الغولة والمديونية
عندما كنا صغارا وتحت سن السابعه تقريبا كانت امهاتنا وجداتنا عندما تريد ان تفرض علينا تصرفا أو سلوكا أو عملا ونتمرد عليها كانت تهددنا بالغولة- وهي كما تصورها لنا جداتنا – وحش كبير مفترس يخرج في الليل يبحث عن قوته ويأكل كل ما يصادفه من حيوان صغير او انسان، خاصة الاطفال الصغار، وكانت تمثل شيئا مخيفا حتى بات كل اطفال القرية يخافون من هذه الغولة ويتوقعون وجودها في الاماكن المظلمة وبالنتيجة شكلت الغولة في اذهان الاطفال وسيلة رعب وتخويف وحتى نتجنب هذا الوحش ما علينا الا ان نسمع ونلبي طلبات جداتنا وامهاتنا حتى كبرنا وعرفنا ان الغوله مجرد وهم ولم تكن الا وسيلة ترهيب ولا يوجد غولة ولا ما يحزنون.
تماما كما هي المديونية على الحكومات الاردنية، فمنذ سنوات عديدة وشبح المديونية يلوح في يد الحكومات وبتعريف بسيط للمديونية والدين فهي ان هناك طرفا محتاجا وليس لديه أموال يقضي أموره بها فيلجأ الى طرف غني يستدين منه المال لسد حاجته على أمل او وعد لن يقوم هذا المَدين بتسديد الدين في وقت معين –وبدون التطرق الى الفوائد- واذا حل موعد السداد فإما أن يُسدد المدين المبلغ للدائن وهكذا تكون المعاملة صادقة، وقد يلجأ المدين الى الاستدانة مره اخرى لأخذ اموال واستثمارها اما اذا لم يسدد المدين الدين فإن الدائن لن يعطي المدين ديونا اخرى وبالتالي يتوقف التعامل بين الطرفين ويستمر الدائن بالمطالبه بالدين السابق.
في الاردن، لم نعرف ولم نقرأ ولم نسمع اي جهة دائنة للاردن سواء دولة او مؤسسه او بنك عالمي سبق وان أدان الاردن وطالبه بالسداد ولا نعرف ما هو السبب .
كما اننا لم نعرف ولم نسمع ولم نقرأ ان الدولة الفلانية او المؤسسة الفلانية او البنك العلاني له دين على الحكومة الاردنية بمبلغ معين ولم تظهر هذه المعلومة للناس.. وكم سددت الاردن من هذا الدين وكم بقي منه والحال مستمر على هذا المنوال والغريب في الامر ان كل الدول الصديقة والشقيقة وغيرها من البنوك والمؤسسات لا تزال تقدم للاردن منحا او مساعدات او قروضا –والامور ماشيه – فكيف يقدم هؤلاء هذه الديون وهذه الاستثمارات للدوله المَدينه التي لم تسدد يوما من الايام اية ديون مستحقه عليها.
وبعد ذلك ترى الحكومات تكبح جماح طلبات الشعب المعاشيه برفع شعار الديونيه وفي كل سنة يظهر شبح المديونيه بعذر تحسين اوضاع الناس وتبقى طبقه غنيه في الاردن لا تتجاوز 1% من السكان تسرح وتمرح بالاموال الطائله بالآلاف والملايين والمليارات في حين ان 80% يعاني من شظف العيش وارتفاع الاسعار وكلما ارتفع صوت للمطالبة بتحسين الاوضاع رفعت الحكومات المتعاقبه شبح المديونية.
من خلال ما تقدم يخيل للمتتبع ان المديونيه ما هي الا الغوله التي تخوف الحكومة بها الشعب .. المديونية ..ويظهر الشبه واردا بين موضوع الغولة التي كانت الجدات والامهات في السابق تخوف الاطفال بها والمديونية التي كانت الحكومات الاردنية السابقة والحالية وربما اللاحقه تخوف بها الشعب وتكبح جماح طلباته في تحسين وضع الناس وطالما لم تعرف المديونية وكم هي تماما ولمن هي بصدق ولم يسبق ان سدد منها شيء وكل سنة تزيد.
فيخيل للمتابع انه لا يوجد مديونية حقيقية وربما توجد مديونية على الورق وغير قابله للتنفيذ لان الدائنين لا يطلبون التسديد وليس في نيتهم طلب التسديد بل ويدفعون مساعدات وقروضا من جديد فمعنى ذلك انه لايوجد مديونية ولا يحزنون ويجب الا يخشى الشعب الاردني من هذه المديونيه ولا يحسب لها اي حساب.