انهيار سقف مسارع السنكروترون!
مشروع السنكروترون (سيسامي) هو مشروع اقليمي للبحث العلمي في هذه المنطقة من العالم، عدد الدول الاعضاء والمراقبين فيه من الشرق الاوسط والعالم هو ٢٤ دولة، والهدف من المشروع هو اقامة مركز ابحاث علمي اقليمي لإجراء التجارب العلمية الاساسية والتطبيقية في مجالات الفيزياء والكيمياء والاحياء وغيرها.
يستضيف الاردن هذا المشروع منذ عام ٢٠٠٣، حيث وقع الاختيار عليه بعد تنافس شديد اعترافا بدور الاردن وقيادته في الوسطية والاعتدال والتوافقية، وهي مقومات مهمة لبناء مشروع علمي اقليمي، وتم اختيار مدير اردني للمشروع (د.خالد طوقان) ويشغل هذا الموقع منذ ذلك الوقت وحتى الان.
الاردن بوصفه البلد المضيف، حصل على هذا الحق بعد الالتزام بتقديم الارض والمبنى كتبرع من حكومة المملكة الاردنية الهاشمية حيث تم الانتهاء من المبنى عام ٢٠٠٧ وبكلفة تتجاوز ١٤ مليون دولار امريكي، مقابل هذا الالتزام تتعهد الدول الاخرى بدفع مستحقاتها المالية في موازنة التشغيل وبناء المسارع ومحطات التجارب العلمية، حيث كان من المفروض ان يتم الانتهاء من بناء المسارع ومحطات التجارب عام ٢٠٠٧، ولكن بسبب البطء الاداري في تحصيل التمويل المناسب تأخر التشغيل لغاية عام ٢٠١٦.
بتاريخ 14-12-2013 انهار سقف المبنى داخل قاعة المسارع، مسببا اضرارا جسيمة للمبنى حيث دمر معظم السقف بالاضافة الى الرافعة المركزية وحدوث تصدعات في جدران المبنى، طبعا سيتحمل الاردن تكلفة اصلاحها والتقديرات الحالية تشير الى ما يزيد عن مليون دينار اردني من اموال دافع الضرائب الاردني.
تم التحذير في الماضي من ضعف الاعمدة الداعمة للسقف من قبل خبير الماني عام ٢٠٠٧، حيث تم اخباره بإن معامل الامان يبلغ ثلاثة الى خمسة اضعاف، وطبعا لم يقتنع الخبير الالماني بذلك على الاطلاق، ثم اعاد التحذير مهندسون اردنيون في عام ٢٠٠٩ بعد ملاحظتهم لتسرب المياه وتشقق الارضية وتجمع المياه على سطح المبنى وبأن المبنى يحتوي الكثير من العيوب بالاضافة الى مشكلة السقف، ولكن لا حياة لمن تنادي.
الاجراءات اعلاها جميعا تمت في عهد الادارة الحالية، وحيث ان المبنى هو مساهمة من حكومة المملكة ومن اموال الخزينة العامة، تعتبر الادارة مسؤولة امام مؤسسات الدولة المختلفة المعنية وامام الاردنيين جميعا عن عملية ادارة بناء المبنى وكذلك الاضافات والتعديلات التي تمت لاحقا بعد استلامه.
لكن، كالعادة، كان اول رد فعل على سقوط السقف هو الادعاء بأن الموجة الثلجية هي سبب الانهيار على الرغم من التحذيرات المتكررة اعلاه والتي سبقت الموجة بسنوات عديدة الأمر الذي يؤكد أن السبب في الانهيار هو سوء الادارة وليس تراكم الثلوج.
صدر تصريح رسمي من ادارة المشروع بأن كمية الثلج على السطح تبلغ ١٧٥كغم / متر مربع وهو رقم مبالغ فيه جدا لمنطقة علان الشفا-غورية، فحسب التحليل الهندسي لصور السقف بعد تراكم الثلوج حيث يظهر ان ارتفاع الثلج كان لا يزيد عن ٣٠-٤٠ سم، وبما ان الثلج المخلوط بماء يبلغ وزن المتر المكعب منه في المعدل ما بين ١٥٠-٢٠٠ كغم، فإن وزن الثلج بإرتفاع ٣٠ - ٤٠ سم لا يزيد عن ٦٠-٨٠ كغم للمتر المربع .
من المؤكد ان الضرر الاعظم يتجاوز الاضرار المادية لما هو اقسى وابعد، فقد تم الاضرار بسمعة الاردن في الاوساط العلمية الدولية وبعدم مقدرته على بناء مبنى يتحمل عاصفة ثلجية فكيف بمسارع ضوئي! وكيف يمكن أن يعهد لهكذا ادارة بأن تقوم ببناء مفاعل نووي!
وبسبب ذلك، فقد تعيد الدول الاعضاء النظر في التزامها بدفع مستحقاتها في المشروع ولغاية موعد التشغيل في عام ٢٠١٦ والبالغة تقريبا خمسين مليون دولار، موزعة ما بين نفقات رأسمالية وتشغيلية، وذلك اذا ما اخل الاردن بشرط تأمين مبنى يصلح لاحتواء المسارع ومحطات التجارب وحسب الاتفاقيات الدولية الموقعة والتي التزمت بها الحكومة، والتي سوف تتحمل اجراء الاصلاحات وعلى نفقتها حيث كان من الممكن تفادي ذلك وبتكلفة اقل في حال تم الاستماع لتحذيرات الخبراء في وقته، فهل ستستمعون اليوم لتحذيراتنا!
المبنى حاليا قد يشكل خطر على الطاقم الدولي ومن ضمنهم المهندسون الاردنيون الذين يعملون فيه، مع العلم بان لجنة السلامة العامة والتي قامت بفحص المبنى لا يوجد بها اي مهندس مختص بالامور الانشائية او الهندسة المدنية، والسؤال الان للدكتور خالد طوقان ولدولة رئيس الوزراء، من سيتحمل مسؤولية حصول اي حادث لأي شخص داخل المبنى لا سمح الله!
عودتنا دول العالم التي تحترم نفسها ومواطنيها والتزاماتها الدولية بأن يبادر المسؤول بالدعوة لمؤتمر صحفي وتقديم كافة المعلومات التي لديه وبكل شفافية ويطالب بتحقيق محايد في ما حصل ويصرح بإنه يتحمل كافة المسؤولية عن الاخطاء التي حدثت وضمن نطاق مسؤوليته، ومن ثم يستقيل، فهل يمتلك المسؤول الاردني الشجاعة الادبية ويعترف بأخطائه بدلا من اسلوب الفهلوة والتحايل!
سمعة الدولة الاردنية في الاوساط العلمية الدولية الان على المحك، فهل تأخذ الدولة زمام المبادرة وتتبع استراتيجية تخفيف الضرر الحاصل من خلال تحقيق حيادي ونزيه تتوصل فيه لحقيقة ما حدث، وما هي الاجراءات المطلوبة لإصلاح الاخطاء، وبحرفية ومهنية عالية تعكس سمعة المهندسين والعلماء الاردنيين وتعكس حرص الدولة على الوفاء بتعهداتها التعاقدية تجاه هذا المشروع الاقليمي المهم جدا، ام يكون التقاعس والخوف والتردد والانحياز للباطل سيد الموقف!
*الكاتب خبير دولي في انظمة التحكم بالمسارعات ومدير دائرة التحكم والكمبيوتر في مسارع السنكروترون سابقا