ثمن تأهيل إيران الذي يسكتون عنه
ياسر الزعاترة
جو 24 : حتى وسائل الإعلام التابعة لإيران لم تعد ترى حرجا في الحديث عن المقدمات التي أفضت إلى جنيف (النووي)، وها إن صحيفة الأخبار اللبنانية التابعة عمليا لحزب الله تتحدث عن حاجة واشنطن إلى إيران في مواجهة “إرهاب القاعدة”، فضلا عن التعاون في أفغانستان، مشيرة دون حرج إلى تجربتي (تعاون) إيجابيتين سابقتين في أفغانستان والعراق!!
ما يسكت عنه إعلام إيران إلى الآن هو الثمن الذي ستطلبه أمريكا؛ إضافة بالطبع إلى المساعدة في حرب إرهاب القاعدة لكي تتأهل تحصد الجائزة وتتأهل لأدوار أخرى، ولكي يكون الموقف من النظام السوري مختلفا، وبالطبع كي لا ينهار الركن الأكبر في إستراتيجية تمددها، فضلا عن الاعتراف بشكل أكثر وضوحا بالدور الأكبر لإيران في العراق ولبنان، مع سكوت نسبي على نشاطاتها في الخليج واليمن .
يعلم أبواق إيران أن الكيماوي السوري، والنووي الإيراني لم يكونا يهددان أمريكا، ولا حتى أوروبا (ثارت ثائرة المحافظين في إيران حين قال محمد جواد ظريف إن الغرب لا يخشى كثيرا من الدفاعات العسكرية الإيرانية، وإن بوسعه أن يدمرها إذا رغب في ذلك)، كما يعلمون أن ما دفعها إلى ترتيب كل شيء للتخلص منهما هي مصالح الكيان الصهيوني الأمنية، أعني تفوقه الإستراتيجي على كل المنطقة، وبالتالي فإن مصالحه ستبقى مصونة من قبل أمريكا، لاسيما أن أي رئيس في البيت الأبيض لن يكون بوسعه التخلي عنه في ظل هيمنة صهيونية على الكونغرس بحزبيه وبمجلسيه. ولأن الأمر كذلك، فإن تعاطي إيران مع الشأن الإسرائيلي ينبغي أن يتغير بالجملة، وإلا فإن أي حوار معها لن يكون مجديا، ولن يصل إلى نتيجة.
هذا البعد يدركه أبواق إيران، إن كانوا طائفيين أم كانوا قوميين أم يساريين (بينهم طائفيون غير مسلمين لهم موقفهم المناهض للإسلام السياسي السنّي)، لكنهم يسكتون عليه الآن، فالمعركة في سوريا لا تزال قائمة، وهي لا تزال في حاجة إلى حكاية المقاومة والممانعة، وإن خفت صوتها بشكل ملحوظ لتُستبدل بحكاية “الإرهاب التكفيري” !!
حزب الله هو الأكثر حرجا في السياق، ويبدو كمن ينتظر قدرا سيئا محتوما، ذلك أن الترتيبات الإيرانية مع الكيان الصهيوني ستشمله دون شك، وحين يحدث ذلك، فلن يكون بالإمكان تبرير الاحتفاظ بالسلاح الذي يستخدم للحسم السياسي في الداخل، بحكاية المواجهة مع الكيان الصهيوني، مع أنها حكاية لم تعد مقنعة منذ ترتيبات إنهاء حرب تموز التي أعلن نصر الله قبلها أنه لو كان يعلم بحجم ردة فعل الصهاينة لما اختطف الجنديين الإسرائيليين.
ما سيعوِّل عليه حزب الله هو أن وليه الفقيه سيكون في وضع قوي إقليميا، ولن يكون عندها في حاجة إلى شعار المقاومة والممانعة، فمن يتفاهم مع أمريكا لن يحتاج إلى التفاهم مع شعوب المنطقة، لاسيما أن خسارته لها باتت واضحة ومحسومة، وثمن كسبها من جديد هو القبول بالحجم الطبيعي لها في الإقليم، وليس التمدد والهيمنة، والاستخفاف بالآخرين.
ربما لن يتخلى حزب الله عن سلاحه تماما، فمن سيكون بوسعه أن يفرض عليه ذلك في ظل سطوة راعيته (إيران)، وفيما لن يكون الإسرائيليون آبهين كثيرا لبقاء ذلك السلاح ما دام خطره قد انتهى، وهو سيتقادم بمرور الوقت، فيما يعلم الحزب أن ثمن استخدامه سيكون كبيرا، كما أن إيران لن تسمح له بتخريب مشروعها الجديد في المنطقة، والقائم على التفاهم مع الغرب والكيان الصهيوني، وليس الصدام معهما.
نفتح قوسا هنا لنشير إلى أن ما تبقى من دعم لا زالت إيران تقدمه لحماس والجهاد، سيكون على المحك أيضا، لاسيما إذا تغير المشهد الفلسطيني، وانحاز إلى مواجهة جديدة مع الاحتلال، بعد وصول تسوية عباس إلى جدارها المسدود.
هل نبدو متشائمين؟ ربما، لكن منطقنا هو أن من الطبيعي لمن تصادم مع غالبية الأمة أن يذهب في اتجاه ترتيبات أخرى، وإذا جئنا نبحث عن نافذة تفاؤل، فلن نجدها سوى في عودة إيران إلى رشدها، وقبولها بجوار حسن مع العرب وتركيا، ودفعها لاستحقاق ذلك الجوار بعيدا عن استخدام المذهب في لعبة التمدد والهيمنة.
عموما، لن يطول الوقت حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في خيارات إيران، حتى لو طالت مفاوضاتها مع أمريكا والغرب، واستمرت عاما أو عامين، ففي النهاية يجب أن تحسم خياراتها بشكل أكثر وضوحا، لكن الخيار المتشائم لا يعني أن كل شيء سيكون على ما يرام بالنسبة إليها، فهذه الأمة لا تزال تملك الكثير من القدرة على المواجهة ضد كل المشاريع التي تستهدفها أيا كانت، وأيا كان المشاركون فيها.
(الدستور)
ما يسكت عنه إعلام إيران إلى الآن هو الثمن الذي ستطلبه أمريكا؛ إضافة بالطبع إلى المساعدة في حرب إرهاب القاعدة لكي تتأهل تحصد الجائزة وتتأهل لأدوار أخرى، ولكي يكون الموقف من النظام السوري مختلفا، وبالطبع كي لا ينهار الركن الأكبر في إستراتيجية تمددها، فضلا عن الاعتراف بشكل أكثر وضوحا بالدور الأكبر لإيران في العراق ولبنان، مع سكوت نسبي على نشاطاتها في الخليج واليمن .
يعلم أبواق إيران أن الكيماوي السوري، والنووي الإيراني لم يكونا يهددان أمريكا، ولا حتى أوروبا (ثارت ثائرة المحافظين في إيران حين قال محمد جواد ظريف إن الغرب لا يخشى كثيرا من الدفاعات العسكرية الإيرانية، وإن بوسعه أن يدمرها إذا رغب في ذلك)، كما يعلمون أن ما دفعها إلى ترتيب كل شيء للتخلص منهما هي مصالح الكيان الصهيوني الأمنية، أعني تفوقه الإستراتيجي على كل المنطقة، وبالتالي فإن مصالحه ستبقى مصونة من قبل أمريكا، لاسيما أن أي رئيس في البيت الأبيض لن يكون بوسعه التخلي عنه في ظل هيمنة صهيونية على الكونغرس بحزبيه وبمجلسيه. ولأن الأمر كذلك، فإن تعاطي إيران مع الشأن الإسرائيلي ينبغي أن يتغير بالجملة، وإلا فإن أي حوار معها لن يكون مجديا، ولن يصل إلى نتيجة.
هذا البعد يدركه أبواق إيران، إن كانوا طائفيين أم كانوا قوميين أم يساريين (بينهم طائفيون غير مسلمين لهم موقفهم المناهض للإسلام السياسي السنّي)، لكنهم يسكتون عليه الآن، فالمعركة في سوريا لا تزال قائمة، وهي لا تزال في حاجة إلى حكاية المقاومة والممانعة، وإن خفت صوتها بشكل ملحوظ لتُستبدل بحكاية “الإرهاب التكفيري” !!
حزب الله هو الأكثر حرجا في السياق، ويبدو كمن ينتظر قدرا سيئا محتوما، ذلك أن الترتيبات الإيرانية مع الكيان الصهيوني ستشمله دون شك، وحين يحدث ذلك، فلن يكون بالإمكان تبرير الاحتفاظ بالسلاح الذي يستخدم للحسم السياسي في الداخل، بحكاية المواجهة مع الكيان الصهيوني، مع أنها حكاية لم تعد مقنعة منذ ترتيبات إنهاء حرب تموز التي أعلن نصر الله قبلها أنه لو كان يعلم بحجم ردة فعل الصهاينة لما اختطف الجنديين الإسرائيليين.
ما سيعوِّل عليه حزب الله هو أن وليه الفقيه سيكون في وضع قوي إقليميا، ولن يكون عندها في حاجة إلى شعار المقاومة والممانعة، فمن يتفاهم مع أمريكا لن يحتاج إلى التفاهم مع شعوب المنطقة، لاسيما أن خسارته لها باتت واضحة ومحسومة، وثمن كسبها من جديد هو القبول بالحجم الطبيعي لها في الإقليم، وليس التمدد والهيمنة، والاستخفاف بالآخرين.
ربما لن يتخلى حزب الله عن سلاحه تماما، فمن سيكون بوسعه أن يفرض عليه ذلك في ظل سطوة راعيته (إيران)، وفيما لن يكون الإسرائيليون آبهين كثيرا لبقاء ذلك السلاح ما دام خطره قد انتهى، وهو سيتقادم بمرور الوقت، فيما يعلم الحزب أن ثمن استخدامه سيكون كبيرا، كما أن إيران لن تسمح له بتخريب مشروعها الجديد في المنطقة، والقائم على التفاهم مع الغرب والكيان الصهيوني، وليس الصدام معهما.
نفتح قوسا هنا لنشير إلى أن ما تبقى من دعم لا زالت إيران تقدمه لحماس والجهاد، سيكون على المحك أيضا، لاسيما إذا تغير المشهد الفلسطيني، وانحاز إلى مواجهة جديدة مع الاحتلال، بعد وصول تسوية عباس إلى جدارها المسدود.
هل نبدو متشائمين؟ ربما، لكن منطقنا هو أن من الطبيعي لمن تصادم مع غالبية الأمة أن يذهب في اتجاه ترتيبات أخرى، وإذا جئنا نبحث عن نافذة تفاؤل، فلن نجدها سوى في عودة إيران إلى رشدها، وقبولها بجوار حسن مع العرب وتركيا، ودفعها لاستحقاق ذلك الجوار بعيدا عن استخدام المذهب في لعبة التمدد والهيمنة.
عموما، لن يطول الوقت حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في خيارات إيران، حتى لو طالت مفاوضاتها مع أمريكا والغرب، واستمرت عاما أو عامين، ففي النهاية يجب أن تحسم خياراتها بشكل أكثر وضوحا، لكن الخيار المتشائم لا يعني أن كل شيء سيكون على ما يرام بالنسبة إليها، فهذه الأمة لا تزال تملك الكثير من القدرة على المواجهة ضد كل المشاريع التي تستهدفها أيا كانت، وأيا كان المشاركون فيها.
(الدستور)