإحكام، وتعمل على جميع مكونات الوعي الغربي: التعليم، والثقافة، والأكاديميا، والقانون، والإعلام، والسياسة، وشبكات التواصل الاجتماعي، كما تعمل انطلاقاً من فهم فحواه أن إسرائيل والولايات المتحدة والعالم الغربي لا يمكن هزيمتهم بالقوة العسكرية، ولذلك جرى شن الحرب عليهم بالخداع والحيل والصبر الطويل.
ومن المهم أن نفهم أن هذه الآلة لم تظهر بين ليلة وضحاها، بل بُنيت على مدى أعوام تحت الرادار: في الدوحة، وطهران، وموسكو، وتشكلت في جامعات مرموقة، وحظيت بشرعية في مراكز أبحاث، ونمت عبر تحالفات اجتماعية تقدم نفسها كنضال من أجل العدالة. إنها معركة عابرة للقارات حددت نقاط ضعف الغرب - كالشعور بالذنب الاستعماري، والفجوات بين الأجيال، وانعدام الثقة بالمؤسسات، وبإسرائيل - وتسللت عن طريق هذه الشقوق، وحولتها إلى أسلحة.
على مدى أكثر من عقد، ضخت هذه الآلة الأموال في منظمات طلابية، وبنت بنى تحتية للنشاط السياسي، وأنشأت شبكات من المؤثرين الشباب، وسيطرت على خطاب حقوق الإنسان، وربطته بأجندات معادية لإسرائيل وللغرب بصورة واضحة. والنتائج جميعنا نراها: طلبة لا يعرفون أين تقع إسرائيل على الخريطة، لكنهم واثقون بأنها "دولة أبارتهايد"، ومجتمعات يهودية تخفي هويتها، وسياسيون غربيون يرضخون لضغوط الشارع، وحشود تخرج للتظاهر من دون أن تدرك أنها تحولت إلى جنود في جيوش أنظمة متطرفة.
وهنا يبرز السؤال: كيف يمكن لدولة قادرة على تدمير البنية التحتية النووية الإيرانية، وتنفيذ عملية البيجر، وتصفية نصر الله، وتنفيذ عمليات غير مسبوقة في العمق، وتشغيل أحد أفضل أجهزة الاستخبارات في العالم، أن تقف عاجزة أمام ما يحدث على شبكات التواصل الاجتماعي وفي الجامعات؟ الجواب بسيط: ما لا يعرَّف كتهديد أمني حقيقي، لا يعالَج؟.… الجيش الإسرائيلي يعرف كيف ينتصر في حرب وجبهة تم إعلانها، والموساد يحسم معارك حين تُوضع له أهداف واضحة، والشاباك يُحبط التهديدات التي تعرَّف كتهديدات، لكن الجبهة الثامنة لم تحدَد قط من جانب إسرائيل، وحيث لا يوجد تعريف للتهديد، توجد فوضى وإهمال.
بعد إدراك أن الآلة التي تعمل ضد إسرائيل هي جبهة قتال استراتيجية وليست مجرد "خطاب عدائي" أو "مشكلة دعائية"، فإن الخطوة الأولى هي إصدار أمر التأسيس، ويبدأ ذلك بتوحيد الرؤية والاعتراف بوجود خط رابط بين 11 أيلول/سبتمبر، ونشاط قطر وإيران، مروراً بـ7 تشرين الأول/ أكتوبر، وصولاً إلى ما يحدث على شبكات التواصل الاجتماعي، وفي شوارع أوروبا، والجامعات الأميركية، ومع صعود ممداني، وتصاعد التهديد على يهود الشتات. هذه ليست سلسلة أحداث منفصلة، إنما هي الجبهة نفسها.
أمّا المرحلة التالية، فهي قراءة دقيقة للساحة: والمقصود ليس الدعاية، ولا الدبلوماسية العامة، ولا محاربة العداء للسامية، فهذه مصطلحات تقلل من حجم التهديد. إنه صراع من أجل الحقيقة، وصراع للدفاع عن بقاء إسرائيل، ويهود الشتات، والعالم الغربي. هو بكلمتين: الجبهة الثامنة.
ومن هنا تنبع الحاجة إلى الإعلان المطلوب: الجبهة الثامنة هي تهديد استراتيجي - وجودي لإسرائيل. ويفتح تعريف كهذا المجال لإعطاء صلاحيات، وميزانيات، وقدرات، ويحرك سلسلة منظومة عمل عملياتية - استخباراتية تنتهي بالانتصار والحسم، تماماً كما حدث في جبهات أُخرى.… بعد ذلك، هناك حاجة إلى خطوة عملية أولى: عقد (الكابينيت) وإعلان رسمي بشأن فتح الجبهة. وفي اللحظة التي تعرَّف فيها هذه الجبهة كجبهة حرب، تبدأ المنظومة كلها بالتحرك.
والخطوة التالية هي إنشاء قيادة للجبهة الثامنة؛ هيئة مركزية تُدار تحت إشراف رئيس الحكومة، وبالتوازي، إنشاء منظومات مخصصة لجمع المعلومات والتنفيذ في الجيش الإسرائيلي، والموساد، والشاباك، ومجتمع الاستخبارات.
وهناك خطوة إضافية، وهي تغيير تعريف أدوار وزارة الخارجية، ووزارة شؤون الشتات، والإعلام، والمؤسسات الوطنية الصهيونية، والمبادرات المتعددة لمكافحة العداء السامية، إلى جانب الإلغاء التام لمفهوم "الهسبراه/الدعاية التفسيرية".
هذا فضلاً عن خطوة أُخرى، وهي فهم وتحليل ساحة المعركة: شبكات التواصل الاجتماعي، والإعلام، والساحة القانونية، والاقتصادية، والدبلوماسية، والسياسية، مع تركيز خاص على جيل الشباب وعلى الساحة الأهم على الإطلاق؛ الولايات المتحدة.
وأخيراً، يجب إدراك أن الحديث يدور بشأن معركة طويلة الأمد، وليست عملية قصيرة، ولا خطوة تستغرق أياماً، إنما صراع لأعوام، ويتطلب صبراً، ومثابرة، وقدرة على العمل البعيد المدى.








