الجريمة والاعتذار والرد
ياسر الزعاترة
جو 24 : مساء أول أمس الثلاثاء أصدر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بيانا جاء فيه إن “إسرائيل تعبّر عن أسفها” لموت رائد زعيتر، “وتعبّر عن تعازيها للشعب الأردني والحكومة الأردنية”.
لا أحقر من الاعتذار سوى التبرير الذي ساقه الصهاينة لقتل القاضي رائد زعيتر، بالقول إنه حاول خنق أحد الجنود واختطاف سلاحه، ولا يُعرف كيف لأعزل لا يملك شيئا أن يقتل جنديا مدربا، وهل كان على زملائه أن يردوا بالرصاص، أو بفك الاشتباك، وربما الرد بضرب “المعتدي”؟!
إنها ببساطة حكاية الاستخفاف بالدم الفلسطيني والأردني والعربي، فهو لا يستحق عناء فك اشتباك، ولا عراك، فالرصاص هو الوسيلة الأسهل للتعامل معه، حتى لو كان يدافع باللسان عن كرامة مهدورة في طوابير الذل على المعابر وأمام الحواجز الصهيونية.
وإذا كان لإسحق مولخو (مبعوث نتنياهو الدائم في كل الاتجاهات، بما فيها مفاوضات لندن السرية، ومفاوضات مدينة عربية مع بديل محتمل لعباس، وغير ذلك من المهمات)، إذا كان له أن يعتذر عن قتل القاضي زعيتر، فهل جاء مثلا على ذكر العدوان الصهيوني اليومي على المسجد الأقصى، والتلويح بإنهاء الوصاية الأردنية عليه؟ هل وعد مفاوضيه الأردنيين بوقف تلك الاعتداءات، بينما يعلم الجميع أن أحدها كان يتحرك على الأرض، بينما كان هو يقدم الاعتذار في عمان؟!
ليس ذلك من قبيل المبالغة، ففي حين كان مولخو في عمان يقدم الاعتذار، كان عشرات من المتطرفين يقتحمون المسجد الأقصى بحماية رجال الشرطة، ولا يتورعون عن فعل ما يريدون، بينما يشتبك رجال الأمن مع المرابطين في المسجد.
هل وعد مولخو بوقف تلك الاعتداءات، ومعها عمليات التهويد المتسارعة للمسجد ولمحيطه كاملا؟ كلا دون شك، فالهيكل يجب أن يبنى، والقدس وما يعرف بمربعها المقدس ليست محل مساومة عند الصهاينة، لكن ذلك لا يغير في أبجديات التعامل الأردني ولا حتى الفلسطيني الرسمي والعرب معهم، وها هو مسؤولهم يشيد بالعلاقات المتينة بين البلدين والتعاون الأمني، وأنه لن يتأثر بما جرى.
لا نعرف إلى أين تمضي الردود الرسمية على الجريمة، وهل يمكن للرسمي أن ينسجم مع الغضب الشعبي، فضلا عن النيابي حيال الجريمة البشعة، والتي تتكرر يوميا في الأراضي الفلسطينية المحتلة (استشهد ستة خلال اليومين الماضيين)، لكننا نسأل سؤالا بسيطا هو: إذا كان دم الشهيد رائد زعيتر الذي قتل بدم بارد من قبل جنود نتنياهو قد كلف اعتذارا بسيطا كالذي جرى تقديمه، فلماذا لا يصار إلى تقديم اعتذار مماثل عن مقتل الفتيات الإسرائيليات في الباقورة برصاص الجندي أحمد الدقامسة، ومن ثم الإفراج عن الرجل الذي مضى عليه في السجن 17 عاما؟!
اعتذار مقابل اعتذار، مع أن الأسباب التي دفعت الدقامسة إلى إطلاق الرصاص كانت أكثر استفزازا بكثير من الفعل المفترض للقاضي زعيتر على معبر الكرامة. إنه السؤال الذي يطرحه كل أردني، وقد آن الأوان لإطلاق الدقامسة، من دون أن يكون ذلك ردا كافيا على الصلف الصهيوني، وفي مقدمته الاعتداء على المقدسات في القدس، فضلا عن كل المفردات الأخرى، ومن ضمنها المعاملة المهينة على المعابر، ولن نضيف إلى ذلك ما يجري في الضفة وغزة، فربما قيل إن الرد على ذلك ليس من مهمات الأردن، وربما حتى العرب في زمن الشرذمة البائس الراهن، مع أن كل ما يجري حيال القضية، وفي المقدمة التسويات المقترحة إنما يهدد الأردن على نحو لا يقل عن تهديد القضية كلها بالتصفية، حتى لو أعلن عن التمسك بالثوابت، تلك الكلمة التي ابتذلت على ألسنة أقوام لا يتورعون عن تسمية التعاون مع العدو واعتقال الشرفاء، بأنه مجرد “تنسيق أمني”!!
(الدستور)
لا أحقر من الاعتذار سوى التبرير الذي ساقه الصهاينة لقتل القاضي رائد زعيتر، بالقول إنه حاول خنق أحد الجنود واختطاف سلاحه، ولا يُعرف كيف لأعزل لا يملك شيئا أن يقتل جنديا مدربا، وهل كان على زملائه أن يردوا بالرصاص، أو بفك الاشتباك، وربما الرد بضرب “المعتدي”؟!
إنها ببساطة حكاية الاستخفاف بالدم الفلسطيني والأردني والعربي، فهو لا يستحق عناء فك اشتباك، ولا عراك، فالرصاص هو الوسيلة الأسهل للتعامل معه، حتى لو كان يدافع باللسان عن كرامة مهدورة في طوابير الذل على المعابر وأمام الحواجز الصهيونية.
وإذا كان لإسحق مولخو (مبعوث نتنياهو الدائم في كل الاتجاهات، بما فيها مفاوضات لندن السرية، ومفاوضات مدينة عربية مع بديل محتمل لعباس، وغير ذلك من المهمات)، إذا كان له أن يعتذر عن قتل القاضي زعيتر، فهل جاء مثلا على ذكر العدوان الصهيوني اليومي على المسجد الأقصى، والتلويح بإنهاء الوصاية الأردنية عليه؟ هل وعد مفاوضيه الأردنيين بوقف تلك الاعتداءات، بينما يعلم الجميع أن أحدها كان يتحرك على الأرض، بينما كان هو يقدم الاعتذار في عمان؟!
ليس ذلك من قبيل المبالغة، ففي حين كان مولخو في عمان يقدم الاعتذار، كان عشرات من المتطرفين يقتحمون المسجد الأقصى بحماية رجال الشرطة، ولا يتورعون عن فعل ما يريدون، بينما يشتبك رجال الأمن مع المرابطين في المسجد.
هل وعد مولخو بوقف تلك الاعتداءات، ومعها عمليات التهويد المتسارعة للمسجد ولمحيطه كاملا؟ كلا دون شك، فالهيكل يجب أن يبنى، والقدس وما يعرف بمربعها المقدس ليست محل مساومة عند الصهاينة، لكن ذلك لا يغير في أبجديات التعامل الأردني ولا حتى الفلسطيني الرسمي والعرب معهم، وها هو مسؤولهم يشيد بالعلاقات المتينة بين البلدين والتعاون الأمني، وأنه لن يتأثر بما جرى.
لا نعرف إلى أين تمضي الردود الرسمية على الجريمة، وهل يمكن للرسمي أن ينسجم مع الغضب الشعبي، فضلا عن النيابي حيال الجريمة البشعة، والتي تتكرر يوميا في الأراضي الفلسطينية المحتلة (استشهد ستة خلال اليومين الماضيين)، لكننا نسأل سؤالا بسيطا هو: إذا كان دم الشهيد رائد زعيتر الذي قتل بدم بارد من قبل جنود نتنياهو قد كلف اعتذارا بسيطا كالذي جرى تقديمه، فلماذا لا يصار إلى تقديم اعتذار مماثل عن مقتل الفتيات الإسرائيليات في الباقورة برصاص الجندي أحمد الدقامسة، ومن ثم الإفراج عن الرجل الذي مضى عليه في السجن 17 عاما؟!
اعتذار مقابل اعتذار، مع أن الأسباب التي دفعت الدقامسة إلى إطلاق الرصاص كانت أكثر استفزازا بكثير من الفعل المفترض للقاضي زعيتر على معبر الكرامة. إنه السؤال الذي يطرحه كل أردني، وقد آن الأوان لإطلاق الدقامسة، من دون أن يكون ذلك ردا كافيا على الصلف الصهيوني، وفي مقدمته الاعتداء على المقدسات في القدس، فضلا عن كل المفردات الأخرى، ومن ضمنها المعاملة المهينة على المعابر، ولن نضيف إلى ذلك ما يجري في الضفة وغزة، فربما قيل إن الرد على ذلك ليس من مهمات الأردن، وربما حتى العرب في زمن الشرذمة البائس الراهن، مع أن كل ما يجري حيال القضية، وفي المقدمة التسويات المقترحة إنما يهدد الأردن على نحو لا يقل عن تهديد القضية كلها بالتصفية، حتى لو أعلن عن التمسك بالثوابت، تلك الكلمة التي ابتذلت على ألسنة أقوام لا يتورعون عن تسمية التعاون مع العدو واعتقال الشرفاء، بأنه مجرد “تنسيق أمني”!!
(الدستور)