المجالي يحذر من الضغط على الأردن للتدخل العسكري ضد سوريا
حذر رئيس التيار الوطني السياسي البارز م. عبد الهادي المجالي من عدم استقرار الأردن نتيجة الأزمة السورية.
وبحسب ما جاء بكلمته التي ألقاها في جمعية الشؤون الدولية "حالةَ عدمِ الاستقرارِ المرتبطةِ باحتمالاتِ انفجارِ الأزمةِ السوريةِ عسكريا خارجَ حدودِ سوريا، والخشيةُ هنا أن يكونَ بلدُنا واقعا تحتَ ضغطٍ للتورطِ بالأزمةِ عبرَ ما يجري الحديثُ عنه عن عمليةٍ عسكريةٍ في جنوبِ سوريا يؤسَّسُ لها في المنطقةِ الحدوديةِ والمناطقِ القريبةِ".
وتاليا نص البيان :
بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوةُ والأخواتُ الأكارم
السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاته
نطاقُ التحدياتِ الداخليةِ والخارجية، المحيطةِ بوطننا العزيزِ عديدة، وأخطارُها متنوعة، وتحدياتُ الداخلِ ذاتُ صلةٍ بتحدياتِ الخارج، فما يحدثُ في الإقليمِ يمسُّنا مسّاً مباشراً ويؤثرُ في كلِّ تفاصيلِنا، إنْ على صعيدِ الأزمةِ السورية، أو على صعيدِ القضيةِ الفلسطينية، أو على صعيدِ المفاوضاتِ الإيرانيةِ معَ المجتمعِ الدولي، أو على صعيدِ تطوراتِ الأحداثِ في مصرَ والعراق، وغيرِها من البلدانِ العربيةِ المأزومةِ في واقِعِها أو المأزومةِ بمحيطِها.
وهي تحدياتٌ متشابكةٌ ومركبةٌ ومفتوحةٌ على احتمالاتٍ واسعة، وملفاتُها لم تُغلق، ولا يُـتَـوقَعُ لها أن تُـغلقَ في المدى القريب، وإنْ أُغلقَت في المدى القريبِ أو المتوسط، ستدومُ آثارُها طويلا، وحالةُ الاستقرارِ النهائيِّ ستكونُ حُلما، فالتغييرُ الذي تشهدُهُ المنطقةُ ودُوَلُها سيتركُ تباعاتٍ واستحقاقاتٍ ويُغيِّر مساراتٍ ويفرضُ مقارباتٍ مختلفةً عن تلكَ التقليديةِ التي تحكَّمت بأجندةِ الإقليمِ لسنواتٍ طويلة.
تأسيساً على هذا الواقع، لا بدَّ لنا أن نقرأَ المشهدَ الوطنيَّ والإقليميَّ بتمعنٍ وبدقةٍ وموضوعيةٍ وبعمق، لأنَّ مثلَ هذه القراءةِ فقط، هي التي تُمكننا من تصميمِ أجندتِنا وتمكننا من إبداعِ مقاربَـتِنا في كيفيةِ التعاملِ مع التغيراتِ والتبدلات، وتساعدُنا على الإفلاتِ منَ التداعياتِ والمآلاتِ الصعبة، بأقلِّ الأضرار، فلا أحدَ سيكسِبُ كسباً كاملا، لكن البعضَ سيخسرُ خسارةً كبيرة.
والناظرُ المتبصرُ في الشأنِ الوطنيِّ يدركُ تماما أنَّ لدينا تحدياتٍ سياسيةً واقتصاديةً واجتماعيةً وأمنية، كبيرة وكثيرة، فاقمَها الإقليمُ وما يعانيهِ من أزْماتٍ ومآزق، وهو ما يدللُ على ترابطٍ بين الداخلِ والخارج، على نحوٍ يستدعي حلولاً وآلياتِ عملٍ تُوازنُ بينَ الواقعينِ وتأثيراتِهِما المتبادلة.
وما لا شكَّ فيه، أن أزْمَـتَنا الاقتصاديةَ تراكمية، لأن الحلولَ في السنواتِ السابقة، لم تكن حلولاً جذريةً بل "ترقيعة" أجّلتِ الأزمةَ واستحقاقاتِها إلى أن تضخَّمتْ وخرجتْ عن المعقول، وباتَ الحلُّ هو الميلُ إلى جيوبِ الناس، والفقراءُ منهُم الأكثرُ تأثراً ودفعاً للكلفة.
ذلك الواقعُ الاقتصاديُّ أصبحَ الآنَ أشدَّ وطأة، بسببِ أحداثِ الإقليم، وتحديداً الحدثُ والمأزقُ السوري، الذي صدَّرَ إلينا مئاتِ الآلافِ من اللاجئين، مسبباً تصعيبا للواقعِ الاقتصادي، والأكثرَ والأخطرَ من ذلك، للواقعِ الاجتماعيِّ والأمني، لأنَّ هذا الحجمَ من اللجوء، وإن كان له بُعدُهُ الإنساني، لكنْ أيضا لهُ مخاطرُه، وشكاوى أهلِ الشمالِ تُدلِّـلُ على عمقِ الأزْمةِ وأخطارِها.
فكيف إذا أضفنا إلى حالةِ اللجوءِ بكلِّ ما لَها وعليها، حالةَ عدمِ الاستقرارِ المرتبطةِ باحتمالاتِ انفجارِ الأزمةِ السوريةِ عسكريا خارجَ حدودِ سوريا، والخشيةُ هنا أن يكونَ بلدُنا واقعا تحتَ ضغطٍ للتورطِ بالأزمةِ عبرَ ما يجري الحديثُ عنه عن عمليةٍ عسكريةٍ في جنوبِ سوريا يؤسَّسُ لها في المنطقةِ الحدوديةِ والمناطقِ القريبةِ منها..
هنا لا بدَّ لنا من "تقديرِ موقفٍ" استراتيجيٍّ حيالَ التطوراتِ المحتملة، وإمكانيةِ أن نتعرضَ لاستهداف، ومؤشراتُ ذلك واضحةٌ في الإعلامِ السوري، الذي يُـلَـمِّحُ، بلْ ويتحدثُ صراحةً عن دورٍ أردنيٍّ في ما يُـحَـضَّرُ لجنوبِ سوريا.
لهذا بالتأكيد، انعكاسُه على الداخلِ الأردني، تماما كما لما يجرِ في مناطقِ الرماديِّ والأنبارِ في العراقِ من انعكاسات، وفي كلا البلدينِ تُـصَعِّـدُ التنظيماتُ المتطرفةُ ذاتُ الصلةِ بتنظيمِ القاعدة، وهذا يفرضُ تحدياً حقيقياً، ليس على الأردنِّ فقط، وإنما على سائِر الإقليم، وتصلُ المخاطرُ هذه إلى أوروبا وأميركا.
ونسألُ أنفسَنا هنا سؤالاً في ملفٍّ آخَر، ماذا لو أن إيرانَ عقدتْ "صفقةً كبرى" مع أميركا وأوروبا، في سياقِ تسويةٍ لملفاتِ الإقليمِ المشتعلة؟.. هذا سؤالُ المصلحةِ العليا التي تحتاجُ منا، على المستويينِ الرسميِّ والأهلي، محاولةً جادةً لالتقاطِ كلِّ الإشاراتِ التي تصدرُ من هنا وهناك لنفهمَ أين نحنُ من ذلكَ الاحتمالِ إذا ما تحققَ واقعاً على الأرض.
ونعلمُ جميعاً أن أيَّ صفقةِ تسوياتٍ شاملةٍ في الإقليمِ تعني أولَ ما تعني تسويةَ القضيةِ الفلسطينية، وهذه عمليا قضيتُـنا المركزية، التي تحاولُ أميركا الآن الانتقالَ بها إلى مربعِ الحلِّ النهائي، لكننا لا نعلم بعد، على وجهِ اليقين، ما هي أسسُ الحلِّ وسقوفُه واشتراطاتُه..
ونحن في الأردنِّ يعنينا بشكلٍ أكيدٍ ملفاتٌ في التسويةِ ذاتُ أهميةٍ قصوى، ليس أقلُّها مسألةُ اللاجئينَ والحدودِ والقدسِ والمياه.. لكن الأخطرَ في سياقِ ذلك كلِّهِ مسألةُ الإصرارِ الإسرائيليِّ على الاعترافِ بـ"يهوديةِ الدولة". فهذهِ مسألةٌ لها مخاطِرُها الجسيمةُ ليس فقط على مستقبلِ الدولةِ الفلسطينيةِ المفترضة، بل وعلى الأردنِّ كذلك.
فإسرائيلُ تريدُ معالجةَ مسألةِ اللاجئينَ من خلالِ انتزاعِ الاعترافِ بيهوديتها، لأنَّ ذلكّ يُمَكِّـنُها من أمرين.. عدمُ قبولِ أيِّ عودةٍ حقيقيةٍ للّاجئين. والأمرُ الآخرُ يتيحُ لها تعديلَ الحدودِ وتهجيرِ عربِ 48 خارجَ حدودِ كيانها.. كما انَّ الاعترافَ المطلوب، ينسِفُ الروايةَ التاريخيةَ التي أُسِّسَ عليها الحقُّ الفلسطيني.
وأظنُّ أن هذهِ المسألةَ تحتاجُ إلى حذرٍ شديدٍ من الإخوةِ في السلطةِ الوطنيةِ الفلسطينية، ومنَ الأردن، ومن كلِّ العرب، فأيُّ تفريطٍ في حقٍّ من الحقوقِ سيعني تِباعاتٍ والتزاماتٍ تُـلقى على كاهِلِها، فيما الأصلُ أن يَتَحَّـمل الاحتلالُ التَّـبِعات، الذي عليهِ أن يدركَ ألّا سلامَ معهُ ما لم يلتزمْ بقراراتِ الشرعيةِ الدولية، وفي أقَـلِّـه بالمبادرةِ العربيةِ التي مرَّتْ عليها سنواتٌ طويلة، دون استجاباتٍ تُذكر.
صدقاً أقول، نحنُ أمامَ لحظةٍ تاريخيةٍ فارقةٍ لا تقبلُ أَنصافَ الآراءِ والمواقف، بل الرأيَ كاملاً صادقاً صريحا، بلا تشوهاتٍ أو اختلالات.. لأن في مكاشَفَـتِـنا وتفاهُمِنا وعملِنا المشتركِ نجاتُنا، وتجَنُّـبُ الأسوأ.
الخلاصةُ التي أريدُ قولَها أن واقِعَنا يحتاجُ إلى تطويرٍ لكيْ نستطيعَ مجابهةَ التحديات، وهذا التطويرُ يكونُ في البناءِ السياسيِّ المجتمعيِّ والرسمي، المدركِ لعمقِ هذه التحدياتِ وأبعادِها، والقادرِ على الاستجابةِ لكلِّ الأخطار، وهو المدخلُ الحقيقيُّ لبناءِ جبهةٍ داخليةٍ قويةٍ ومتينةٍ بإمكانِها أن تقاومَ التحدياتِ على تنوعِها..
بذلكَ فقط، نمضي في طريقٍ صحيحٍ سليمٍ للنفاذ إلى الاستقرار.
هذهِ بعضُ الإضاءاتِ التي أردتُ أن أشيرَ إليها، تمهيداً لحوارِنا، لقناعتي أن الحوارَ وتبادلَ الأفكارِ يُثريانِ ويُنضجانِ فهمَنا وتصورَنا للواقِعِ ولِما يجبُ أن يكونَ عليهِ هذا الواقع.
الشكرُ كلُّ الشكرِ للداعينَ وللحضورِ الكريم، وأرجو أنْ أكونَ أَفَدْتُ، ومقتنعٌ أن فائدتي ستكونُ أكبرَ بسماعِ تقييماتِكُم وأفكارِكُم حيالَ ما نحنُ فيهِ وما نجابِهُهُ من تحدياتٍ ورؤيتِكُم للسُّـبُلِ التي تُمَكننا جميعاً منَ المحافظةِ على بلدِنا ونظامِنا السياسي.
والسلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه