زفـة المصالحة الجديدة وما وراءها
ياسر الزعاترة
جو 24 : بينما كان نبيل شعث من فتح وغازي حمد من حماس يوزعان حبوب التفاؤل بقرب التوصل إلى اتفاق المصالحة وقرب تنفيذه على الأرض، فيما كنت أرى غير ذلك في الحوار التلفزيوني الدائر حول زيارة وفد اللجنة المركزية لحركة فتح إلى قطاع غزة، لم يكن من المذيع غير أن اتهمني بتخريب العرس، فكان ردي أننا شهدنا عشرين عرسا (ليس العدد دقيقا بالطبع) قبل ذلك وانتهت إلى لا شيء، فلماذا ينبغي علينا أن نتفاءل بهذا العرس على وجه التحديد؟!
طوال أسابيع قبل زيارة وفد مركزية فتح إلى قطاع غزة، كان خطاب مسؤولي فتح حيال حماس استعلائيا بشكل لافت، مع سيل من الاتهامات للحركة بالتدخل في الشأن المصري، بل وتحريض سافر عليها حتى في الفضائيات المصرية، فما الذي تغير حتى سافر الوفد الرفيع سريعا إلى قطاع غزة؟
ثمة حدثان بارزان؛ الأول ما سرّبته صحيفة معاريف حول حوارات جرت بين مبعوث نتنياهو (المحامي إسحق مولخو) مع محمد دحلان في دبي، مع توضيح من نتنياهو بأنه يفضل دحلان كخليفة لعباس، والحدث الثاني هو تسرّب معلومات عن اتصالات بين دحلان وبين حركة حماس، يبدو أنها تمت من خلال بعض رجاله المعروفين.
وفيما يعيش عباس مأزق الضغوط الأمريكية المتعلقة باتفاق الإطار، فإن الموقف بدا ضاغطا إلى حد كبير، وإن لم يكن وضع حماس مرتاحا تبعا للضغوط المصرية المشددة، لكن سبب البعثة العباسية إنما يتمثل فيما ذكرنا آنفا؛ أعني مخاوف الرئيس من تكرار تجربة البديل التي رتبها الصهاينة ببطولته إلى جانب دحلان وفياض مع عرفات، وإن يكن ذلك مستبعدا تماما لجهة التخلص منه، لكن عادة من يمسكون بالسلطة في أي مكان، فضلا عن ثلاث سلطات (فتح والسلطة والمنظمة) أن يروا حبة التهديد قـبّـة.
المشكلة أن عباس لا يرى في المصالحة مع حماس غير شيء واحد هو الانتخابات، ومن أجل تمريرها يمكنه أن يقدم بعض التنازلات، لاسيما أنه يعتقد بقدرته وحلفائه من اليسار على كسبها، وإن بنسبة محدودة في ظل نظام القائمة النسبية ووضع حماس المتعب، بل المستباح في الضفة الغربية، وبالتالي ستعود له الشرعية التي فقدها عام 2006.
ثمة شياطين لا تحصى في تفاصيل المصالحة، ولا أحد يملك إجابات مقنعة عن الكيفية التي يمكن أن تحل من خلالها، وهنا نقول إنه لا أحد ضد المصالحة، بل نتمناها من كل قلوبنا، ولكن بشرط أن تصبَّ في خدمة قضية الشعب الفلسطيني، لا أن تفعل العكس، فتضم قطاع غزة إلى الضفة الغربية في لعبة التنسيق الأمني والسلطة المصممة لخدمة الاحتلال.
قضية الشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات أكبر من فتح ومن حماس، ولا بد أن تكون مصلحتها هي العنوان الذي تتم على قاعدته المصالحة، وهنا يُطرح السؤال الجوهري، وهو هل يصبُّ المسار الذي يمضي فيه محمود عباس في خدمة القضية، أم يكتفي بتكريس مكاسب لحفنة من الناس ترفض المقاومة وترتاح لبطاقات “الفي آي بي” ولعبة الاستثمار والمال للأهل والأحباب.
يقولون إنهم لن يتنازلوا عن الثوابت، بما فيها حق العودة، لكن وثائق التفاوض تخبرنا بأن ما عرضوه على ليفني وأولمرت واعترفوا به يبدو كارثيا، وفيه شطب لحق العودة أصلا (عباس اعتبر أن كندا ستساهم في حل المشكلة!!)، ولا تسأل عن “أكبر أورشليم في التاريخ اليهودي” التي عرضها عريقات على ليفني, بينما رفضت حتى مناقشة عرضه لأن القدس غير قابلة للنقاش.
ولنفرض أنهم لم ولن يتنازلوا عما تبقى من ثوابت لم يتنازلوا عنها في مفاوضاتهم مع أولمرت وليفني. ألا يعني ذلك أن التسوية مستبعدة، وأن المفاوضات عبثية؟ ما الحل إذا؟ هل هو استمرار التنسيق الأمني وتكريس السلطة التي تخدم الاحتلال، مع ما يقال عن تعويل على الضغط الدولي لم يسفر عن نتيجة طوال عقود؟!
لا إجابة على ذلك كله، والانتفاضة الثالثة لن تندلع ما بقي عباس حيا كما قال بنفسه لنيويورك تايمز، فعلى أية قاعدة ستتم المصالحة سوى ضم الضفة إلى القطاع في هذه اللعبة البائسة؟!
مع ذلك، فنحن نقبل مثلا أن تكون المصالحة على قاعدة انتخاب قيادة فلسطينية للداخل والخارج تقرر مصير الشعب الفلسطيني ومساره، بينما تدار السلطة في الضفة والقطاع بالتوافق (ما الحاجة إلى هذه الديمقراطية البائسة في سلطة تحت الاحتلال؟!)، لكن ذلك يبدو مستبعدا أيضا، لأن ما يريدونه هو انتخابات سلطة تتحول قيادتها إلى ممثل لكل الشعب.
مع ذلك، دعوكم من تشاؤمنا، ودعونا ننتظر تفاؤل المتفائلين، ولتكن المصالحة، إذ سنعوّل بعدها على انتفاضة شعب لن يرضى بتغييب قضيته، إن بتسوية مشوّهة، أم باتفاق إطار أو تسوية مؤقتة تعني تصفيتها أيضا، أم ببقاء الوضع على حاله، ما يعني تجميدها أيضا.
(الدستور)
طوال أسابيع قبل زيارة وفد مركزية فتح إلى قطاع غزة، كان خطاب مسؤولي فتح حيال حماس استعلائيا بشكل لافت، مع سيل من الاتهامات للحركة بالتدخل في الشأن المصري، بل وتحريض سافر عليها حتى في الفضائيات المصرية، فما الذي تغير حتى سافر الوفد الرفيع سريعا إلى قطاع غزة؟
ثمة حدثان بارزان؛ الأول ما سرّبته صحيفة معاريف حول حوارات جرت بين مبعوث نتنياهو (المحامي إسحق مولخو) مع محمد دحلان في دبي، مع توضيح من نتنياهو بأنه يفضل دحلان كخليفة لعباس، والحدث الثاني هو تسرّب معلومات عن اتصالات بين دحلان وبين حركة حماس، يبدو أنها تمت من خلال بعض رجاله المعروفين.
وفيما يعيش عباس مأزق الضغوط الأمريكية المتعلقة باتفاق الإطار، فإن الموقف بدا ضاغطا إلى حد كبير، وإن لم يكن وضع حماس مرتاحا تبعا للضغوط المصرية المشددة، لكن سبب البعثة العباسية إنما يتمثل فيما ذكرنا آنفا؛ أعني مخاوف الرئيس من تكرار تجربة البديل التي رتبها الصهاينة ببطولته إلى جانب دحلان وفياض مع عرفات، وإن يكن ذلك مستبعدا تماما لجهة التخلص منه، لكن عادة من يمسكون بالسلطة في أي مكان، فضلا عن ثلاث سلطات (فتح والسلطة والمنظمة) أن يروا حبة التهديد قـبّـة.
المشكلة أن عباس لا يرى في المصالحة مع حماس غير شيء واحد هو الانتخابات، ومن أجل تمريرها يمكنه أن يقدم بعض التنازلات، لاسيما أنه يعتقد بقدرته وحلفائه من اليسار على كسبها، وإن بنسبة محدودة في ظل نظام القائمة النسبية ووضع حماس المتعب، بل المستباح في الضفة الغربية، وبالتالي ستعود له الشرعية التي فقدها عام 2006.
ثمة شياطين لا تحصى في تفاصيل المصالحة، ولا أحد يملك إجابات مقنعة عن الكيفية التي يمكن أن تحل من خلالها، وهنا نقول إنه لا أحد ضد المصالحة، بل نتمناها من كل قلوبنا، ولكن بشرط أن تصبَّ في خدمة قضية الشعب الفلسطيني، لا أن تفعل العكس، فتضم قطاع غزة إلى الضفة الغربية في لعبة التنسيق الأمني والسلطة المصممة لخدمة الاحتلال.
قضية الشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات أكبر من فتح ومن حماس، ولا بد أن تكون مصلحتها هي العنوان الذي تتم على قاعدته المصالحة، وهنا يُطرح السؤال الجوهري، وهو هل يصبُّ المسار الذي يمضي فيه محمود عباس في خدمة القضية، أم يكتفي بتكريس مكاسب لحفنة من الناس ترفض المقاومة وترتاح لبطاقات “الفي آي بي” ولعبة الاستثمار والمال للأهل والأحباب.
يقولون إنهم لن يتنازلوا عن الثوابت، بما فيها حق العودة، لكن وثائق التفاوض تخبرنا بأن ما عرضوه على ليفني وأولمرت واعترفوا به يبدو كارثيا، وفيه شطب لحق العودة أصلا (عباس اعتبر أن كندا ستساهم في حل المشكلة!!)، ولا تسأل عن “أكبر أورشليم في التاريخ اليهودي” التي عرضها عريقات على ليفني, بينما رفضت حتى مناقشة عرضه لأن القدس غير قابلة للنقاش.
ولنفرض أنهم لم ولن يتنازلوا عما تبقى من ثوابت لم يتنازلوا عنها في مفاوضاتهم مع أولمرت وليفني. ألا يعني ذلك أن التسوية مستبعدة، وأن المفاوضات عبثية؟ ما الحل إذا؟ هل هو استمرار التنسيق الأمني وتكريس السلطة التي تخدم الاحتلال، مع ما يقال عن تعويل على الضغط الدولي لم يسفر عن نتيجة طوال عقود؟!
لا إجابة على ذلك كله، والانتفاضة الثالثة لن تندلع ما بقي عباس حيا كما قال بنفسه لنيويورك تايمز، فعلى أية قاعدة ستتم المصالحة سوى ضم الضفة إلى القطاع في هذه اللعبة البائسة؟!
مع ذلك، فنحن نقبل مثلا أن تكون المصالحة على قاعدة انتخاب قيادة فلسطينية للداخل والخارج تقرر مصير الشعب الفلسطيني ومساره، بينما تدار السلطة في الضفة والقطاع بالتوافق (ما الحاجة إلى هذه الديمقراطية البائسة في سلطة تحت الاحتلال؟!)، لكن ذلك يبدو مستبعدا أيضا، لأن ما يريدونه هو انتخابات سلطة تتحول قيادتها إلى ممثل لكل الشعب.
مع ذلك، دعوكم من تشاؤمنا، ودعونا ننتظر تفاؤل المتفائلين، ولتكن المصالحة، إذ سنعوّل بعدها على انتفاضة شعب لن يرضى بتغييب قضيته، إن بتسوية مشوّهة، أم باتفاق إطار أو تسوية مؤقتة تعني تصفيتها أيضا، أم ببقاء الوضع على حاله، ما يعني تجميدها أيضا.
(الدستور)