إخوانو فوبيا
فهمي هويدي
جو 24 : الإخوانو فوبيا وباء انتشر في مصر، حتى أصبح أكثر حدة من الإسلاموفوبيا. و«الفوبيا» عند علماء النفس هي الخوف غير العقلاني، لكنه فيما خص الإسلام أصبح مقترنا بالنفور والكراهية. من ثم اعتبرت الإسلاموفوبيا التي انتشرت في بعض بلاد الغرب أساسا حالة ثقافية سلبية، جعلت قطاعات من الناس تكره الإسلام والمسلمين وتسيء الظن بالاثنين لأسباب يطول شرحها، بعضها يتعلق بمواقف الخصوم والمتعصبين والبعض الآخر مصدره الدعايات التي تروج لها وسائل الإعلام. والبعض الثالث راجع إلى ممارسات بعض المسلمين أنفسهم. وليس شرطا أن يكون الناس في تلك المجتمعات مع الإسلام أو ضده؛ لأن أوضاعها وثقافتها تحتمل فريقا ثالثا محايدا تماما، لا هو مع هؤلاء أو هؤلاء.
الوضع مختلف في حالة الإخوانوفوبيا، أولا لأن الظاهرة لم تخرج من الغرب أو الشرق، ولكنها أكثر شيوعا في بعض الدول العربية والإسلامية، ثم إن الخوف المقترن بالكراهية ليس موجها ضد الإسلام، وليس ضد المسلمين على إطلاقهم، لأنها تستوطن مجتمعات أغلبيتها مسلمة بشكل أساسي. صحيح أن في تلك المجتمعات من يكره المسلمين، إلا أن أمثال هؤلاء يشكلون أقلية واستثناء بين السكان. لذلك لا أتردد في القول بأن الإخوانوفوبيا ظاهرة في بلاد الإسلام تحترم الإسلام، لكنها تكره جماعة من المسلمين. من ثم فهي ظاهرة سياسية بأكثر منها ثقافية أو اجتماعية؛ أعني أنها وثيقة الصلة بتحولات الأجواء السياسية بأكثر من صلتها بأية عوامل أخرى. آية ذلك مثلا أن المجتمع المصري المعبأ في الوقت الراهن بمشاعر رفض الإخوان والنفور منهم، والذي تتحدث أخبار كل يوم عن مطاردة الإخوان وتطهير أجهزة الدولة منهم، هذا المجتمع هو ذاته الذي صوتت أغلبيته لصالح الإخوان في خمسة انتخابات واستفتاءات عامة جرت بين عامي 2011 و2012. لن أختلف كثيرا مع من يقول إن حملة الملاحقة والتطهير تقوم بها السلطة ممثلة في أجهزتها الأمنية، وينبغى ألا تحسب على المجتمع. لكنني لا أستطيع أن أتجاهل الدور الكبير الذي قامت به الأبواق الإعلامية طوال العامين الأخيرين في تعبئة الناس بمشاعر الرفض والكراهية؛ الأمر الذي بدل من مواقفهم، بحيث أزعم أن الإخوان لو شاركوا في أي انتخابات عامة في الوقت الراهن فلن يحصلوا على نصف الأصوات التي أيدتهم في الانتخابات السابقة. ولا أستطيع أن أحمل الإعلام أو موقف السلطة وحدها بالمسؤولية عن انفضاض قطاعات معتبرة من الناس من حولهم، لأن هناك عاملين آخرين مهمين أسهما في تلك النتيجة هما:
< أخطاء الإخوان أنفسهم في أثناء وجودهم في السلطة، حيث لم ينجحوا في التواصل مع المجتمع أو في تأسيس شراكة حقيقية مع القوى السياسية الأخرى، فضلا عن تورطهم في صدامات غير مبررة مع بعض مؤسسات المجتمع الأخرى (القضاء والمثقفون مثلا)، مما أدى إلى خسرانهم تعاطف وتأييد هؤلاء وهؤلاء. الأمر الذي عزز موقف خصومهم؛ بحيث أصبح رفض الإخوان هو القاسم المشترك الأعظم بين قوى المعارضة السياسية في مصر. وغدا وجود الإخوان في السلطة هو المحفز الأكبر لوحدة تلك القوى.
< العامل الثاني الآخر تمثل في أن الإخوان بعد انفضاض القوى السياسية الأخرى من حولهم، سواء بمبادرة من جانبها أم جراء سلوك الإخوان إزاءهم، فإنهم اتجهوا إلى التحالف مع الجماعات الإسلامية الأخرى والسلفيين في مقدمتهم، ولا نعرف مدى إسهام الضرورة أو الترتيب والعمد في إقامة ذلك التحالف، إلا أن الشاهد أنهم بذلك تحملوا أوزار ونقائص تلك الجماعات الإسلامية التي يختلف بعضها اختلافا جذريا مع الإخوان في الأفكار، والوسائل وربما في الأهداف أيضا.
على صعيد آخر، فثمة فارق مهم للغاية بين الإسلاموفوبيا والإخوانوفوبيا، فقد ذكرت توا أنه في المجتمعات الغربية احتملت مساحة للحياد بين كارهي الإسلام والمسلمين وبين القابلين بهما؛ بحيث لم تعد هناك غضاضة في أن يعبر أي باحث عن تفهم الاثنين أو التعاطف معهما دون أن يتعرض للتجريح أو الاتهام، إلا أن مجتمعات الإخوانوفوبيا بوجه أخص في مصر، فالحياد غير مسموح به، والتفهم أو التعاطف جريمة تعرض من «يقترفها» لما لا تحمد عقباه.
الأخطر من ذلك والأغرب أنك إذا لم تسب الإخوان في كل مناسبة فسوف تصنف إخوانيا، وستتعرض إلى مختلف صور الاستباحة والاتهام. حتى أزعم بأنه في مصر الآن صار الانتماء للإخوان جناية. وإذا تفهم المرء موقفهم أو تورط في التعاطف مع مظلوميتهم رغم اختلافه معهم في أمور أخرى، فتلك جنحة. أما إذا وقفت محايدا والتزمت الصمت فلن تسلم من الاتهام؛ حيث سيشك في أمرك باعتبارك متقاعسا عن أداء الواجب الوطني، وستعد تلك مخالفة تسجل عليك. أما إذا رُمت البراءة، وأردت أن تحصل على القبول وتحظى بالنجومية السياسية والإعلامية، فتوكل على الله واشتمهم، فذلك أسلم لك وأفضل جدا.
(السبيل)
الوضع مختلف في حالة الإخوانوفوبيا، أولا لأن الظاهرة لم تخرج من الغرب أو الشرق، ولكنها أكثر شيوعا في بعض الدول العربية والإسلامية، ثم إن الخوف المقترن بالكراهية ليس موجها ضد الإسلام، وليس ضد المسلمين على إطلاقهم، لأنها تستوطن مجتمعات أغلبيتها مسلمة بشكل أساسي. صحيح أن في تلك المجتمعات من يكره المسلمين، إلا أن أمثال هؤلاء يشكلون أقلية واستثناء بين السكان. لذلك لا أتردد في القول بأن الإخوانوفوبيا ظاهرة في بلاد الإسلام تحترم الإسلام، لكنها تكره جماعة من المسلمين. من ثم فهي ظاهرة سياسية بأكثر منها ثقافية أو اجتماعية؛ أعني أنها وثيقة الصلة بتحولات الأجواء السياسية بأكثر من صلتها بأية عوامل أخرى. آية ذلك مثلا أن المجتمع المصري المعبأ في الوقت الراهن بمشاعر رفض الإخوان والنفور منهم، والذي تتحدث أخبار كل يوم عن مطاردة الإخوان وتطهير أجهزة الدولة منهم، هذا المجتمع هو ذاته الذي صوتت أغلبيته لصالح الإخوان في خمسة انتخابات واستفتاءات عامة جرت بين عامي 2011 و2012. لن أختلف كثيرا مع من يقول إن حملة الملاحقة والتطهير تقوم بها السلطة ممثلة في أجهزتها الأمنية، وينبغى ألا تحسب على المجتمع. لكنني لا أستطيع أن أتجاهل الدور الكبير الذي قامت به الأبواق الإعلامية طوال العامين الأخيرين في تعبئة الناس بمشاعر الرفض والكراهية؛ الأمر الذي بدل من مواقفهم، بحيث أزعم أن الإخوان لو شاركوا في أي انتخابات عامة في الوقت الراهن فلن يحصلوا على نصف الأصوات التي أيدتهم في الانتخابات السابقة. ولا أستطيع أن أحمل الإعلام أو موقف السلطة وحدها بالمسؤولية عن انفضاض قطاعات معتبرة من الناس من حولهم، لأن هناك عاملين آخرين مهمين أسهما في تلك النتيجة هما:
< أخطاء الإخوان أنفسهم في أثناء وجودهم في السلطة، حيث لم ينجحوا في التواصل مع المجتمع أو في تأسيس شراكة حقيقية مع القوى السياسية الأخرى، فضلا عن تورطهم في صدامات غير مبررة مع بعض مؤسسات المجتمع الأخرى (القضاء والمثقفون مثلا)، مما أدى إلى خسرانهم تعاطف وتأييد هؤلاء وهؤلاء. الأمر الذي عزز موقف خصومهم؛ بحيث أصبح رفض الإخوان هو القاسم المشترك الأعظم بين قوى المعارضة السياسية في مصر. وغدا وجود الإخوان في السلطة هو المحفز الأكبر لوحدة تلك القوى.
< العامل الثاني الآخر تمثل في أن الإخوان بعد انفضاض القوى السياسية الأخرى من حولهم، سواء بمبادرة من جانبها أم جراء سلوك الإخوان إزاءهم، فإنهم اتجهوا إلى التحالف مع الجماعات الإسلامية الأخرى والسلفيين في مقدمتهم، ولا نعرف مدى إسهام الضرورة أو الترتيب والعمد في إقامة ذلك التحالف، إلا أن الشاهد أنهم بذلك تحملوا أوزار ونقائص تلك الجماعات الإسلامية التي يختلف بعضها اختلافا جذريا مع الإخوان في الأفكار، والوسائل وربما في الأهداف أيضا.
على صعيد آخر، فثمة فارق مهم للغاية بين الإسلاموفوبيا والإخوانوفوبيا، فقد ذكرت توا أنه في المجتمعات الغربية احتملت مساحة للحياد بين كارهي الإسلام والمسلمين وبين القابلين بهما؛ بحيث لم تعد هناك غضاضة في أن يعبر أي باحث عن تفهم الاثنين أو التعاطف معهما دون أن يتعرض للتجريح أو الاتهام، إلا أن مجتمعات الإخوانوفوبيا بوجه أخص في مصر، فالحياد غير مسموح به، والتفهم أو التعاطف جريمة تعرض من «يقترفها» لما لا تحمد عقباه.
الأخطر من ذلك والأغرب أنك إذا لم تسب الإخوان في كل مناسبة فسوف تصنف إخوانيا، وستتعرض إلى مختلف صور الاستباحة والاتهام. حتى أزعم بأنه في مصر الآن صار الانتماء للإخوان جناية. وإذا تفهم المرء موقفهم أو تورط في التعاطف مع مظلوميتهم رغم اختلافه معهم في أمور أخرى، فتلك جنحة. أما إذا وقفت محايدا والتزمت الصمت فلن تسلم من الاتهام؛ حيث سيشك في أمرك باعتبارك متقاعسا عن أداء الواجب الوطني، وستعد تلك مخالفة تسجل عليك. أما إذا رُمت البراءة، وأردت أن تحصل على القبول وتحظى بالنجومية السياسية والإعلامية، فتوكل على الله واشتمهم، فذلك أسلم لك وأفضل جدا.
(السبيل)