الفنان علي شرّي يرسم "الأشياء التي تهزنا"
جو 24 : يحمل معرض "حول الأشياء التي تهزّنا" الذي تستضيفه غاليري "إيمان فارس" الباريسية حالياً للتشكيلي اللبناني علي شرّي لغة بصرية جديدة ابتكرها الفنان لقول الكارثة الطبيعية -النكبة- بشكلها الأصفى التي لا يملك الإنسان أي وسيلة لمواجهتها.
وتجسد الأعمال المعروضة تهويلا متعمدا يلجأ الفنان اللبناني فيه إلى ظاهرة الزلازل ضمن بحث هدفه العثور على أجوبة على عمى البشر، وإبقاء الذاكرة حية، ولفت انتباه الأجيال الفتية والقادمة إلى حماقة تكرار الكوارث نفسها التي يقف الإنسان خلفها.
يقول شري إنه "بعيداً عن تمثيلات نهاية العالم، ما أسعى إلى جعله مرئياً بطريقة شعرية هو سديم كون في حالة انحدار، بحركته وتداعيه وسقوطه"، وفي هذا السياق نفهم الصور المطبوعة على حجر (lithographies) بالأسود والأبيض وتحمل عنوان "مشاهد مرتجفة".
من الأعمال المعروضة للتشكيلي اللبناني علي شري (الجزيرة)الكارثة وعمى الإنسان
ففي كل منها تظهر لقطة جوية لإحدى المدن الخمس التالية: بيروت ودمشق والجزائر العاصمة وطهران وأربيل، تتخللها بالأحمر الإحداثيات القطبية لخطوط التصدع الكامنة تحتها. وتذكرنا هذه "الخرائط" بالصور الجوية للمدن التي دُمرت أثناء الحرب العالمية الثانية، علما أنه يتعذر علينا معرفة إن كانت هذه الصور التُقطت قبل الكارثة الطبيعية التي ضربتها أم بعدها.
وبالمقابل، تقترح هذه الأعمال علينا استعادة ذاكرة مشتركة لكن غالبا مكبوتة، فتتحول المعلومات المسيّرة فيها إلى استعارة للاضطرابات التي تشهدها هذه المدن بلا انقطاع. وضمن المسعى نفسه ينخرط العمل الذي يحمل عنوان "أطلس ١٨٧٦-٢٠١٤" ويتكون من أطلس قديم طلاه شرّي بمادة الصمغ معلّقا بذلك سيرورة تقادمه.
وبتسويده خرائط هذا الكتاب أفقدها الفنان وظيفتها الأولى، أي تحديد أمكنة مواقع جغرافية معينة، وحوّلها إلى مجرد مسطحات سوداء سميكة على ورق تستحضر أراضي متفحمة بفعل الحرائق أو المعارك ومصورة من علو شاهق.
وفي التجهيز الذي يحمل عنوان "تيه" نشاهد راية بيضاء وسوداء تدور على بَكَرتين (أسطوانتين) بواسطة محرك كهربائي فتعبر من الأبيض إلى الأسوَد فإلى الأبيض، وتمثّل في دورانها المستمر دورة الطبيعة، وفي الوقت ذاته تستحضر الحركة الثابتة لمقياس الزلازل وسيرورة تسجيل الهزات الأرضية.
وفي الصالة الخلفية للغاليري نشاهد فيلم "قلق" الذي أخرجه شرّي منذ فترة قصيرة ونال جائزة أفضل فيلم قصير في "مهرجان دبي السينمائي الدولي". فيلم حول موضوع الكارثة، يسرد الفنان في بدايته تاريخ لبنان المليء بالكوارث الطبيعية متوقفا عند دمار عدد كبير من مناطقه ومدنه إثر زلازل قوية ضربته على مرّ السنين.
ولأن هذه الكوارث لا يمكن وصفها أو حصرها، يفرز شرّي في فيلمه مساحة كبيرة لجهاز قياس الزلازل نتعرف فيه بالتفصيل على طبيعتها.
وبين مشاهد الدمار التي استقاها من الأرشيف ومشاهد للفنان نفسه نجده فيها هائما على وجهه في الأرض بحثا عن آثار الكارثة، وتترافق الصورة في الفيلم مع نصوص مقروءة أو مُسقَطة على الشاشة تعود إلى شرّي وسحر مندور وماثيو غومبيرت وموريس بلانشو وبرتولد بريخت.
أما عمل "تقطيع" الذي هو عبارة عن جناح عملاق معلّق في الفضاء داخل غرفة معتمة في أسفل الغاليري -ويتكون من مونتاج خفي ومثير لعدد كبير من أجنحة طيور حقيقية- فيحضر كمحاولة لخلق مناخ شعري مقلِق غايته التلميح إلى حالة أي منطقة من العالم بعد وقوع كارثة فيها، حالة يطغى عليها التفكك والتصدع وخصوصا تقطع أوصال المنكوبين فيها. ويحلق البعد الأسطوري والدراماتيكي لهذا العمل فوق رؤوسنا كشهادة ثابتة على الكوارث الطبيعية القادمة.
ولا يفوت شرّي الفارق بين الكوارث الطبيعية التي يتعذر توقّعها كالهزة الأرضية أو تسونامي، والكوارث الناتجة عن سلوك البشر كفعل إرهابي أو فشل منظومة الأمن في محطة للطاقة النووية أو انهيار السوق المالية أو الاستهلاك المسعور لموارد الطبيعة، كما لا يفوته إمكانية التمييز بين هذه الأحداث من منطلق درجة خطورتها. لكن في نظره، تبقى الكارثة في جميع أشكالها واحدة.
وفي هذا السياق، لا يهدف توقفه بشكل حصري عند الكوارث الطبيعية في معرضه إلى استخدامها فقط كاستعارات قوية على الكوارث التي يقف خلفها البشر، بل أيضا لحث الطوائف التي ما زالت تتصارع في منطقتنا، وفي العالم بشكل عام، على التكاتف وتجاوز خلافاتها لمواجهة الخطر الذي يتهددها من الطبيعة نفسها ونتائجه المأساوية التي ستشمل الجميع، من دون تمييز بين طائفة وأخرى.
وتجسد الأعمال المعروضة تهويلا متعمدا يلجأ الفنان اللبناني فيه إلى ظاهرة الزلازل ضمن بحث هدفه العثور على أجوبة على عمى البشر، وإبقاء الذاكرة حية، ولفت انتباه الأجيال الفتية والقادمة إلى حماقة تكرار الكوارث نفسها التي يقف الإنسان خلفها.
يقول شري إنه "بعيداً عن تمثيلات نهاية العالم، ما أسعى إلى جعله مرئياً بطريقة شعرية هو سديم كون في حالة انحدار، بحركته وتداعيه وسقوطه"، وفي هذا السياق نفهم الصور المطبوعة على حجر (lithographies) بالأسود والأبيض وتحمل عنوان "مشاهد مرتجفة".
من الأعمال المعروضة للتشكيلي اللبناني علي شري (الجزيرة)الكارثة وعمى الإنسان
ففي كل منها تظهر لقطة جوية لإحدى المدن الخمس التالية: بيروت ودمشق والجزائر العاصمة وطهران وأربيل، تتخللها بالأحمر الإحداثيات القطبية لخطوط التصدع الكامنة تحتها. وتذكرنا هذه "الخرائط" بالصور الجوية للمدن التي دُمرت أثناء الحرب العالمية الثانية، علما أنه يتعذر علينا معرفة إن كانت هذه الصور التُقطت قبل الكارثة الطبيعية التي ضربتها أم بعدها.
وبالمقابل، تقترح هذه الأعمال علينا استعادة ذاكرة مشتركة لكن غالبا مكبوتة، فتتحول المعلومات المسيّرة فيها إلى استعارة للاضطرابات التي تشهدها هذه المدن بلا انقطاع. وضمن المسعى نفسه ينخرط العمل الذي يحمل عنوان "أطلس ١٨٧٦-٢٠١٤" ويتكون من أطلس قديم طلاه شرّي بمادة الصمغ معلّقا بذلك سيرورة تقادمه.
وبتسويده خرائط هذا الكتاب أفقدها الفنان وظيفتها الأولى، أي تحديد أمكنة مواقع جغرافية معينة، وحوّلها إلى مجرد مسطحات سوداء سميكة على ورق تستحضر أراضي متفحمة بفعل الحرائق أو المعارك ومصورة من علو شاهق.
وفي التجهيز الذي يحمل عنوان "تيه" نشاهد راية بيضاء وسوداء تدور على بَكَرتين (أسطوانتين) بواسطة محرك كهربائي فتعبر من الأبيض إلى الأسوَد فإلى الأبيض، وتمثّل في دورانها المستمر دورة الطبيعة، وفي الوقت ذاته تستحضر الحركة الثابتة لمقياس الزلازل وسيرورة تسجيل الهزات الأرضية.
وفي الصالة الخلفية للغاليري نشاهد فيلم "قلق" الذي أخرجه شرّي منذ فترة قصيرة ونال جائزة أفضل فيلم قصير في "مهرجان دبي السينمائي الدولي". فيلم حول موضوع الكارثة، يسرد الفنان في بدايته تاريخ لبنان المليء بالكوارث الطبيعية متوقفا عند دمار عدد كبير من مناطقه ومدنه إثر زلازل قوية ضربته على مرّ السنين.
ولأن هذه الكوارث لا يمكن وصفها أو حصرها، يفرز شرّي في فيلمه مساحة كبيرة لجهاز قياس الزلازل نتعرف فيه بالتفصيل على طبيعتها.
وبين مشاهد الدمار التي استقاها من الأرشيف ومشاهد للفنان نفسه نجده فيها هائما على وجهه في الأرض بحثا عن آثار الكارثة، وتترافق الصورة في الفيلم مع نصوص مقروءة أو مُسقَطة على الشاشة تعود إلى شرّي وسحر مندور وماثيو غومبيرت وموريس بلانشو وبرتولد بريخت.
أما عمل "تقطيع" الذي هو عبارة عن جناح عملاق معلّق في الفضاء داخل غرفة معتمة في أسفل الغاليري -ويتكون من مونتاج خفي ومثير لعدد كبير من أجنحة طيور حقيقية- فيحضر كمحاولة لخلق مناخ شعري مقلِق غايته التلميح إلى حالة أي منطقة من العالم بعد وقوع كارثة فيها، حالة يطغى عليها التفكك والتصدع وخصوصا تقطع أوصال المنكوبين فيها. ويحلق البعد الأسطوري والدراماتيكي لهذا العمل فوق رؤوسنا كشهادة ثابتة على الكوارث الطبيعية القادمة.
ولا يفوت شرّي الفارق بين الكوارث الطبيعية التي يتعذر توقّعها كالهزة الأرضية أو تسونامي، والكوارث الناتجة عن سلوك البشر كفعل إرهابي أو فشل منظومة الأمن في محطة للطاقة النووية أو انهيار السوق المالية أو الاستهلاك المسعور لموارد الطبيعة، كما لا يفوته إمكانية التمييز بين هذه الأحداث من منطلق درجة خطورتها. لكن في نظره، تبقى الكارثة في جميع أشكالها واحدة.
وفي هذا السياق، لا يهدف توقفه بشكل حصري عند الكوارث الطبيعية في معرضه إلى استخدامها فقط كاستعارات قوية على الكوارث التي يقف خلفها البشر، بل أيضا لحث الطوائف التي ما زالت تتصارع في منطقتنا، وفي العالم بشكل عام، على التكاتف وتجاوز خلافاتها لمواجهة الخطر الذي يتهددها من الطبيعة نفسها ونتائجه المأساوية التي ستشمل الجميع، من دون تمييز بين طائفة وأخرى.