عامــل وافــد
ياسر الزعاترة
جو 24 : تنتشر بين حين وآخر قصص كثيرة حول مظالم يتعرض لها العمال الوافدون، والمصريون منهم على وجه التحديد كونهم يشكلون النسبة الأكبر من العمالة الوافدة، وقد تجلى ذلك قبل مدة من خلال اعتصام نفذه عشرات منهم أمام السفارة المصرية، فضلا عن قصص تحدثت عنها بعض الإذاعات، إلى جانب ما يسمعه المرء من هنا وهناك.
لا يعني ذلك أن الظاهرة قد أخذت في التصاعد خلال المرحلة الأخيرة، إذ أنها موجودة منذ ظهور العمالة الوافدة قبل ثلاثة عقود تقريبا، لكن توافر منابر للتعبير وجرأة الناس بعد الربيع العربي هما ما شجع البعض على الجأر بالشكوى أكثر من ذي قبل.
لا تختلف هذه الحكايات عن أخرى مشابهة يتعرض لها العمال الوافدون في دول الخليج التي تتميز بالعدد الهائل من تلك العمالة، لاسيما أن نظام الكفالة المعمول به يمنح صاحب العمل أو “الكفيل” فرصة التحكم بالعامل على نحو يقترب ويتنافى في بعض تجلياته مع حقوق الإنسان.
والحال أن المظالم التي يتعرض لها العمال لا تتوقف عند العمالة الوافدة، إذ كثيرا ما تشمل العمالة المحلية، لكن ضعف العامل الوافد لجهة العصبية، وربما الأوضاع غير القانونية أحيانا، فضلا عن القناعة السائدة بإمكانية التمييز ضده في بعض المحافل الرسمية (قد لا يكون ذلك صحيحا بالطبع، اللهم إلا إذا كان الخصم ذا باع طويلة)، كل ذلك ربما أدى إلى جرأة البعض على ظلمه من دون الخوف من التبعات.
في هذا السياق تصدمك قصص كثيرة حول استغلال يتعرض له بعض العمال الوافدين من أرباب العمل، سواءً أكانوا مشغلين دائمين، أم من صنف المشغلين العابرين، كأن يستخدم أحدهم عاملا ليوم واحد أو لورشة واحدة (بخاصة في قطاع البناء).
مرة أخرى نقول إن ذلك كله لا يشكل الجزء الأكبر من التعاطي مع العمال الوافدين، لكن وجوده يستدعي الحديث عنه وإدانته من قبل الشرفاء، وعدم التسامح معه من قبل الأجهزة الرسمية، ليس فقط إحقاقا للحق وتكريسا لمبدأ العدالة، إنما من أجل القيم الدينية والاجتماعية التي نؤمن بها، والتي تتطلب إنصاف المظلوم أيا تكن هويته.
ثمة فرق بين تنظيم العمالة الوافدة عبر القوانين، وبين استغلالها بطرق غير أخلاقية، لاسيما أن كثيرا من تلك العمالة ما زال يقوم بأعمال يعزف عنها الأردنيون، مع أن كثيرا منها ذات دخل جيد إذا ما قورن بالجهد المبذول فيها.
حدثني صديق عن قصة عابرة لعامل مصري يعمل في حقل “التبليط”، اتفق معه على تنفيذ ورشة معينة، وعندما تم قياس مساحة التبليط من أجل الدفع قام صاحبنا بإعطائه ما طلبه إضافة إلى مبلغ ليس كبير أصيب العامل بالذهول لأنها -كما قال- المرة الأولى التي يحدث معه ذلك، في حين تكون النتيجة عكس ذلك تماما، إذ يجري الخصم من الأجر بدل زيادته.
ربما بالغ العامل في قوله بهدف الثناء على صاحبنا، لكن القصة تعكس مشكلة أخلاقية تتكرر في بعض الأحيان مع عمال أردنيين، وهو ما يشير من جانب آخر إلى نظرة دونية للأعمال الحرفية في الوعي الشعبي، وكثيرا ما شاهدت شخصيا جدالا في الكراجات على أجرة ميكانيكي تنطوي على استخفاف بالجهد الذي قدمه الأخير، حيث تتكرر عبارة “ولو هذي كشفية دكتور”، لكأن الميكانيكي لا يقدم جهدا يستحق عليه الأجر، مع أن الحرفيين في الدول الأوروبية (المحترفون منهم) يحظون بدخل يتفوق أحيانا على أساتذة الجامعات.
مرة أخرى نقول إننا نتحدث عن ظاهرة ليست عامة، إذ يتمتع العمال الوافدون بالإكرام في كثير من الأحيان، في حين يخضع وضعهم لمنطق العرض والطلب في السوق، لكننا نتحدث عن مظالم لا تزال موجودة هنا وهناك ينبغي التصدي لها، ليس عبر الأطر القانونية فقط، إنما من خلال الإعلام وأهل الفكر والرأي في المساجد ومحافل الفكر.
مثلما نطالب بإنصاف أبنائنا الذين يعملون في الدول الأخرى، وندين ما يتعرض له بعضهم من ظلم، فإن من واجبنا ألا نكيل بمكيالين، ونرفض أن يتعرض أي عامل وافد للظلم بين ظهرانينا. هذا ما يعلمنا إياه ديننا العظيم.
الدستور
لا يعني ذلك أن الظاهرة قد أخذت في التصاعد خلال المرحلة الأخيرة، إذ أنها موجودة منذ ظهور العمالة الوافدة قبل ثلاثة عقود تقريبا، لكن توافر منابر للتعبير وجرأة الناس بعد الربيع العربي هما ما شجع البعض على الجأر بالشكوى أكثر من ذي قبل.
لا تختلف هذه الحكايات عن أخرى مشابهة يتعرض لها العمال الوافدون في دول الخليج التي تتميز بالعدد الهائل من تلك العمالة، لاسيما أن نظام الكفالة المعمول به يمنح صاحب العمل أو “الكفيل” فرصة التحكم بالعامل على نحو يقترب ويتنافى في بعض تجلياته مع حقوق الإنسان.
والحال أن المظالم التي يتعرض لها العمال لا تتوقف عند العمالة الوافدة، إذ كثيرا ما تشمل العمالة المحلية، لكن ضعف العامل الوافد لجهة العصبية، وربما الأوضاع غير القانونية أحيانا، فضلا عن القناعة السائدة بإمكانية التمييز ضده في بعض المحافل الرسمية (قد لا يكون ذلك صحيحا بالطبع، اللهم إلا إذا كان الخصم ذا باع طويلة)، كل ذلك ربما أدى إلى جرأة البعض على ظلمه من دون الخوف من التبعات.
في هذا السياق تصدمك قصص كثيرة حول استغلال يتعرض له بعض العمال الوافدين من أرباب العمل، سواءً أكانوا مشغلين دائمين، أم من صنف المشغلين العابرين، كأن يستخدم أحدهم عاملا ليوم واحد أو لورشة واحدة (بخاصة في قطاع البناء).
مرة أخرى نقول إن ذلك كله لا يشكل الجزء الأكبر من التعاطي مع العمال الوافدين، لكن وجوده يستدعي الحديث عنه وإدانته من قبل الشرفاء، وعدم التسامح معه من قبل الأجهزة الرسمية، ليس فقط إحقاقا للحق وتكريسا لمبدأ العدالة، إنما من أجل القيم الدينية والاجتماعية التي نؤمن بها، والتي تتطلب إنصاف المظلوم أيا تكن هويته.
ثمة فرق بين تنظيم العمالة الوافدة عبر القوانين، وبين استغلالها بطرق غير أخلاقية، لاسيما أن كثيرا من تلك العمالة ما زال يقوم بأعمال يعزف عنها الأردنيون، مع أن كثيرا منها ذات دخل جيد إذا ما قورن بالجهد المبذول فيها.
حدثني صديق عن قصة عابرة لعامل مصري يعمل في حقل “التبليط”، اتفق معه على تنفيذ ورشة معينة، وعندما تم قياس مساحة التبليط من أجل الدفع قام صاحبنا بإعطائه ما طلبه إضافة إلى مبلغ ليس كبير أصيب العامل بالذهول لأنها -كما قال- المرة الأولى التي يحدث معه ذلك، في حين تكون النتيجة عكس ذلك تماما، إذ يجري الخصم من الأجر بدل زيادته.
ربما بالغ العامل في قوله بهدف الثناء على صاحبنا، لكن القصة تعكس مشكلة أخلاقية تتكرر في بعض الأحيان مع عمال أردنيين، وهو ما يشير من جانب آخر إلى نظرة دونية للأعمال الحرفية في الوعي الشعبي، وكثيرا ما شاهدت شخصيا جدالا في الكراجات على أجرة ميكانيكي تنطوي على استخفاف بالجهد الذي قدمه الأخير، حيث تتكرر عبارة “ولو هذي كشفية دكتور”، لكأن الميكانيكي لا يقدم جهدا يستحق عليه الأجر، مع أن الحرفيين في الدول الأوروبية (المحترفون منهم) يحظون بدخل يتفوق أحيانا على أساتذة الجامعات.
مرة أخرى نقول إننا نتحدث عن ظاهرة ليست عامة، إذ يتمتع العمال الوافدون بالإكرام في كثير من الأحيان، في حين يخضع وضعهم لمنطق العرض والطلب في السوق، لكننا نتحدث عن مظالم لا تزال موجودة هنا وهناك ينبغي التصدي لها، ليس عبر الأطر القانونية فقط، إنما من خلال الإعلام وأهل الفكر والرأي في المساجد ومحافل الفكر.
مثلما نطالب بإنصاف أبنائنا الذين يعملون في الدول الأخرى، وندين ما يتعرض له بعضهم من ظلم، فإن من واجبنا ألا نكيل بمكيالين، ونرفض أن يتعرض أي عامل وافد للظلم بين ظهرانينا. هذا ما يعلمنا إياه ديننا العظيم.
الدستور