نظام الخدمة المدنية ..عودة إلى الأحكام العرفية (1)
كتبت هدى حسين العتوم * :
تبنى أنظمة الخدمة المدنية على قاعدة التطوير والارتقاء في أداء المؤسسات الحكومية ورفع كفاءة الموظفين وزيادة إنتاجيتهم.
وعند النظر بتمعن إلى نظام الخدمة المدنية الأردني وتعديلاته الأخيرة نجد أن بعض البنود التي أدخلت على النظام قد بنيت على فكر عرفي في تقييد حركة الموظف وحقوقه.
تنص المادة (22) على أن الموظف لا يستحق راتبه الأساسي وعلاواته عن المدة التي لا يمارس فيها عمله فعليا أو عن المدة التي يتغيب فيها عن عمله دون إجازة قانونية.
وكلمة فعليا تعني أن الموظفين في حال دوامهم في مركزعملهم وتنفيذهم وقفة احتجاجية أو اعتصام أو إضراب فإنه لا يستحق الراتب عن تلك المدة.
وهذا ما ترسخه المادة 68 والتي تنص على أنه يحظر على الموظف وتحت طائلة المسؤولية التأديبية ترك العمل أو التوقف عنه دون إذن مسبق وهذه مخالفة صريحة بما يتعلق بالدستور وكفالته لحق إبداء الرأي كما تعتبر مخالفة للقوانين التي تضمن الحريات.
وهذا يعني بالضرورة تقييد شكل احتجاج الموظف ليعود إلى تقليد عقيم (الاعتراضات الورقية) الذي لم يأت ولن يأتي للموظف بأي حق.
ولعل ما تنص عليه المادة 69 فقرة ب والتي تتضمن أن للموظف حرية الرأي والتعبير فيما يتعلق بمهام عمله في الدائرة وفقا للتشريعات والمادة ج والتي تنص على أن للموظف حق التظلم وفقا لأحكام النظام ، وإذا أمعنا النظر في هذه الإجراءات نجد أنها لا تزيد عن كونها إجراءات صورية يثبتها الواقع الذي يعيشه الموظف والذي مارس العمل ولسنوات طويلة واعترض أو أبدى رأيه ولم يستطع قط أن يحصل حقوقه وأن يرفع الظلم عن نفسه إلا بوسائل أبعد من هذه التي نص عليها وقيده بها النظام.
وما أكدته المادة 68 في الفقرة ز والتي تنص على منع الكتابة والإدلاء بأي تصريح لوسائل الإعلام ودون موافقة مسبقة من الوزير إذ يعني ذلك أن أي حديث حول العمل والتجاوزات والفساد والمخالفات والتظلم ومهما كان شكله سيكون مخالفة لأحكام النظام ويعرض الموظف للعقوبة على أي جملة يدلي بها للرأي العام مغفلا أهمية السلطة الرابعة في إصلاح الواقع والمساهمة في تسليط الضوء على الممارسات الخاطئة.
أما في الإجازات السنوية مادة 99 بند ج والتي تنص على أن الموظف يضع في بداية السنة جدولا ينظم بموجبه استخدام الموظف لإجازاته السنوية ويبين فيه مدة الإجازة لكل منهم والتاريخ الذي تبدأ به وتنتهي عنده.
السؤال هنا هل طبيعة حال الميدان وبالنظر إلى معطيات الواقع يجعل الإداريين مثلا في وزارة التربية والتعليم في عملهم اليومي في حالة من الإعداد الرتيب النمطي والمنظم لدرجة أن يكتب إجازاته من بداية العام وإذا كانت الإجازات هي أصلا حق للموظف يقضي فيها احتياجاته والتي هي نفسها غير مرصودة من بداية العام ولا يعلم بها سلفا.
أما المادة 149 يوقف الموظف عن العمل بقرار من الوزير في الحلات منها الحالة رقم (3) : إذا طلب من دائرته إيقافه عن العمل بموجب أحكام أي تشريع آخر.
والسؤال هنا ما هو التشريع الآخر هل هو جهة أمنية وكما يحدث وحدث مع بعض الزملاء الذين تم إيقافهم بدون محاكمات أو أي إجراءات تحفظ حق الموظف وهي بأصلها خالفت الدستور وجاء النظام ليكرس هذه الممارسات المخالفة للدستور.
هذا حديث عن إجراءات عرفية وتزداد مصائب هذا النظام وأنت تتحدث عن قتل الإبداع ووضع سدود في وجه الموظف المتميز فيما حدده النظام من إجراءات في الترفيعات والتدريب وغيرها من بنود النظام وهذا ما سيتم عرضه في الجزء القادم.
*رئيس لجنة التعليم والتدريب في نقابة المعلمين