رؤية سياسية للإصلاح الشامل
أحدثت انتفاضة الفقراء والمهمشين والمسحوقين والمستغَلين والمقهورين ومسلوبي الإرادة على امتداد الساحة العربية انعطافا تاريخيا في الوطن العربي، وأدخلت المنطقة في مرحلة جديدة سمتها الأساسية الانتقال من الحكم الشمولي الدكتاتوري المطلق . حكم الفرد والعائلة او الحزب الواحد وأجهزته وعصابات الحكم ومافياته إلى حالة انتقالية سمتها السعي لبناء حكم ديمقراطي والتطلع إلى الانتقال لبناء المجتمع المدني وحكم القانون ودولة المؤسسات وفصل السلطات وحمايتها ،أما المظاهر التي تتسم بهاهذه المرحلة الانتقالية ، فالجماعات والافراد التي استغلت السلطة واستولت على ثروات البلاد وخيراتها بطرق غير مشروعة، لم ولن تستسلم بسهولة، وهي تمارس أساليب مختلفة لإعادة حركة التاريخ إلى الوراء. صحيح إن حركة التاريختسير على شكل حلزوني إلا إنها صاعدة.
وفي الأردن يواصل شعبنا نضاله كبقية الشعوبالعربية ضد الفساد والاستبداد. وقد اسقط ثلاث حكومات على مدى عام ونصف . وحقق بعض المنجزات،لكنها لم ترق للمستوى المطلوب، فعلى الرغم من مرور أكثر من عام على الحراك الشعبي إلاأن الإجراءات الإصلاحية (الترقيعات الدستورية) التي تمت لا تشكل أساسا لإخراج البلادمن أزماتها ولا ترقى إلى مستوى طموح الشعبالأردني.فالنهج السياسي القائم على اغتصاب السلطة ومصادرة الحريات العامة وتزوير إرادةالشعب، واستشراء مظاهر الفساد والاستيلاء على المال العام، والتفريط بمؤسسات الدولة،وخرقالأنظمة والقوانين والدستور وتمرير صفقات الخصخصة المشبوهة، والتنازل عن مقدرات الشعب وثرواته، وتشويه البنية الهيكلية للاقتصاد ما أدّى لتدميره، والتوزيع غير العادل للثروة الوطنية،وفرضسياسات السوق المنفلتة، التي استهدفت الفقراء والمستضعفين وحرمتهم من لقمة العيش،ودفعتعدد من الأردنيين التضحية بحياتهم احتجاجا على القهر والتجويع. إن السلطة في الأردنحكراً على فئة محدودة من وكلاء الشركات الأجنبية والفئات الطفيلية والبيروقراطية-رجال"البزنس - الذين عاثوا في الأرض فسادا، وسخّروا مؤسسات الدولة لمصالحهم وأدخلواالبلاد في أزمة عميقة وحادة عرضَت الدولة والمجتمع لأفضح المخاطر. إن القائمينعلى هذا النهج والمسؤولين عن نتائجه جميعاغير مؤهلين أو معنيين لتحقيق أية إصلاحات دستورية أو سياسية.
وما المظاهر السلبية مثل اتساع ظاهرة العنف المجتمعي بأشكاله المتعددة وتدنيسوية العمل العام والابتعاد عن العمل السياسي وغيرها ماهي إلا تأكيد على عمق الأزمة الأجتماعية والأقتصادية. ولا نقول فشلتالسياسات الرسمية في احتواء ومعالجة هذه المظاهر بل عملت على تغذيتها. إن تغول الأجهزة الأمنية على الدولة وتسلطها على كافة مفاصل الحياة السياسيةوالاقتصادية والاجتماعية، أدّى الى الغاء دور مؤسسات الدولة بحيث اختزلت بالأجهزة والعصابات التابعة لها. كذلك، فإن ممارسات الأجهزة وعصابات الحكم واختفائها وراء العشائرية والجهوية لإجهاض الحراك الشعبي،شكل من أشكال إفساد الحياة العامة وتخريب المجتمع وتفتيت البنيان الاجتماعي.
فالحراك الشعبي ليس هدفا بحد ذاته بل وسيلة لتحقيق أهداف نبيلة في مقدمتها الحرية والديمقراطية والتنمية الاقتصادية ومحاربة الفساد،وتحقيق العدالة الاجتماعية. ولن تتحقق هذه الأهداف إلا بإصلاحات دستورية وسياسية جذرية،تؤسس لبناء الدولة المدنية وسيادة حكم القانونوفصل حقيقي للسلطات وعودة الأمور إلى نصابها الطبيعي بحيث يكون الشعب مصدر السلطات والرقيب عليها وصولا
لحكومة برلمانية منتحبة بشكل ديمقراطي تتولىانجاز المهام السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إن إصلاح النظام يتطلب عقد مؤتمر وطني شامل على مستوى البلاد ويبدأ بمؤتمرات على مستوى المحافظات أو الأقاليم وصولا إلى المؤتمر الوطني العام الذي ستكون مهامه صياغة ووضع دستور وآلياتللعمل على:
- اجتثاث الفساد ومحاسبة الفاسدين دون استثناء
- استرداد ثروات الوطن المنهوبة..
- عودة السلطة إلى أصحابها الشرعيين"الشعـــــب مصـــدر السلطـــات"
- وضع دستور إنساني مدني ينتقل بنا إلى القرن الواحد والعشرين لا أن نبقى أسرى القرون الوسطى .. ووضع الضوابط لاحترامه والالتزامبه وعدم التعدّي عليه ويقوم هذا الدستور على:
- تعزيز مبدأ المواطنة لا الرعية
- الشعب مصدر السلطات.. جميع السلطات..التشريعية والتنفيذية والقضائية
- فصل السلطات فصلا حقيقيا وتكريس استقلالالقضاء
-تكريسة تداول السلطة الحقيقي ووضع ضوابطومقيدات لعدم التفرّد بالسلطة
-إنشاء محكمة دستورية مستقلة
-إنشاء هيئة مستقلة منتخبة - مفوضية عليا للانتخابات
- تكريس حقوق الإنسان وحمايتها كما تنصّعليها الشرائع الإنسانية والدولية
- تكريس الحقوق الإنسانية الأساسية: العملوالصحة والتعليمالحق في العيش
-تكريس الحريات العامة وعلى رأسها حرّيةالتعبيروالصحافة والتنظيم
-تكريس مفهوم الخدمة العامة للولاية العامةوإدارة شؤون المواطنين
وليس حكمهم والتحكم بمصائرهم وقهرهم
- يكفل مبدأ الرقابة والمحاسبة الشعبيـــةوعلى كافة المستويات ووضع الآليات المناسبة لذلك
- تحديد مهام وصلاحيات الأجهزة ووضعها فيخدمـــة الشعب لا حكمــه
- حــل البوليـس السياسـي وإلغاء دوره تماما
- حـل ما يسمّى "أجهزة مكافحة الشغب"-الدرك وإلحاقة بالجيش، لأن أســــاس وجــــوده فرضيـــــة منافــــية
لحقوق المواطنـــــة وحقوق الإنسان حيثيُنظر إلى الشعب كمجاميع من المشاغبين والعاصين والخارجين عن "القانون" -قانون السادة والعبيد- والقطيع غير المنضبط والذيبحاجة لعصا الراعي!
القضاياالوطنية والقومية
إحياء المشروع العربي النهضوي الحضاري،باعتباره النقيض للمشروع التوسعي الصهيوني الاستعماري،وربط المشروع العربي بمبادئ الحريةوالديمقراطية والعدالة الاجتماعية، والسعي لتحقيق تطلعات الأمة في الوحدة العربية علىأسس ديمقراطية، ويعتبر التكامل الاقتصادي العربي مدخلا مناسبا لتحقيق الأهداف القومية،في إطار تقدمي جامع، يعترف بكافة خصائص الوطن العربي الدينية والقومية المتنوعة. وتزدادأهمية المشروع العربي في عصر العولمة الرأسمالية وتفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية،والتي أدت إلى تبخر معظم الفوائض المالية العربية المودعة في البنوك الغربية أو المستثمرةفي البلدان الرأسمالية، فالاستثمار في الوطن العربي في مجالات التنمية الاقتصادية أكثرأمانا واستقرارا. ويشكل مقدمة ضرورية لبناء القاعدة الاقتصادية للوطن العربي.
يشكل الحراك الشعبي الديمقراطي رافعة نضاليةلتجسيد مبادئ الحرية والديمقراطية والتصدي للنفوذ الأجنبي والأطماع الاستعمارية وحمايةالاستقلال الوطني والتصدي بحزم لكافة المشاريع الصهيونية التوسعية للهيمنة على المنطقة،ورفض كافة أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني،وإلغاء اتفاق وادي عربة وطرد السفير الصهيونيمن عمان، والنضال من اجل استعادة كافة الأراضي الأردنية وانتزاع حقوقنا المائية منقبل المحتلين الصهاينة، ومواجهة كافة المشاريع التصفوية ومحاولات إنشاء الوطن البديل.والنضال من اجل تأمين الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني بإقامة دولته الوطنيةالمستقلة وعاصمتها القدس، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين. باعتبارها مهام وطنيةوقومية، ينبغي حشد الطاقات العربية من اجل تحقيقها،ونحن على ثقة بأن قوة الأردن ومنعته تصب في مصلحة الشعب الفلسطيني في تحقيق أهدافه الوطنية، كما أن صمود الشعب الفلسطينيوتصديه للاحتلال الصهيوني يشكل دعما للأردني ينفي الحفاظ على وطنهم وسيادته الوطنية.
وفي الختام هذه الورقة ليس إلا مدخلا للحوارمن اجل الوصول إلى رؤية سياسية لبناء حزب سياسييهم في بناء دولة مدنية ديمقراطية تؤمن بتحقيق .
التعددية السياسية والتنمية الاقتصاديةوالعدالة الاجتماعيــــة
ثانيا: مطالب الحراك الشعبي
1-اصلاحات دستورية تتمثل بوضع دستور جديديقوم على مبدأ الشعب مصدر السلطات .
2ـ إصدار قانون انتخاب ديمقراطي يسهم فيتطوير الحياة السياسية في البلاد، ويعتمد على التمثيل النسبي سكانيأ وجغرافيأ . وإجراءانتخابات مبكرة حرة ونزيهة. بعد إصدار قانون وإنشاء الهيئة المستقلة المنتخبة لإدارةالانتخابات والإشراف عليها .
3ـ فصل السلطات الثلاث. وإلغاء التشريعاتذات الطابع العرفي، والمقيدة للحريات العامة والمجحفة بحق المواطنين .
4ـ مكافحة الفساد السياسي والمالي والإداريبكافة أشكاله ووضع حد للعبث بالمال العام، وتقديم الفاسدين إلى القضاء وتعزيز سيادةالقانون.
5ـ وقف تدخل الأجهزة الأمنية في الحياةالسياسية في البلاد، والتزامها بالمهام الموكلة أليها.
6ـ وقف التدخل في وسائل الإعلام، وتأكيدانتمائها للوطن وليس للحكومات، وإفساح المجال أما مكافة التيارات السياسية في التعبيرعن آراءها ، وإلغاء كافة المواد المقيدة لحرية الرأي والتعبير في قانون المطبوعات وعلىسبيل المثال المادة رقم 23 سيئة الصيت من قانون المطبوعات .
7ـ إصدار قانون أحزاب يضمن حق أي مجموعةبالتعبير عن رأيها والإعلان عن نفسها كحزب سياسي بغضالنظر عن عددها، شريطة أن تكونأهدافها مشروعة ووسائلها سلمية، وحصر إجراءات إعلان الحزب رسميا بتسليم نسخة من ميثاقهاللجهات المعنية.
8- الاهتمام بقضايا الشباب بدعم وتطويرالمؤسسات الثقافية والرياضية، وتحديث المناهج التعليمية كي تسهم بتعميق الحياة الديمقراطيةوالقيم الإنسانية والثقافة الوطنية وتطوير البحث العلمي وتحقيق التنمية الاقتصاديةبالاستفادة من احدث المنجزات العلمية، وتوفير فرص التعليم للجميع.
9– زيادة مشاركة المرأة في العمل الوطنيوالسياسي، وتفعيل دورها في الحياة العامة، ومحاربة التمييز،وتعميق الثقافة الإنسانيةالتي تنصف المرأة، وإعادة النظر بقانون الأحوال الشخصية بما يضمن حقوق متساوية للمرأة.
ثالثا: المطالب الاقتصادية والاجتماعية
1ـ إطلاق كافة الإمكانيات لبناء اقتصادوطني متطور تشارك فيه كافة القطاعات - العام والخاص والتعاوني والمختلط – لتحقيق تنميةاقتصادية لإنشاء صناعات إنتاجية مستفيدين من الثروات المحلية لتصويب الاختلالات الهيكليةفي الاقتصاد الوطني، وتوفير كافة الحوافز لتشجيع المستثمرين، مع الاحتفاظ بملكية الثرواتالوطنية باسم الدولة، وإعادة النظر بالصفقات الاقتصادية المشبوهة وغير الدستورية والمتعلقةبالخصخصة التي أبرمتها الحكومات السابقة.
2- دمج الوحدات الحكومية الخاصة- وهي62 مؤسسة وهيئة وشركة حكومية، علما أن موازنتها مستقلة وتقدر بحوالي 1800مليون ديناروبعجز قدرة 937 مليون دينار يمول العجز بقروض مكفولة من الحكومة - وتم إنشاء قسم كبيرمن هذه المؤسسات في العقد الأخير، ومعظمها لا يخضع لضوابط إدارية ومالية عامة وتعتبرمن أهم منابع الفساد، وتشكل عبئا ثقيلا على الخزينة.
3– إعادة هيكلة الموازنة العامة للدولةبإعطاء الأولوية في الإنفاق العام لقطاعات الصحة والتعليم والعمل، وتخفيض نفقات الجهازالعسكري وإخضاعها للرقابة، وتوجيه النفقات الرأسمالية نحو المشاريع التنموية الاستثمارية،وضبط الإنفاق ووقف الهدر بالمال العام، وتحقيق إصلاح ضريبي والعودة للسياسة الضريبيةالتصاعدية، بما يضمن زيادة مساهمة القطاع المصرفي وشركات الاتصالات وكبار التجار فيإيرادات الخزينة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، واستخدام السياسة الضريبية كأداة لتوجيهالاستثمار نحو القطاعات الإنتاجية.
3- معالجة قضايا الفقر والبطالة، والتصديلموجات الغلاء، وإعادة النظر في سياسة تحرير الأسعار، وربط الأجور بالأسعار، وتحقيقمبدأ الآجر المتساوي للعمل المتساوي بين المرأة والرجل، وإصدار قانون عمل ديمقراطييضمن حقوق العمال والمستخدمين بالعمل ويكفل حرية التنظيم النقابي، والعودة عن بعض التعديلاتالمجحفة في قانون الضمان الاجتماعي وشمول كافة المواطنين بالتأمين الصحي .
وأخيرأ أننا بالحراك الشعبي الأردني نؤكدعلى سلمية وأستمرار الحراك حتى تحيقي مطالب الشعب الأردني ....
عاش الأردن حرأ أبيأ