jo24_banner
jo24_banner

الحرب على غزة إذ تغير ثيابها

سلام العكور
جو 24 :


عاد كما عاد كثيرون ، محملا بالوجع ، مثقلا بالألم ،ومحمولا -رغم كل شيء -بالكثير من الأمل . 
لم تثنه المسافات البعيدة، ولا وعورة الطريق، ولا خسارة عائلته عن العودة الى بيت لم يعد بيتا ، بيت بلا أبواب ، نوافذه كلها مفتوحة على المجهول . 
كان يدرك تماما  ان ما قد يراه يفوق قدرته على حمله ،فظهره لم يعد قويا كما كان.

وصل اخيرا الى المكان الذي كان يوما بيته الجميل ، ذاك الذي غادره مرغما حاملا ابناءه الخمسة ، بعد ان أسلمت أمهم الروح فيه  . 

وقف في منتصف الركام ، وأغمض عينيه ، لم يعد ينظر ، بل أخذ يتلمس البيت بقلبه ، يحاول ان يستعيد رائحة الورد الذي زرعته المرحومة في فناء الدار . 

ذلك العطر الذي كان يسبقها في الحضور ، والذي يبدو الآن كما لو انه يختنق تحت غبار الخراب . 

عاد مع مليون ونصف المليون  مهجر الى شمال قطاع غزة ، بعد وقف اطلاق النار ، ليفاجأوا بحجم الدمار الهائل الذي طال مدنهم واحياءهم وقراهم .

لم يصلوا الى الشمال من بيوتهم ، بل من رحلة نزوح طويلة ، تغير فيها المكان مرات ، وتآكل فيها الجسد قبل أن يواجه البرد . 

ظنوا ان الحرب انتهت بوقف النار ، ليكتشفوا ان الحرب لم تغادر " رغم الانتهاكات " ، بل غيرت ثيابها .وان الشتاء ، وهو أحد فصول العام ، ما هو الا  استمرار للحرب بوسائل أخرى ، اذ أتى بكل قسوته على أجساد منهكة ، مثقلة بالألم ، ومجردة من الدفء.

ان الظروف القاسية التي يعيشها المهجرون لم تكن وليدة اللحظة ، فالاكتظاظ الخانق ، والنقص الحاد في الغذاء والمياه والخدمات الأساسية ، الى جانب تفشي الأوبئة وغياب الرعاية الصحية والنفسية ، جاءت امتدادا لمعاناة طويلة مع التهجير . 
لم يكن البرد وحده ما ينهش أجسادهم ، فقد كانت الأيدي ممدودة ولا شيء يصل ، والشاحنات تنتظر خلف حدود لا تفتح ، والخبز مؤجل والدواء عالق ، وكأن النجاة بحاجة الى اذن .
حتى الخيم التي وعدوا بها ملاذا مؤقتا  ليست الا قطعا من القماش لا تصد ريحا ولا تحفظ دفئأ ، بل تعرضت العديد منها الى الغرق والانجراف ، وكان البرد قاتلا تسلل الى عظام الأطفال وفتك بهم وهم في أحضان امهاتهم . 

كل تأخير ، وكل وعد لم ينفذ يزيد من معاناة المهجرين ويضاعف الفقر والبرد ، بينما العالم يشاهد عن بعد دون أي شعور بالذنب ودون أي نزف للإنسانية والكرامة  يظل صدى الوعود الدولية خافتا ، والوسطاء يتبادلون المواقف على المنابر والورق ، يناقشون ويخططون ، والتنفيذ معلق ، متجاهلين صراخ الأطفال ودموع الأمهات ، متعامين عن الواقع القاسي الذي يعيشه المحاصرين بلا حول ولا قوة .

أما هو ، فقد عاد وحيدا يضم نفسه بذراعيه داخل خيمة متواضعة وسط الركام  ترقص على وقع الريح ، يضربها المطر المنهمر بعنف ، يحاول أن يبقى صامدا وهو يغرق تحت وطأة الماء و الذكريات . 

ويظل السؤال قائما : متى ستنتهي معاناة من فقدوا كل شيء على مرأى العالم ، قبل ان يبتلعهم الشتاء والحصار ؟

كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير