حزب الكنبة وحزب الثورة
فهمي هويدي
جو 24 : تحفل وسائل الإعلام المصرية بالتعليقات والتحليلات التي تناولت نتائج الاستفتاء الذي أجري في 14 و15 يناير الحالي. لكن كثيرين لم ينتبهوا إلى أننا لم نكن بصدد استفتاء واحد، وإنما هما استفتاءان في حقيقة الأمر، الأول أعلنت نتائجه وكان محل الاحتفاء. أما الثاني فإن نتائجه لم تعلن، وما تسرب منها نسي أو تم تجاهله في أجواء الضجيج والصخب المخيم. التسريب الذي أعنيه أشار إلى أمرين، أولهما أن نسبة إقبال النساء على التصويت في الاستفتاء كانت عالية بشكل ملحوظ. حتى قدرها البعض بسبعين في المئة. الثاني أن نسبة الشبان المشاركين في التصويت كانت متواضعة بشكل ملحوظ أيضا، حيث كانت في حدود 16٪ فقط. وإزاء تواتر الإشارة والحفاوة بارتفاع نسبة السيدات المشاركات فيما وصف بأنه انتصار لما سمي بحزب «الكنبة» (الكلمة فرنسية وليس لها أصل في العربية)، فلعلنا لا نبالغ إذا وصفنا تواضع نسبة الشبان المشاركين بأنه إحجام من قبل حزب الثورة.
سجلت التفاوت في نسبة المشاركة صحيفة «الشروق» أمس التي نسبت إلى مصدر قضائي في اللجنة العليا للانتخابات إشارته إلى عزوف الشباب وبخاصة الفئة العمرية من 20 إلى 30 عاما عن المشاركة في حين كانت المرأة هي الأكثر مشاركة. وذكرت صحيفة «المصري اليوم» في أحد عناوين الصفحة الأولى على لسان بعض الوزراء قولهم: إن الشباب قاطعوا الاستفتاء بسبب الهجوم على 25 يناير. وأشارت إلى أن الموضوع نوقش في اجتماع مجلس الوزراء، وأن بعض الآراء التي ترددت «عبرت عن الشعور بالقلق من المقاطعة الجماعية التي ظهرت من جيل الشباب»، وفهمنا من التقرير المنشور أن بعض الوزراء أثاروا موضوع الهجوم في وسائل الإعلام على ثورة يناير، ومنهم من لفت الانتباه إلى المخاوف التي أثارها عودة الوجوه القديمة في نظام مبارك وبدء ظهورها وتحركها في ظل الوضع المستجد. كذلك علمنا أن جهة سيادية (؟!) عقدت اجتماعا مع مسؤولي الفضائيات الخاصة ودعتهم إلى إيقاف حملات تشويه ثورة 25 يناير وشبابها.
في الوقت الذي أثير الموضوع في الاجتماعات والدوائر المغلقة، فإن وسائل الإعلام المصرية لم تتعرض له بأي تعليق، ذلك أن كل تركيزها انصب على دلالات الاستفتاء في هزيمة الإخوان. سواء من خلال مقارنة نسبة الإقبال على التصويت أو نسبة المؤيدين، بكلام آخر فإن وسائل الإعلام عندنا اهتمت بالشماتة في هزيمة الإخوان، بأكثر من اهتمامها بمقاطعة شباب الثورة للاستفتاء. ولأن هزيمة الإخوان أمر يخص الجماعة في حين أن مقاطعة الشباب تمس قضية الثورة، فإنني أزعم أن الدلالة الأخيرة أهم وأخطر.
لقد تندر البعض وذكروا أن زيادة نسبة السيدات المشاركات راجعة إلى أن الأزواج شجعوهن على الخروج للتصويت على أمل وقوع تفجيرات عند بعض المقار تخلص كثيرين من مشاكلهم العائلية، إلا أن المسألة تحتاج إلى بحث جاد. ذلك أنه يحق لنا أن نتساءل لماذا تفوق حماس حزب الكنبة للاستفتاء ولماذا تراجع حماس حزب الثورة؟
رأيى أن زيادة إقبال النساء تعد من إيجابيات عودة جموع الشعب المصري إلى السياسة، التي كان قد استقال منها طوال عهد مبارك. وربما كان إقبالهن على التصويت تعبيرا عن رفض سياسة مرحلة حكم الإخوان، التي تخللتها تصريحات لبعض السلفيين أثارت مخاوف النساء من التدخل في حياتهن الخاصة. ولا أستبعد تأثر ربات البيوت خاصة بحملة الحشد والتعبئة التي قامت بها قنوات التليفزيون خلال المرحلة التي سبقت الاستفتاء.
إحجام الشباب أو مقاطعتهم للانتخابات هو ما يستحق القلق لأنه يبعث برسالة قوية يتعين تسلمها، خصوصا أن هؤلاء هم الذين حملوا الثورة وأطلقوا أهدافها، وبوسعنا أن نقول ببساطة إن المطروح عليهم الآن لا يعبر عما حملوه أو تمنوه. وما نشر من آراء ترددت في مجلس الوزراء صحيح، سواء ما تعلق منه بهجوم بعض المنابر والرموز الإعلامية على ثورة 25 يناير مع تجريح أشخاصها والتشكيك في أهدافها، أو ما تعلق بعودة الوجوه الإعلامية وغير الإعلامية المنسوبة إلى نظام مبارك إلى الظهور في المجال العام، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان صورة الماضي الكئيب. إلى غير ذلك من الأسباب والممارسات التي جعلت شباب الثورة يشعرون بأنهم غرباء ومنبوذون في الوضع الذي استجد بعد الثالث من يوليو.
لي بعد ذلك ملاحظتان، الأولى تتعلق بما نسب إلى الفريق عبدالفتاح السيسي، وقال فيه أنه لا عودة للوجوه القديمة ولا عودة لنظام ما قبل 25 يناير، ذلك أن المشكلة ليست في الوجوه القديمة فحسب، وإنما هي في السياسات القديمة التي وجدناها تطل علينا من جديد بوجوه مختلفة وبشراسة أكبر. ولعل ممارسات المؤسسة الأمنية هي أكثر ما يجسد تلك العودة المستهجنة.
الملاحظة الثانية أن بعض الأبواق التي حملت نظام ما بعد الثالث من يوليو وتشنجت في الترويج له والدفاع عنه هي أكثر ما أساء إليه وأخاف كثيرين منه. فقد رأى الناس فيها نماذج لدعاة الفاشية والمنافقين والمتلونين وعملاء الأجهزة الأمنية. ولم تكن المشكلة في أشخاصهم ولا في آرائهم فقط، ولكن في أنهم اعتبروا واجهات للنظام الجديد أو لبعض أجنحته على الأقل. وهو ما صار باعثا عن النفور وإساءة الظن. الأمر الذي أقنع البعض أن الطبخة الجديدة مقطوعة الصلة بثورة 25 يناير وقد سجل هؤلاء رأيهم في الاستفتاء الثاني، حتى إشعار آخر على الأقل.
(الشرق القطريه)
سجلت التفاوت في نسبة المشاركة صحيفة «الشروق» أمس التي نسبت إلى مصدر قضائي في اللجنة العليا للانتخابات إشارته إلى عزوف الشباب وبخاصة الفئة العمرية من 20 إلى 30 عاما عن المشاركة في حين كانت المرأة هي الأكثر مشاركة. وذكرت صحيفة «المصري اليوم» في أحد عناوين الصفحة الأولى على لسان بعض الوزراء قولهم: إن الشباب قاطعوا الاستفتاء بسبب الهجوم على 25 يناير. وأشارت إلى أن الموضوع نوقش في اجتماع مجلس الوزراء، وأن بعض الآراء التي ترددت «عبرت عن الشعور بالقلق من المقاطعة الجماعية التي ظهرت من جيل الشباب»، وفهمنا من التقرير المنشور أن بعض الوزراء أثاروا موضوع الهجوم في وسائل الإعلام على ثورة يناير، ومنهم من لفت الانتباه إلى المخاوف التي أثارها عودة الوجوه القديمة في نظام مبارك وبدء ظهورها وتحركها في ظل الوضع المستجد. كذلك علمنا أن جهة سيادية (؟!) عقدت اجتماعا مع مسؤولي الفضائيات الخاصة ودعتهم إلى إيقاف حملات تشويه ثورة 25 يناير وشبابها.
في الوقت الذي أثير الموضوع في الاجتماعات والدوائر المغلقة، فإن وسائل الإعلام المصرية لم تتعرض له بأي تعليق، ذلك أن كل تركيزها انصب على دلالات الاستفتاء في هزيمة الإخوان. سواء من خلال مقارنة نسبة الإقبال على التصويت أو نسبة المؤيدين، بكلام آخر فإن وسائل الإعلام عندنا اهتمت بالشماتة في هزيمة الإخوان، بأكثر من اهتمامها بمقاطعة شباب الثورة للاستفتاء. ولأن هزيمة الإخوان أمر يخص الجماعة في حين أن مقاطعة الشباب تمس قضية الثورة، فإنني أزعم أن الدلالة الأخيرة أهم وأخطر.
لقد تندر البعض وذكروا أن زيادة نسبة السيدات المشاركات راجعة إلى أن الأزواج شجعوهن على الخروج للتصويت على أمل وقوع تفجيرات عند بعض المقار تخلص كثيرين من مشاكلهم العائلية، إلا أن المسألة تحتاج إلى بحث جاد. ذلك أنه يحق لنا أن نتساءل لماذا تفوق حماس حزب الكنبة للاستفتاء ولماذا تراجع حماس حزب الثورة؟
رأيى أن زيادة إقبال النساء تعد من إيجابيات عودة جموع الشعب المصري إلى السياسة، التي كان قد استقال منها طوال عهد مبارك. وربما كان إقبالهن على التصويت تعبيرا عن رفض سياسة مرحلة حكم الإخوان، التي تخللتها تصريحات لبعض السلفيين أثارت مخاوف النساء من التدخل في حياتهن الخاصة. ولا أستبعد تأثر ربات البيوت خاصة بحملة الحشد والتعبئة التي قامت بها قنوات التليفزيون خلال المرحلة التي سبقت الاستفتاء.
إحجام الشباب أو مقاطعتهم للانتخابات هو ما يستحق القلق لأنه يبعث برسالة قوية يتعين تسلمها، خصوصا أن هؤلاء هم الذين حملوا الثورة وأطلقوا أهدافها، وبوسعنا أن نقول ببساطة إن المطروح عليهم الآن لا يعبر عما حملوه أو تمنوه. وما نشر من آراء ترددت في مجلس الوزراء صحيح، سواء ما تعلق منه بهجوم بعض المنابر والرموز الإعلامية على ثورة 25 يناير مع تجريح أشخاصها والتشكيك في أهدافها، أو ما تعلق بعودة الوجوه الإعلامية وغير الإعلامية المنسوبة إلى نظام مبارك إلى الظهور في المجال العام، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان صورة الماضي الكئيب. إلى غير ذلك من الأسباب والممارسات التي جعلت شباب الثورة يشعرون بأنهم غرباء ومنبوذون في الوضع الذي استجد بعد الثالث من يوليو.
لي بعد ذلك ملاحظتان، الأولى تتعلق بما نسب إلى الفريق عبدالفتاح السيسي، وقال فيه أنه لا عودة للوجوه القديمة ولا عودة لنظام ما قبل 25 يناير، ذلك أن المشكلة ليست في الوجوه القديمة فحسب، وإنما هي في السياسات القديمة التي وجدناها تطل علينا من جديد بوجوه مختلفة وبشراسة أكبر. ولعل ممارسات المؤسسة الأمنية هي أكثر ما يجسد تلك العودة المستهجنة.
الملاحظة الثانية أن بعض الأبواق التي حملت نظام ما بعد الثالث من يوليو وتشنجت في الترويج له والدفاع عنه هي أكثر ما أساء إليه وأخاف كثيرين منه. فقد رأى الناس فيها نماذج لدعاة الفاشية والمنافقين والمتلونين وعملاء الأجهزة الأمنية. ولم تكن المشكلة في أشخاصهم ولا في آرائهم فقط، ولكن في أنهم اعتبروا واجهات للنظام الجديد أو لبعض أجنحته على الأقل. وهو ما صار باعثا عن النفور وإساءة الظن. الأمر الذي أقنع البعض أن الطبخة الجديدة مقطوعة الصلة بثورة 25 يناير وقد سجل هؤلاء رأيهم في الاستفتاء الثاني، حتى إشعار آخر على الأقل.
(الشرق القطريه)