بين "لاءات الخرطوم" و 22 "نعم" في المبادرة العربية.. ما زال للقضية بقية

جو 24 : كتب: عمر المحارمة - سبعون بالمئة من مشروع قرارات القمة العربية في الكويت وبيانها الختامي يتحدث عن القضية الفلسطينية وهو أمر درج العرب عليه منذ مؤتمر أنشاص عام 1946، حيث واكبت القمة انحناءات وتعرجات القضية الفلسطينية التي شغلت الرؤساء العرب سبعين عاما.

اطنان من الورق وجالونات من الحبر صيغت فيها القرارات التي تتحدث عن فلسطين دون ان يوازي هذا الحجم وزنا سياسيا يلائم خطورة هذه القضية وتأثيراتها على مجمل الدول العربية من محيطها الى خليجها.

في قمتهم الأولى أصدر الملوك والرؤساء العرب قرارهم الشهير باعتبار «قضية فلسطين قلب القضايا القومية»، لا بل أضحت هذه القضية محور تكتيكات واصطفافات عنوانها القضية المركزية وباطنها مصالح قطرية.

ومنذ ذلك التاريخ لم يخل مؤتمر قمة عربي من قرار وأكثر حول القضية الفلسطينية، ولكن هنالك بين تلك المؤتمرات ما شهد قرارات محورية حول «قضية العرب» الأولى كما دأب العرب على وصف القضية الفلسطينية، وبخاصة بعد حرب حزيران 1967 التي انتهت باحتلال إسرائيل لكل الأرض الفلسطينية، وأراضي دول عربية أخرى.

غداة هزيمة 1967، عقد مؤتمر الخرطوم، أهم المؤتمرات المفصلية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي،الذي اشتهر بقراراته التاريخية: «لا صلح، لا مفاوضات، لا اعتراف»، فأصبح يعرف في الذاكرة الشعبية العربية باسم مؤتمر «اللاءات الثلاثة».

القمة المحورية التالية بعد الخرطوم، كانت في القاهرة 1970، بهدف وضع حد للصدام العسكري بين فصائل فلسطينية مسلحة والجيش الأردني، وانتهت بمصالحة بين الراحلين الملك الحسين وياسر عرفات.

رحيل عبد الناصر

لكن تلك القمة أبت إلا أن تكون محورية بامتياز، إذ انتهت برحيل عرَابها جمال عبد الناصر الذي سقط تحت تأثير الإجهاد والمرض، ما فتح الباب لمرحلة جديدة في السياسة المصرية ودورها القيادي عربياً.مؤتمر الجزائر عام 1973 بعد حرب تشرين الأول (أكتوبر) من العام نفسه شكل علامة فارقة، اذ جاء بعد انتصار عسكري، ما زال محل جدل تاريخي، لمصر وسوريا على إسرائيل.كما جاءت قراراته لتمثل تراجعاً جزئياً عن اللاءات الشهيرة، إذ قرر وضع شرطين للسلام مع إسرائيل: «انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة وفي مقدمتها القدس، واستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه الوطنية الثابتة».

وفي خطوة تسجل ما يشبه التراجع عن سياسة «السلام من موقع القوة» الساداتية، التي طبعت قمة الجزائر، انعقد مؤتمر الرباط عام 1974 الذي شهد حضوراً عربياً كاملاً، كما شهد انضمام الصومال إلى جامعة الدول العربية، ذلك المؤتمر دعا إلى «تحرير الأراضي العربية المحتلة في حزيران1967 بالكامل، وتحرير مدينة القدس، وعدم التنازل عن ذلك». وقرر «اعتماد منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني». امتداداً لقرارات مؤتمر الجزائر.

قمم بالجملة

وتلا ذلك مؤتمران عام 1976: الأول في الرياض والثاني في القاهرة بعد ذلك بعشرة أيام. وكان محور القمتين بحث تداعيات الحرب الأهلية اللبنانية. ونصت القمة الثانية على «التعهد المتبادل بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد عربي».
الحرب الأهلية اللبنانية والقرار العربي، غير المسبوق، بعدم التدخل في الشؤون الداخلية منحا سوريا غطاء عربياً لدخول لبنان باسم «قوات الردع العربية» بعد سنة من اندلاع الحرب الأهلية.

قمة بلا مصر

عام 1978 استضافت بغداد مؤتمراً طارئاً، وذلك إثر انفراد السادات بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل في العام ذاته.

قرارات بغداد صدرت بحضور عشر دول فقط، وانتهت دون صدور بيان ختامي، ما يشير إلى عدم توافق كل العرب على ما جاء فيها. ومن بين تلك القرارات: تعليق عضوية مصر في الجامعة العربية، ونقل مقر الجامعة إلى تونس، ومقاطعة الأفراد والشركات المتعاملين مع إسرائيل في مصر، والتمييز بين الحكومة المصرية والشعب المصري، وهي أبرز قرارات تلك القمة.وكان المؤتمرون في بغداد قرروا منح السادات فرصة لحضور المؤتمر، فأرسلوا وفدا لدعوته برئاسة رئيس الوزراء اللبناني آنذاك سليم الحص الذي حمل إليه عرضاً مالياً قيمته 50 مليار دولار على مدى خمس سنوات، بحسب حامد الجبوري، مدير مكتب الرئيس العراقي صدام حسين آنذاك، مقابل حضور المؤتمر والتراجع عن اتفاق كامب ديفيد. ولكن السادات طرد الوفد من مطار القاهرة. وفي خطاب لاحق علق السادات على العرض بقوله إن الرؤساء العرب الذين وصفهم بـ»الأقزام» يريدون أن يشتروا مصر بعشرة مليارات دولار».

بعد ذلك راوحت مؤتمرات القمة العربية بين الدعوة إلى نبذ الخلافات، وتأكيد عزمها على إسقاط «كامب ديفيد»، وإدانة «العدوان الإيراني على العراق»، حتى أتى مؤتمر فاس 1982 الذي عقد بعد اجتياح الجيش الإسرائيلي لبيروت وإخراج المقاومة الفلسطينية منها.

تميز ذلك المؤتمر بما عرف بـ»مبادرة الحسن الثاني» أو ما وصف بـ»السلام من موقع الضعف» من قبل كثيرين آنذاك، إذ طرحت القمة مبادرة تحت عنوان: مشروع السلام العربي مع إسرائيل. وتضمن المشروع: «الدعوة لانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي المحتلة1967، وإزالة المستوطنات في الأراضي التي احتلت بعد 67، وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وتأكيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وتعويض من لا يرغب بالعودة».

وفي خطوة مهدت لعودة مصر للصف العربي، الذي تخلى عن لاءاته، جاء انعقاد مؤتمر القمة في عمان 1987 لينصَ على أن «العلاقات الدبلوماسية بين أي عضو في الجامعة العربية وبين مصر عمل من أعمال السيادة تقررها كل دولة بموجب دستورها،» ما سمح لمصر أن تستعيد عضويتها في الجامعة، وهو ما تم رسمياً في قمة الدار البيضاء 1989. وكان الراحل الملك الحسين بن طلال زار القاهرة عام 1984 كاسراً جليد العلاقات العربية ما مهد الطريق لعودة مصر للصف العربي.

وتعود المؤتمرات للمراوحة من جديد بين تأييد وشجب واستنكار وتضامن حتى انعقاد قمة بيروت عام 2002، ففي تلك القمة طرحت المملكة العربية السعودية «المبادرة العربية للسلام»، التي نصت لأول مرة على أن «السلام هو خيار استراتيجي عربي».

قرار طرح «المبادرة العربية للسلام» حظي بإجماع عربي، ما يعني أن «لاءات» الخرطوم الثلاثة تحولت إلى اثنتين وعشرين «نعم»، بينما تشيح إسرائيل بوجهها عن لاءات العرب والنعم التي اصدروها بالجملة وتستمر بسياسة فرض الامر الواقع.

ومنذ طرح تلك المبادرة وتخلي العرب عن كل الخيارات الاخرى «المقاومة والمقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية» وحصر خيارهم في سلام بات واضحا ان اسرائيل لا تريده والعرب يراوحون مكانهم ويستنسخون قراراتهم قمة من بعد قمة.وجوه الزعماء العرب تغيرت أكثر من مرة بفعل دورة الحياة مرات وبفعل الربيع العربي في اخرى ولا زالت القرارات هي ذاتها، طال الحريق دولا عربية كثيرة وأهدر العرب رصاصا ومتفجرات على انفسهم اضعاف ما أهدروه في حروبهم مع اسرائيل لكنهم ما زالوا متمسكين بـ «خيار السلام». من بعد بيروت اجتمع العرب في تونس فالرياض ثم الدوحة ثم سرت الليبية ثم الى بغداد قبل ان يعودوا الى الدوحة مرة أخرى ومنها اليوم الى الكويت، وبقي حجم القضية الفلسطينية هو هو «سبعون بالمائة» من قراراتهم الورقية.


(الدستور)