جريمتان
فهمي هويدي
جو 24 : كل الصحف المصرية التي صدرت أمس تحدثت عن «ذبيح المنصورة»، وهو سائق التاكسي محمد جمال بدر الذي ذكرت التقارير الصحفية أن أعضاء من الإخوان قتلوه وأحرقوا سيارته، وان آلاف المواطنين خرجوا في جنازته يهتفون ضد الجماعة ويطالبون بالقصاص. وفي التفاصيل نقلت إحدى الصحف شهادة لمسؤول الأمن في إحدى شركات الصرافة قال فيها إن سيدة كانت ترتدي «خمارا» أخرجت سكينا كبيرا من ثيابها وطعنت به السائق في عنقه. وتحدث تقرير الطب الشرعي عن وجود تسع طعنات في جسده. وإلى جانب التفاصيل الكثيرة المنشورة رأينا صورا لجنازة السائق وجثته الملقاة على الرصيف وطفليه وأبيه، إلى آخر التفاصيل المتعلقة بالمأساة.
قبل ان تخرج علينا الصحف بالتفاصيل سابقة الذكر، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي يوم الثلاثاء 17/12 شريطا مصورا ــ بوسع أي أحد ان يشاهده على «اليوتيوب» ــ سجل وجود التاكسي وسط المتظاهرين والتفاف كثيرين حوله ممن كانوا يتصايحون بعد ايقافه، وقد قام هؤلاء برفع التاكسي وإخراج سيدة كانت موجودة تحته. وكان واضحا حالة الفوضى والانفعال التي لم تهدأ إلا حين قلب التاكسي على جانبه الأيمن وتم حمل السيدة بعيدا عن المشهد.
رغم ان الحادث واحد والجريمة مزدوجة، إلا أن وسائل الإعلام لم تركز إلا على الشق المتعلق بقتل السائق، أما السيدة التي تم دهسها وسجلت الصور إخراج جثتها من تحت التاكسي لم يشر أحد إليها بكلمة، حتى بيان رئيس الوزراء الذي قدم عزاءه إلى أسرة السائق تجاهل أي ذكر للضحية الأخرى.
من جانبي حاولت ان أتحرى الأمر فاتصلت بمن أعرف في المنصورة، وأتيح لي أن أتحدث إلى بعض أساتذة جامعة المنصورة وآخرين ممن شاركوا في المسيرة. فقالوا إنهم كانوا متواعدين على الخروج من مسجد الشناوي قاصدين استاد المنصورة، ولكن سائق التاكسي أراد ان يتجاوز المسيرة فطلب منه المنظمون أن ينتظر لبعض الوقت حتى يخلوا له الطريق، لكنه لم يصبر فتقدم بسيارته وسط الجمع الأمر الذي أدى إلى اصطدامه ببعض السيدات المشاركات في المسيرة، وإذ سقط بعضهن على الأرض جراء ذلك، فان واحدة منهن سقطت تحت السيارة التي واصلت تقدمها ببطء نظرا لوجود السيدة تحتها. وقد أثار ذلك غضب المتظاهرين فتحلقوا حولها وظلوا يضربون أبوابها بأيديهم إلى أن أوقفوها. فسارعوا إلى إخراج السيدة من تحتها التي كانت فاقدة للنطق وفي حالة إغماء، الأمر الذي اقنعهم بأنها فارقت الحياة، وكان ذلك سببا في إشاعة الهياج والغضب بين الجموع المحيطة، فانهال بعضهم بالضرب على السائق، الأمر الذي انتهى بوفاته. وقد نقلت السيدة(اسمها رضا) إلى أحد المستشفيات القريبة، وبعدما وجدوا أنها لاتزال تتنفس، نقلوها إلى مستشفي خاص. أما السيدات الخمس اللاتي أصبن بكسور في الساق والحوض فقد حملن بعيدا عن المشهد لعلاجهن في العيادات الخاصة، لان المتظاهرين خشوا من إلقاء القبض عليهن.
هذه هي الرواية الثانية التي تستند إلى الشريط المصور المتاح على اليوتيوب، والتي لم تشر صحف صباح أمس إلى شيء من وقائعها. وإذا وضعناها إلى جانب الرواية التي أبرزتها بقية الصحف المصرية فاننا نستخلص ثلاث نتائج هي:
اننا بصدد جريمتين لا جريمة واحدة. فقتل السائق جريمة لا ريب، في حين أن اقتحام الجمع بالتاكسي ودهس السيدة التي لا يعرف مصيرها جريمة أيضا.
إن الأمر كله لم يكن له طابع سياسي، ولكنه تهور وانفعال من جانب السائق المشكوك في هويته قوبل بتهور وانفعال من جانب المتظاهرين، وهو ما يذكرنا بحالات أخرى تكررت في بر مصر، لجأ فيها المواطنون من جانبهم إلى سحل وصلب نفر من الجناة والبلطجية.
إن المشهد على بعضه يسلط الضوء على إحدى الظواهر الاجتماعية المؤرقة التي برزت في مصر خلال السنوات الثلاث الأخيرة، التي تتعلق بمفهوم العدالة وقيمة القانون التي اهتزت في تلك الفترة، بحيث أصبح كثيرون غير واثقين من عناية السلطة بها. وهو ما يدفع البعض إلى أن يتولوا بأنفسهم تحصيل حقوقهم ومعاقبة من يرون أنه يستحق العقاب.
لقد ذكرت اننا بإزاء جريمتين وليس جريمة واحدة كما أوحت بذلك الصحف التي صدرت أمس، وسلطت الضوء على طرف واحد دون آخر. الأمر الذي يدعوني إلى القول بأن النشر المشوه والمتحيز الذي تم يشكل جريمة ثالثة.
(السبيل)
قبل ان تخرج علينا الصحف بالتفاصيل سابقة الذكر، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي يوم الثلاثاء 17/12 شريطا مصورا ــ بوسع أي أحد ان يشاهده على «اليوتيوب» ــ سجل وجود التاكسي وسط المتظاهرين والتفاف كثيرين حوله ممن كانوا يتصايحون بعد ايقافه، وقد قام هؤلاء برفع التاكسي وإخراج سيدة كانت موجودة تحته. وكان واضحا حالة الفوضى والانفعال التي لم تهدأ إلا حين قلب التاكسي على جانبه الأيمن وتم حمل السيدة بعيدا عن المشهد.
رغم ان الحادث واحد والجريمة مزدوجة، إلا أن وسائل الإعلام لم تركز إلا على الشق المتعلق بقتل السائق، أما السيدة التي تم دهسها وسجلت الصور إخراج جثتها من تحت التاكسي لم يشر أحد إليها بكلمة، حتى بيان رئيس الوزراء الذي قدم عزاءه إلى أسرة السائق تجاهل أي ذكر للضحية الأخرى.
من جانبي حاولت ان أتحرى الأمر فاتصلت بمن أعرف في المنصورة، وأتيح لي أن أتحدث إلى بعض أساتذة جامعة المنصورة وآخرين ممن شاركوا في المسيرة. فقالوا إنهم كانوا متواعدين على الخروج من مسجد الشناوي قاصدين استاد المنصورة، ولكن سائق التاكسي أراد ان يتجاوز المسيرة فطلب منه المنظمون أن ينتظر لبعض الوقت حتى يخلوا له الطريق، لكنه لم يصبر فتقدم بسيارته وسط الجمع الأمر الذي أدى إلى اصطدامه ببعض السيدات المشاركات في المسيرة، وإذ سقط بعضهن على الأرض جراء ذلك، فان واحدة منهن سقطت تحت السيارة التي واصلت تقدمها ببطء نظرا لوجود السيدة تحتها. وقد أثار ذلك غضب المتظاهرين فتحلقوا حولها وظلوا يضربون أبوابها بأيديهم إلى أن أوقفوها. فسارعوا إلى إخراج السيدة من تحتها التي كانت فاقدة للنطق وفي حالة إغماء، الأمر الذي اقنعهم بأنها فارقت الحياة، وكان ذلك سببا في إشاعة الهياج والغضب بين الجموع المحيطة، فانهال بعضهم بالضرب على السائق، الأمر الذي انتهى بوفاته. وقد نقلت السيدة(اسمها رضا) إلى أحد المستشفيات القريبة، وبعدما وجدوا أنها لاتزال تتنفس، نقلوها إلى مستشفي خاص. أما السيدات الخمس اللاتي أصبن بكسور في الساق والحوض فقد حملن بعيدا عن المشهد لعلاجهن في العيادات الخاصة، لان المتظاهرين خشوا من إلقاء القبض عليهن.
هذه هي الرواية الثانية التي تستند إلى الشريط المصور المتاح على اليوتيوب، والتي لم تشر صحف صباح أمس إلى شيء من وقائعها. وإذا وضعناها إلى جانب الرواية التي أبرزتها بقية الصحف المصرية فاننا نستخلص ثلاث نتائج هي:
اننا بصدد جريمتين لا جريمة واحدة. فقتل السائق جريمة لا ريب، في حين أن اقتحام الجمع بالتاكسي ودهس السيدة التي لا يعرف مصيرها جريمة أيضا.
إن الأمر كله لم يكن له طابع سياسي، ولكنه تهور وانفعال من جانب السائق المشكوك في هويته قوبل بتهور وانفعال من جانب المتظاهرين، وهو ما يذكرنا بحالات أخرى تكررت في بر مصر، لجأ فيها المواطنون من جانبهم إلى سحل وصلب نفر من الجناة والبلطجية.
إن المشهد على بعضه يسلط الضوء على إحدى الظواهر الاجتماعية المؤرقة التي برزت في مصر خلال السنوات الثلاث الأخيرة، التي تتعلق بمفهوم العدالة وقيمة القانون التي اهتزت في تلك الفترة، بحيث أصبح كثيرون غير واثقين من عناية السلطة بها. وهو ما يدفع البعض إلى أن يتولوا بأنفسهم تحصيل حقوقهم ومعاقبة من يرون أنه يستحق العقاب.
لقد ذكرت اننا بإزاء جريمتين وليس جريمة واحدة كما أوحت بذلك الصحف التي صدرت أمس، وسلطت الضوء على طرف واحد دون آخر. الأمر الذي يدعوني إلى القول بأن النشر المشوه والمتحيز الذي تم يشكل جريمة ثالثة.
(السبيل)