jo24_banner
jo24_banner

ألفية ابن سينا.. ما المناسبة؟

حلمي الأسمر
جو 24 : لا ينفك الدكتور العزيز طارق طهبوب يتحفني بين حين وآخر بما يفاجئني، ويرسل لي ما يدهشني، خاصة ويكاد كل ما يفكر فيه دكتورنا الحبيب خارج الصندوق!

آخر ما أتحفني به الدكتور طارق مداخلة عظيمة، تحدث عندك صدمة، حيث يتحدث عن الاحتفال بألفيّة ابن سينا.. ليس في بلاد العرب، ولا من قبل أي منهم، بل في المجلّة الطبّيّة البريطانيّة للطبيب (جافن كوه) اختصاص الأمراض المعدية في جامعة كمبردج بمناسبة ألفية ابن سينا، حيث تحتوي المجلّة – كما يقول الدكتور طارق - على باب ثابت هو (الأعمال الطّبيّة الكلاسيكيّة)، وقد خصّصت أحد أعدادها للاحتفال بكتاب ابن سينا (القانون في الطّب)!!

فمن هذا الرجل العظيم، الذي يحتفل به العالم، ولا نكاد نذكره ونحن أهله، وهو منا ونحن منه؟ يكمل الدكتور «معروفه» معي فيذكّرني وقرائي بما نسينا، أو بما لا نعرف عن هذا العالم الكبير...

وُلد ابن سينا عام 980 ميلادية، في بخارى إحدى مدن إمبراطوريّة سمرقند على طريق تجارة الحرير، وتوفّي عام 1037م، ويعرفه العالم الحديث كعالم فلك، وكيمياء، ورياضيات، وفيزياء وشاعر، ومعلم، ومناظر من الطّراز الأوّل، ولكنّه يُعدّ أمير الأطبّاء في العالم الإسلاميّ. أتمّ حفظ القرآن الكريم وهو في العاشرة، وتفوّق في علوم الفلك، والقانون، والرّياضيات، والفلسفة قبل أن يبدأ دراسة الطّبّ وعمره ستّة عشر عامًا ليحصل على شهادته ورخصة مزاولة الطب وعمره ثمانية عشر عامًا، وعُيّن عام 997م طبيبًا للأمير ابن منصور والذي عالجه من مرض خطير. بدأ ابن سينا تأليف كتابه (القانون) في الطبّ في سنة 1012م، واحتوى الكتاب الضّخم على أربعة عشر مجلّدًا حوت خلاصة الطّبّ الرّومانيّ والفلسفة الإغريقيّة والعلوم الطّبيّة الإسلاميّة مسندة بملاحظاته السّريريّة و الحياتيّة.

من فتوحاته الطّبيّة اكتشاف الصّلة بين مرضى السّكري والسّل، والتّأكيد على أنّ السّل مرض معدٍ، وليس وراثيًّا، كما كان يظنّ أطبّاء أوروبا، الذين لم يقبلوا بنظريّة العدوى، حتى أثبت ذلك الطبيب جان انطونيو فيلمان عام 1865، أي أنّ ابن سينا تقدّم على نظرائه في الغرب بثمانية قرون ونصف فقط. حقيقة نهديها إلى سلامه موسى ولويس عوض، وكلّ دعاة التّغريب وأساتذتهم من المستشرقين.

تتضمّن فتوحات ابن سينا اكتشافه لأسباب شلل العصب السّابع، العصب الوجهيّ، وتقسيمها إلى ما هو مركزيّ وطرفيّ، والتّمييز بين التهاب غشاء الرئة والتهاب الصّدر، وهو أوّل من وصف التّشريح الكامل للعين، وأوّل من وصف، وسمّى نواة الدّماغ السّفلى. ترجم الطبيب (جيرارد دوشابلونيتا) القانون في الطّبّ إلى اللاتينيّة في القرن الثّالث عشر، وتُرجم الكتاب إلى الكثير من اللّغات، منها الصّينيّة والإنجليزيّة والفرنسيّة والعبريّة، وكان الكتاب الرّئيسي في كليّات الطّبّ في جامعات مونبلييه ولوفيان حتى عام 1650، وبلغت شهرة الكتاب حتى إنّ طبيب شوسر (الروائي المشهور) قدّم معرفته بالكتاب كسبب لاعتماده.

يظهر رسم ابن سينا (افيسينا كما يعرفه الغرب) كأحد روّاد عصر النّهضة في مكتبة بودليان في جامعة اكسفورد. إنّ تأثير هذا الكتاب العظيم استمرّ قرونًا، وقواعده السّبعة لتقييم أي علاج جيّد هي الأساس الصّلب للتّجارب الدّوائيّة حتى يومنا هذا. بالإضافة إلى إنّه أوّل من أدخل منظومة التناذر، وهي تجمّع عديد من الأعراض والعلامات لتحديد مرض معيّن بذاته، ومن أهمّ منجزات ابن سينا تأكيده على الملاحظات والمعاينات السّريريّة كجزء من دراسة الطّبّ، والتي اعتمدها (اوسلر) كنظام لتدريب الأطّبّاء المقيمين.

عندما شعر بدنوّ أجله في عام 1037م- حين أُصيب بورم وألم شديد في بطنه- وزّع أملاكه على الفقراء وحرّر عبيده، واستمرّ يختم القرآن كلّ ثلاثة أيّام حتى وافاه الأجل، وقبره موجود في همذان.

الشكر موصول للدكتور طارق، الذي نكأ جرحا في صدورنا، لا بد من نكئه، لعله يشفى!


(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news