jo24_banner
jo24_banner

الأب الروحي للإرهاب!

حلمي الأسمر
جو 24 : على الرغم من اعتراضي المبدئي، وعدم إيماني باستعمال مصطلح «الإرهاب» بمفهومه السائد، إلا أنني لاعتبارات لغوية وفنية بحتة، مضطر للتعامل معه لإيصال الفكرة التي تدور في ذهني منذ زمن بعيد، وربما كنت كتبت فيها متناولا بعض جوانبها، منذ سنوات..
بين يدي هذه الفكرة أذكر عبارة للسياسي الإسرائيلي يوسي سريد لـ «جماعته» حينما قال في أوج التفاوض مع ياسر عرفات، بعد أو قبل أوسلو لا أذكر: لا تريدون القبول بياسر عرفات، إذاً انتظروا أحمد ياسين، وحينها زدت على ما قال: لا تريدون أحمد ياسين، انتظروا ابن لادن، وتلك نظرية ثبت أن لها جوانب كثيرة من الصحة، وإن لم يأخذ بها أصحاب الشأن، كونهم يعتقدون أنهم يمتلكون ناصية الحكمة، ولا يستمعون إلا لأنفسهم!
دار الزمان، وتتالت الأحداث، وترسخت أكثر فأكثر قناعتي، حينما بدا أن «تنظيم القاعدة» وقد بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة، بعد أن نجحت جماهير الشارع العربي في إشعال ثورة الربيع، بل ثوراته في غير بلد عربي، وبدت القاعدة معه وقد أكلت ضربة شديدة على أم رأسها، فقد ثبت لها حينذاك، أن بوسع الناس العاديين صناعة التغيير بدون دم ولا عنف، وهذه النتيجة تنقض الفكرة الرئيسة التي قامت عليها القاعدة، وهي مناجزة بنى «الكفر» القائمة وهياكله وأنظمته بالقتال، وتكفير من يحتكم إلى الصندوق، وعدم الإيمان بالديمقراطية وطرق التغيير السلمية برمتها، حتى إذا جاء انقلاب مصر تحديدا، واخرج جماعة سلمية ديمقرايطة مؤمنة بالاحتكام لصندوق الاقتراع من دائرة الشرعية إلى دائرة «الإرهاب» بدا انه يبعث دما جديدا في جسد القاعدة المثخن بالخذلان، والفشل، والتيه، فهو يقول لهم، ولغيرهم، إن صندوق الاقتراع والتغيير السلمي لا يجدي نفعا، والديمقراطية كلام فارغ، ولا حل إلا بالقوة والعنف والإرهاب والقتل، وهذه هي مبادىء القاعدة والانقلابات العسكرية، بمعنى آخر، انقلاب مصر أعاد لما يسمونه «الإرهاب» هيبته وألقه ودوره، ولو كان ثمة من يمتلك الحد الأدنى من الجرأة والإنصاف لطالب بمحاكمة قائد الانقلاب بتهمة الإرهاب والتحريض عليه، لأنه هو من صنعه ورعاه ووفر له البيئة الحاضنة له كي ينمو وينتعش بعد أم ذوى واضمحل، وهو بهذا يلتقي على نحو أو آخر مع قادة تنظيم القاعدة في مبادئهم!
انقلاب مصر على الشرعية وحكم الصندوق وخيار الشعب وثورته الشعبية الربيعية أعاد الألق لاجتهاد القاعدة، وخذل دعاة الديمقراطية والتغيير السلمي، وفرك بصلة في عيونهم، وأحرجهم وقوّى خيارات من يسمونهم «المتشددين» واثبت «صحة» وجهة نظرهم، وبهذا يكون الانقلاب هو الأب الروحي الراعي لما يسمونه «الإرهاب» والتطرف، وعلى من لديه أي حس بالحد الأدنى من العدالة أن يطالب بمحاكمة الانقلابيين بتهمة «الإرهاب»، أما ما يقال عن الاستجابة لحراك شعبي و «ثورة» لتصحيح مسار الثورة، فلم يكن إلا غطاء لإعادة إحياء دولة المخلوع حسني مبارك!
(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news