حماس وغزة ومواجهة مزدوجة
ياسر الزعاترة
جو 24 : حين يقوم جيش الاحتلال بنصب القبة الحديدية، فهذا يعني أن احتمالات شن عدوان جديد على القطاع لم تعد مستبعدة تحت ذريعة الحد من الهجمات التي تأتي من القطاع، لاسيما بعد عملية القنص وبضعة صواريخ أطلقت من القطاع نحو الأراضي المحتلة عام 48.
الإسرائيليون يقولون صراحة، إن حماس ليست حريصة على مواجهة جديدة مع الاحتلال في الوقت الراهن، ويضيفون كما أوضح كبار محلليهم العسكريين والأمنيين (عاموس هرئيل، إليكس فيشمان وآخرون)، إن السبب في ذلك هي استغلالها التهدئة القائمة في الإعداد والتجهيز.
من المؤكد أن الجناح العسكري لحماس يصل الليل بالنهار من أجل المزيد من الإعداد، وفيه جحافل من خيرة الرجال الذين ما وضعوا السلاح ولا تخلوا عن خيار المقاومة أبدا، لكن الحقيقة التي تواجه الجميع رغم ذلك، هي أن القطاع وحده (المحاصر برا وجوا وبحرا) لا يمكنه فتح حرب مع الاحتلال مهما بلغ مستوى التجهيز لديه، ليس فقط لأن ميزان القوى مختل تماما لصالح الاحتلال، بل أيضا، وربما الأهم، لأن الظرف الفلسطيني والعربي والإقليمي لا يسمح بخطوة من هذا النوع، وما يمكن أن يفعله هو فقط رد العدوان في حال وقوعه.
لا يتعلق الأمر بما جرى في مصر وحدها، بل بعموم تطورات المنطقة التي يبدو أن ما يجري فيها يضع الحب في طاحونة العدو، ليس لأن ربيع العرب كان مؤامرة كما يذهب موتورون كثر، بل لأن أنظمة الثورة المضادة قد تمكنت من إجهاض الجزء الأهم منه في مصر، ولأن نظام بشار الأسد قد نجح بالتعاون مع إيران في جعل الثورة ثقبا أسود يستنزف جميع القوى، بما فيها إيران وحزب الله وربيع العرب وتركيا، في ذات الوقت الذي يدمر فيها سوريا نفسها، وكل ذلك من أجل أن تحافظ إيران على ركن مشروعها الإستراتيجي في سوريا، ولكي يحافظ بشار نفسه على السلطة، ولو على جثة سوريا وشعبها.
الآن، تتعرض حماس لاستهداف واسع النطاق من قبل السلطة الجديدة في مصر بأوامر وتوجيهات من مموليها العرب، في ذات الوقت الذي لن يقبل الأخيرون بأن تورطهم حماس في مواجهة مع الاحتلال تحرجهم أمام شعوبهم التي خسروا جزءا كبيرا من تأييدها بسبب موقفهم في مصر، ومن عموم ربيع العرب، بل حتى من تركيا التي يتعرض زعيمها لمؤامرة كبيرة أيضا.
حماس الآن في وضع صعب على مختلف الجبهات، وهي تفتقد الداعمين، فيما يخطب الجميع ود الاحتلال، أكانوا من المحسوبين سابقا على محور ما يسمى الاعتدال، وفي مقدمتهم الانقلابيون في مصر الذين يحتاجون نتنياهو لتمرير ما يريدون داخليا دون ضجيج، أم كانوا من المحسوبين على ما كان يعرف بمحور الممانعة الذي باع أحد أعضائه الكيماوي من أجل البقاء، وسيبيع الثاني النووي من أجل رفع العقوبات والإبقاء على النظام في دمشق، وسيدفع لقاء ذلك سياسة جديدة مع الصراع في فلسطين، فيما يتحالف الجميع في معسكر ضد ما يسمونه الإرهاب.
لكن الأسوأ من ذلك كله هو أن وضع حماس في إطار الحركة الإخوانية خصوصا، والإسلام السياسي عموما، يجعلها أصلا في دائرة الاستهداف من معسكر الثورة المضادة عربيا، والذي لم يعد يخفي شهيته لاقتلاع الإسلام السياسي من المنطقة برمتها، وهو الذي يدفع انقلابيي مصر إلى مزيد من حصار الحركة على أمل دفع الناس للثورة ضدها، أو جعلها في وضع صعب جدا لا يمكنها معه سوى تحمل الذل والحصار وانتظار الذي يأتي ولا يأتي. ومن تابع ردود فعل السلطة في مصر بعد إعلان الإخوان جماعة إرهابية يلحظ ذلك التصعيد، والإصرار على مشاركة حماس في استهداف مواقع مصرية، الأمر الذي لا يمكن أن يكون صحيحا بأي حال، لأنهم في القطاع لم يصابوا بالجنون لكي يفعلوا ذلك، في حين لا يتوقف رموزهم عن إبداء حسن النوايا على أمل التخفيف من وطأة الحصار دون جدوى.
السلطة في المقابل تبدو مرتاحة لكل هذا الذي يجري، وهي تساهم في الحصار بدل أن تخففه، ولولا خشيتها من مزيد من الحقد الجماهيري عليها لكان موقفها أكثر وقاحة مما هو عليه الآن، وعموما هي تأمل في انهيار حكم حماس في قطاع غزة بأية طريقة، وقد قال عزام الأحمد قبل شهور، إنه يتمنى لو يحتل الجيش المصري غزة.
ليس أمام حماس والحالة هذه غير الصبر والصمود، إلى جانب الاعتماد على بعض الدعم المحدود الذي يأتي من هنا وهناك. أما الأهم فيتمثل في التعويل على انتفاضة شاملة في الضفة الغربية وكل الأرض الفلسطينية، تعيد توحيد الشعب على قاعدة المقاومة، وليس على قاعدة الحفاظ على سلطة صممت لخدمة الاحتلال.
وحدها انتفاضة من هذه النوع هي ما سينقذ حماس وفتح، والأهم من الطرفين هي القضية برمتها، لأن الجميع في أزمة، بينما يفاوض عباس نتنياهو سرا في لندن، ولا يُستبعد أن يخرج علينا بمصيبة كما فعل في أوسلو من قبل، لاسيما أن كل الاحتمالات تبدو كارثية، إن كانت حلا نهائيا، أم مؤقتا، أم تمثلت في بقاء الوضع على ما هو عليه من تيه.
يبقى أن الفرق كبير بين من يصل الليل بالنهار من أجل الإعداد للمواجهة مع العدو، وبين من يمعن إخلاصا في التنسيق الأمني معه، ومهما تكن نتيجة التطورات الجديدة، فحسب حماس أنها لم تتخلّ عن ثوابتها، حتى لو اختلت بوصلتها بعض الشيء بسبب اجتهادات خاطئة بدأت بالمشاركة في انتخابات سلطة أوسلو مطلع 2006.
(الدستور)
الإسرائيليون يقولون صراحة، إن حماس ليست حريصة على مواجهة جديدة مع الاحتلال في الوقت الراهن، ويضيفون كما أوضح كبار محلليهم العسكريين والأمنيين (عاموس هرئيل، إليكس فيشمان وآخرون)، إن السبب في ذلك هي استغلالها التهدئة القائمة في الإعداد والتجهيز.
من المؤكد أن الجناح العسكري لحماس يصل الليل بالنهار من أجل المزيد من الإعداد، وفيه جحافل من خيرة الرجال الذين ما وضعوا السلاح ولا تخلوا عن خيار المقاومة أبدا، لكن الحقيقة التي تواجه الجميع رغم ذلك، هي أن القطاع وحده (المحاصر برا وجوا وبحرا) لا يمكنه فتح حرب مع الاحتلال مهما بلغ مستوى التجهيز لديه، ليس فقط لأن ميزان القوى مختل تماما لصالح الاحتلال، بل أيضا، وربما الأهم، لأن الظرف الفلسطيني والعربي والإقليمي لا يسمح بخطوة من هذا النوع، وما يمكن أن يفعله هو فقط رد العدوان في حال وقوعه.
لا يتعلق الأمر بما جرى في مصر وحدها، بل بعموم تطورات المنطقة التي يبدو أن ما يجري فيها يضع الحب في طاحونة العدو، ليس لأن ربيع العرب كان مؤامرة كما يذهب موتورون كثر، بل لأن أنظمة الثورة المضادة قد تمكنت من إجهاض الجزء الأهم منه في مصر، ولأن نظام بشار الأسد قد نجح بالتعاون مع إيران في جعل الثورة ثقبا أسود يستنزف جميع القوى، بما فيها إيران وحزب الله وربيع العرب وتركيا، في ذات الوقت الذي يدمر فيها سوريا نفسها، وكل ذلك من أجل أن تحافظ إيران على ركن مشروعها الإستراتيجي في سوريا، ولكي يحافظ بشار نفسه على السلطة، ولو على جثة سوريا وشعبها.
الآن، تتعرض حماس لاستهداف واسع النطاق من قبل السلطة الجديدة في مصر بأوامر وتوجيهات من مموليها العرب، في ذات الوقت الذي لن يقبل الأخيرون بأن تورطهم حماس في مواجهة مع الاحتلال تحرجهم أمام شعوبهم التي خسروا جزءا كبيرا من تأييدها بسبب موقفهم في مصر، ومن عموم ربيع العرب، بل حتى من تركيا التي يتعرض زعيمها لمؤامرة كبيرة أيضا.
حماس الآن في وضع صعب على مختلف الجبهات، وهي تفتقد الداعمين، فيما يخطب الجميع ود الاحتلال، أكانوا من المحسوبين سابقا على محور ما يسمى الاعتدال، وفي مقدمتهم الانقلابيون في مصر الذين يحتاجون نتنياهو لتمرير ما يريدون داخليا دون ضجيج، أم كانوا من المحسوبين على ما كان يعرف بمحور الممانعة الذي باع أحد أعضائه الكيماوي من أجل البقاء، وسيبيع الثاني النووي من أجل رفع العقوبات والإبقاء على النظام في دمشق، وسيدفع لقاء ذلك سياسة جديدة مع الصراع في فلسطين، فيما يتحالف الجميع في معسكر ضد ما يسمونه الإرهاب.
لكن الأسوأ من ذلك كله هو أن وضع حماس في إطار الحركة الإخوانية خصوصا، والإسلام السياسي عموما، يجعلها أصلا في دائرة الاستهداف من معسكر الثورة المضادة عربيا، والذي لم يعد يخفي شهيته لاقتلاع الإسلام السياسي من المنطقة برمتها، وهو الذي يدفع انقلابيي مصر إلى مزيد من حصار الحركة على أمل دفع الناس للثورة ضدها، أو جعلها في وضع صعب جدا لا يمكنها معه سوى تحمل الذل والحصار وانتظار الذي يأتي ولا يأتي. ومن تابع ردود فعل السلطة في مصر بعد إعلان الإخوان جماعة إرهابية يلحظ ذلك التصعيد، والإصرار على مشاركة حماس في استهداف مواقع مصرية، الأمر الذي لا يمكن أن يكون صحيحا بأي حال، لأنهم في القطاع لم يصابوا بالجنون لكي يفعلوا ذلك، في حين لا يتوقف رموزهم عن إبداء حسن النوايا على أمل التخفيف من وطأة الحصار دون جدوى.
السلطة في المقابل تبدو مرتاحة لكل هذا الذي يجري، وهي تساهم في الحصار بدل أن تخففه، ولولا خشيتها من مزيد من الحقد الجماهيري عليها لكان موقفها أكثر وقاحة مما هو عليه الآن، وعموما هي تأمل في انهيار حكم حماس في قطاع غزة بأية طريقة، وقد قال عزام الأحمد قبل شهور، إنه يتمنى لو يحتل الجيش المصري غزة.
ليس أمام حماس والحالة هذه غير الصبر والصمود، إلى جانب الاعتماد على بعض الدعم المحدود الذي يأتي من هنا وهناك. أما الأهم فيتمثل في التعويل على انتفاضة شاملة في الضفة الغربية وكل الأرض الفلسطينية، تعيد توحيد الشعب على قاعدة المقاومة، وليس على قاعدة الحفاظ على سلطة صممت لخدمة الاحتلال.
وحدها انتفاضة من هذه النوع هي ما سينقذ حماس وفتح، والأهم من الطرفين هي القضية برمتها، لأن الجميع في أزمة، بينما يفاوض عباس نتنياهو سرا في لندن، ولا يُستبعد أن يخرج علينا بمصيبة كما فعل في أوسلو من قبل، لاسيما أن كل الاحتمالات تبدو كارثية، إن كانت حلا نهائيا، أم مؤقتا، أم تمثلت في بقاء الوضع على ما هو عليه من تيه.
يبقى أن الفرق كبير بين من يصل الليل بالنهار من أجل الإعداد للمواجهة مع العدو، وبين من يمعن إخلاصا في التنسيق الأمني معه، ومهما تكن نتيجة التطورات الجديدة، فحسب حماس أنها لم تتخلّ عن ثوابتها، حتى لو اختلت بوصلتها بعض الشيء بسبب اجتهادات خاطئة بدأت بالمشاركة في انتخابات سلطة أوسلو مطلع 2006.
(الدستور)