2025-12-24 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

هل استحداث وزارة جديدة يصلح التعليم ام هروب من معالجة التحديات؟

هل استحداث وزارة جديدة يصلح التعليم ام هروب من معالجة التحديات؟
جو 24 :


كتب د. محمد أبو غزله * 

* إنشاء وزارة جديدة للتعليم وتنمية الموارد البشرية هروب من معالجة التحديات التربوية
* وظيفة الوزارة وفق قانونها الحالي رسم سياسات واشراف ومتابعها لكن عشقنا للسلطة والمركزية كرس ممارساتنا الأبوية
* مصير عملية الاستحداث هو نفس مصير عمليات الدمج السابقة


في إطار سعي الحكومات المتعاقبة لتنفيذ مخرجات الرؤية الاقتصادية 2033، التي تركز على تحديث المسارات السياسية والاقتصادية والإدارية، سنتناول هنا القرار المرتبط بمسار تحديث القطاع العام الحكومي والذي يتناول تعزيز كفاءة العمل الحكومي ولعل من أبرز القرارات التي اتخذتها الحكومة في هذا السياق فكرة دمج وزارة التربية والتعليم مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، حيث تم تكليف أشخاص وشركات، وإنفاق أموال من بعض الجهات المانحة لتغطية تكاليف دراسة حول ذلك، بهدف تحقيق التكامل بين التعليم العام والعالي، وتوفير إطار إداري أكثر كفاءة يتماشى مع التوجهات الحديثة، لكن ما صرح به معالي وزير التربية والتعليم في ندوة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي الأردني قبل أيام يشير إلى أنه سيتم استحداث وزارة جديدة تحت مسمى "وزارة التعليم وتنمية الموارد البشرية" بنموذج تشغيلي جديد ليست قائمة على الدمج والذي صدر فيه القرار سابقا، وهو قرار أضاف طبقة من التعقيد الإداري بدًا من أن يقدم حلا حقيقيا لمشكلات النظام التعليمي ولا أعرف ما هو الجديد في تولي الوزارة مهمة رسم السياسات وتوسيع مهام التنفيذ من قبل الميدان عن طريق تقليص صلاحيات المركز، وتوسيع صلاحيات الميدان، وتوطين بعض المهام، والفصل في بعضها، وتحمل مسؤولية مهام جديدة أخرى للوزارة وربط التعليم بسوق العمل والتعليم التقني والتدريب المهني، علما بأن الوزارة لم تستطيع حمل مهامها الحالية فكيف بالمهام الجديدة.

لذا، فإن الحديث عن التكامل بين التعليم العام والعالي، والتمكين الإداري للميدان والفصل في رسم السياسات بين الوزارة والميدان، يبرز تساؤلا مهما: منذ متى لم تكن مهام مركز الوزارة هي رسم السياسات التعليمية، وكانت مديريات التربية في الميدان مسؤولة عن التنفيذ؟ هذا سؤال أطرحه على من يتبنون القرار والذين كانوا يعملون بموجب قانون التربية والتعليم رقم (3) لسنة 1994 وتعديلاته، وهو التشريع الأساسي الذي ينظم قطاع التعليم في الأردن، ويحدد فلسفة التربية وأهدافها ومبادئ السياسة التربوية والذي وفي مواده المختلفة ذات الأرقام (5، 6، و24) المنشور على المواقع الرسمية ، يؤكد مبادئ السياسة التربوية، وأعمال الوزارة، ومهام مجلس التربية والتعليم، وجميعها تشير إلى أن عمل الوزارة يركز على رسم السياسات ومتابعتها، أي دور تخطيطي لا علاقة له بالتنفيذ، والتي هي مهمة مناطة بمديريات التربية والتعليم، ناهيك عن تفويض صلاحيات أخرى من مركز الوزارة للميدان.

وعليه، كيف يسوغ إنشاء وزارة جديدة تحت هذه المبررات دون أن نعترف بأن ممارساتنا في مركز الوزارة، وعشقنا للسلطة والمركزية في كل شيء، كانت هي الأسباب في التدخل في شؤون الميدان في كل واردة وشاردة من باب الوصاية الأبوية، ونعتقد بأننا أكثر تحملا للمسؤولية منهم، وأحرص منهم على التعليم وعلى الدولة؟ لدرجة وصلت تدخلاتنا لمتابعة غياب الطلبة في صف ما ومدرسة ما وغيرها من التفاصيل، فضلا عن تدخلاتنا في تعيين مديري المدارس ورؤساء الأقسام في المديريات، وحتى وصلنا إلى مرحلة التدخل في النقل الداخلي للموظفين بين المدارس.

وعليه، ما الجديد في طرح هذا النموذج الإداري التشغيلي؟ هل هو مجرد إشغال للرأي العام بمشاريع إدارية، ام تنقيعيه ام للانصراف عما يعانيه النظام التعليمي، أم أن هناك استراتيجية أعمق لتحقيق تغيير حقيقي؟ وهذا لا يمكن تنفيذه إلا إذا تم استحداث وزارة وتوسيع الصلاحيات، أو تقليص أو إلغاء إدارات واستحداث مواقع، على الرغم من انه يمكن أن يحدث تطوير التعليم ذلك دون الحاجة إلى استحداث وزارة جديدة، إذا كنا نريد معالجة جوهر المشكلات التعليمية في الأردن.

إن هذا الإعلان، وهذه التغييرات التنظيمية، تبدو وكأنها مجرد استجابة إدارية أو ذر للرماد في العيون، مع أنها لا تشكل ولا تعكس استجابة حقيقية وعميقة للمشكلات الحقيقية التي يعاني منها قطاع التعليم في الأردن كما أن هذا التصريح يطرح تساؤلات جوهرية حول جدوى هذه الخطوة وتأثيراتها على الواقع التربوي، خاصة أن التعليم في الأردن، سواء في القطاع العام أو العالي، يعاني من عدة تحديات رئيسية، منها: تعدد وضعف الرؤى والسياسات التعليمية وتقلبها، وضعف مستوى القيادات على المستويات الإدارية والمدرسية كافة، وضعف مستوى أداء المعلمين وإعدادهم وتدريبهم، مرورا بعدم ملاءمة البرامج التي يخضعون لها في الجامعات والميدان التربوي، وضعف ملاءمة المناهج للمتغيرات الحديثة، وعدم توفير البيئة التعليمية المادية والمعنوية الحاضنة للإبداع والابتكار والمناسبة للتعلم، وضعف توفير وتوظيف التكنولوجيا الحديثة، وعقم استراتيجيات وأدوات التقويم المستخدمة، وصولًا إلى الظروف الصعبة التي يعمل فيها المعلمون في المدارس، ناهيك عن ضعف باقي عناصر المنظومة التعليمية، والأدلة كثيرة ومتعددة، ولعل نتائجنا الأخيرة في الدراسة الطولية لاختبار TIMSS وغيرها من الاختبارات الدولية ، وما كشفته تقارير المساءلة الداخلية في الوزارة تؤكد ذلك.

لذا، فإن إعادة الهيكلة أو استحداث وزارة جديدة باسم أنيق لا يعدو كونه مجرد تغيير في الشكل، يفتقر إلى جوهر الحلول الفعالة لجوهر العمل نفسه. كما أن استنساخ التجارب والأسماء لا يكون كافيا دون معرفة إمكانية تطبيق ذلك وفق القدرات والإمكانات المتاحة، وعليه، أليس هذا الواقع أجدر بالمعالجة؟ فتحسين جودة التعليم لا يحتاج إلى وزارات جديدة أو وحدات إدارية مبتكرة، بل إلى إصلاح فعلي في النظام التعليمي، وحل التحدي الأكبر الذي يكمن في أداء المعلم بوصفه عنصرا محوريا في تطوير التعليم، بدلا من التركيز على التغييرات الهيكلية، وخاصة في تقليص عدد الإدارات أو مديريات التربية والتعليم، والعودة إلى ما كنا عليه في السابق، والتي قد لا تسهم في تحقيق الأهداف الكبرى لرؤية التعليم في الأردن، بل ربما تزيد من تعقيد الإجراءات التعليمية والإدارية دون تحسين مخرجات العملية التعليمية.

ومن هنا، فإن ما أعلن عنه أراه تغييرات إدارية لا تتماشى مع حاجة التعليم ولا تمس جوهر ما يعاني منه النظام التعليمي ومع أن هدف تكامل السياسات، وليس توحيدها، لتحقيق التكامل بين جميع مستويات التعليم أمر في غاية الأهمية، إلا أن التذبذب في القرارات الحكومية، من دمج إلى إعادة إنشاء، وخاصة بعد التجارب الفاشلة في عمليات الدمج السابقة التي تبناها رؤساء حكومات ووزراء في الحكومات السابقة، وأثبتت فشلها، وهذا ما سيكتب لهذه التوجه أيضا كما أن ذلك يوحي بعدم وضوح الرؤية، أو أن هذه القرارات تهدف إلى الانصراف عن التركيز على جوهر عناصر عملية التعليم التي تشكل أساس العملية التعليمية، فالتغيير في هيكل الوزارة أو إعادة إنشائها، يا سادة، لن يؤتي ثماره، ونحن على يقين بأنه لم ينجح، وسيتم العودة عنه لاحقا، وسنذكّركم بذلك، كما أنه ليس الحل السحري لمشاكل التعليم. فتطوير المهارات التربوية الأساسية في الميدان، وخاصة مهارات المعلمين، التي تعد العامل الرئيسي في رفع جودة التعليم ومخرجاته، هو الأساس.

كما أن الحديث عن نقل صلاحيات التنفيذ من الوزارة إلى المديريات في الميدان يثير الكثير من التساؤلات: فهل المديريات جاهزة لهذه المسؤوليات الجديدة، على الرغم من أن تنفيذ عملية الإنشاء والنقل والمباشرة بالتطبيق حدد بعام واحد؟ وهل الموارد والكفاءات اللازمة لتطبيق السياسات التعليمية بكفاءة متوفرة؟ أم أن هذا التحول نحو اللامركزية، في ظل عدم التهيئة له، سيتحول إلى عبء إضافي بدلا من أن يكون فرصة لتحسين العمل الميداني؟ كما ان البعد المالي والإداري الذي اشير اليه هل سيعتمد على التحول في النظام المالي للدولة ذا الطابع المركزي الا نظام لا مركزي ام سيبقى كما هو بتخصيص الأموال للوزارة وللمحافظات كما يجرى الان ، وهل ستكون هناك صلاحيات مالية وإدارية وفنية لمدراء المدارس ومدراء التربية دون العودة للوزارة كما يجري لأخذ الموافقات وغيرها الكثير.

ومن هنا علينا ألا ننسى أن من أكبر التحديات التي قد تواجه نجاح هذا القرار هي مقاومة التغيير التي قد تصدر عن الموظفين في الوزارة والمديريات على حد سواء. وإذا كنا علميين في توجهنا، فلم تعد أدواتنا لكبح جماحهم بالعقوبات مجدية، لأن الطالب هو من سيدفع الضريبة، وبالتالي النظام التعليمي. لذا فإن أي استحداث أو تغيير يتطلب أدوات جديدة لتحقيق ذلك، وإلا فما فائدة مثل هذه القرارات؟ فالتصريح بأن عملية الاستحداث لن يتم فيها التخلي عن أحد من الموظفين، أعتقد أنه يحتاج إلى مصارحة أكثر، ولأمر بسيط؛ لأن تغيير هيكل الوزارة، وإعادة تصميم المهام والمسؤوليات، وإعادة توزيع الصلاحيات، سيؤدي إلى شعور الكثير من العاملين في القطاع التربوي بعدم الاستقرار، أو الخوف من فقدان مناصبهم أو مسؤولياتهم. إضافة إلى أن المعلمين والإداريين في الميدان لن يكونوا مستعدين دائما لتولي صلاحيات أوسع كما هو مقرر في النموذج الجديد، وهذا قد يؤدي إلى ازدواجية في الأدوار بين الوزارة الجديدة والمديريات، في ظل غياب وصف وظيفي دقيق لكل جهة، وربما سيؤدي إلى إحباط المعنيين في القطاع التربوي، وهو ما ينعكس سلبًا على العملية التعليمية والنظام التعليمي برمته.

وعليه، أرى أن قرار استحداث وزارة للتعليم بمسمى أنيق هو في ظاهره محاولة لتطوير الهيكل الإداري في القطاع التعليمي، لكنه لا يقدم حلولا حقيقية لمعالجة التحديات الجوهرية التي يعاني منها التعليم في الأردن، وعلى رأسها المعلم، وغيره من عناصر المنظومة التعليمية. وعلى الرغم من أهمية التقنيات الحديثة، مثل تقنيات الذكاء الاصطناعي، وروبوتات التعليم، والمعلم الافتراضي، وغيرها، فإن تغيير المسميات وحده لا يكفي. فالإصلاح الفعلي في التعليم يجب أن يكون جزءا من رؤية شاملة تهدف إلى تحقيق العدالة التربوية، وتعزيز الكفاءة في العملية التعليمية، وعناصر النظام التعليمي، الذي يعد الركيزة الأساسية في تحقيق الأهداف الوطنية الكبرى، وضمان أن يكون التعليم في الأردن في خدمة الأجيال القادمة.

* الكاتب خبير تربوي

كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير