رسائل حماس!
حلمي الأسمر
جو 24 : لا يساورني الشك، لا أنا ولا غيري، في قدرة إسرائيل العسكرية، ويدها «الطويلة» التي تستطيع أن تفعل ما تشاء، وقتما تشاء، ضاربة عرض الحائط وطوله، بكل قوانين الدنيا، وشرعة حقوق الإنسان والحيوان، ومع هذا، فقد شعرت بنشوة غريبة بالأمس وأنا أستمع لخطاب إسماعيل هنية في واحد من أضخم المهرجانات في تاريخ غزة، من حيث الحضور الجماهيري.
مبعث النشوة هنا ربما يكون نفسيا محضا، فهذا الرجل المحاصر (عربيا وإسرائيليا) من كل جانب، هو وشعبه، لا يجد أي مشكلة في تحدي الحصار، وبمنتهى الكبرياء والأنفة، والشعور بفيض من الوطنية التي قد يراها البعض زائدة، بالنسبة لي، أغبطه، هو من يعيشون الحصار في غزة، فهو –ربما- يكون الوحيد في العالم كله، الذي يستطيع أن يتكلم عن إسرائيل بمثل تلك اللغة المتحدية، علما بأنه يقف على مرمى نيرانها، هو ومئات الآلاف الذين زحفوا منذ الصباح الباكر لأخذ مقاعدهم في ساحة السرايا في غزة، ومع هذا لا يجد غضاضة ولا ضعفا في أن يرد على التهديدات الحمقى التي تحرض على «إعادة احتلال غزة» بما هو أهل لهذا التهديد، فرد عليه بتهديد آخر، ليس هو بالتأكيد القوة المادية المتكافئة، بل تهديد المؤمن بقضيته، المتفاني في خدمتها، مع ما تيسر له قوة، جرى تهريبا بعيدا عن عيون الأعداء والأشقاء على حد سواء!
مهما كان موقفك من حماس، لا تستطيع إلا أن تنظر إليها كواحدة من أنبل الظواهر في حياتنا العربية، فهي ومعها قلة قليلة من الفصائل، من تستطيع أن «تهدد» إسرائيل بالإيذاء الفعلي، وتجعل «أمنها» مكلفا جدا ماليا ونفسيا!
حماس بهذا المعنى، ورغم تحولها من «ثورة» إلى «شبه دولة» وسلطة وحكم وربما أيضا أجهزة قمع(!) تظل بقعة مضيئة في تاريخ النضال الفلسطيني بعيدا عن كل «الحمق» الذي يمارسه القريب والبعيد ضدها، سواء بالتآمر عليها بصورة مباشرة أو غير مباشرة، او بمحاولة خنقها ومحاصرتها والقضاء عليها، أو «شيطنتها» حماس أثبتت بمهرجان إحياء ذكرى الشهداء الرنتيسي والمقادمة وشيخ المجاهدين أحمد ياسين، أنها ليست فصيلا مقاوما فقط، بل تكاد تكون هي غزة، وهي نبض الشعب الفلسطيني وضميره الذي يأبى أن يموت، رغم كل ما تعرضت له، وما تتعرض له أيضا.
رسائل حماس التي بعثت بها بالأمس كثيرة، لفلسطين والعرب وإسرائيل، والعالم كله، ولن أتوقف عند هذه الرسائل، فقد وصلت أصحابها، لكن أهم ما قالته حماس بالأمس، أن من يريد تصفية حماس، عليه أن يصفي غزة كلها، وهذا هو المستحيل بعينه!
رسائل «نصية» أخرى، من نوع آخر بعثت بها كتائب القسام، الجناح العسكري للحركة ليلة السبت، وصلت إلى أعداد غير معروفة من الإسرائيليين، عبر هواتفهم الخلوية، بمناسبة الذكرى العاشرة لاستشهاد مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين، من هذه الرسائل: «إذا تعرضت غزة لهجوم، فستصبح حياة الصهاينة جحيما»، و»في الحرب المقبلة سيتم استرجاع كل أرض فلسطين» و «القسام اختارتك لتكون شاليط المقبل... استعد»، في إشارة إلى الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الذي أسرته مجموعة فلسطينية مسلحة في عملية كوماندوس، على تخوم قطاع غزة، قبل أن تفرج عنه في 2011، في صفقة أطلقت بموجبها إسرائيل سراح 1027 فلسطينيا، هي خطوة قد تبدو صغيرة، ولكنها تعني الكثير لمن يتلقاها، حتى ولو كان ينام في حضن منظومة «القبة الحديدية» نفسها!
hilmias@gmail.com
(الدستور)
مبعث النشوة هنا ربما يكون نفسيا محضا، فهذا الرجل المحاصر (عربيا وإسرائيليا) من كل جانب، هو وشعبه، لا يجد أي مشكلة في تحدي الحصار، وبمنتهى الكبرياء والأنفة، والشعور بفيض من الوطنية التي قد يراها البعض زائدة، بالنسبة لي، أغبطه، هو من يعيشون الحصار في غزة، فهو –ربما- يكون الوحيد في العالم كله، الذي يستطيع أن يتكلم عن إسرائيل بمثل تلك اللغة المتحدية، علما بأنه يقف على مرمى نيرانها، هو ومئات الآلاف الذين زحفوا منذ الصباح الباكر لأخذ مقاعدهم في ساحة السرايا في غزة، ومع هذا لا يجد غضاضة ولا ضعفا في أن يرد على التهديدات الحمقى التي تحرض على «إعادة احتلال غزة» بما هو أهل لهذا التهديد، فرد عليه بتهديد آخر، ليس هو بالتأكيد القوة المادية المتكافئة، بل تهديد المؤمن بقضيته، المتفاني في خدمتها، مع ما تيسر له قوة، جرى تهريبا بعيدا عن عيون الأعداء والأشقاء على حد سواء!
مهما كان موقفك من حماس، لا تستطيع إلا أن تنظر إليها كواحدة من أنبل الظواهر في حياتنا العربية، فهي ومعها قلة قليلة من الفصائل، من تستطيع أن «تهدد» إسرائيل بالإيذاء الفعلي، وتجعل «أمنها» مكلفا جدا ماليا ونفسيا!
حماس بهذا المعنى، ورغم تحولها من «ثورة» إلى «شبه دولة» وسلطة وحكم وربما أيضا أجهزة قمع(!) تظل بقعة مضيئة في تاريخ النضال الفلسطيني بعيدا عن كل «الحمق» الذي يمارسه القريب والبعيد ضدها، سواء بالتآمر عليها بصورة مباشرة أو غير مباشرة، او بمحاولة خنقها ومحاصرتها والقضاء عليها، أو «شيطنتها» حماس أثبتت بمهرجان إحياء ذكرى الشهداء الرنتيسي والمقادمة وشيخ المجاهدين أحمد ياسين، أنها ليست فصيلا مقاوما فقط، بل تكاد تكون هي غزة، وهي نبض الشعب الفلسطيني وضميره الذي يأبى أن يموت، رغم كل ما تعرضت له، وما تتعرض له أيضا.
رسائل حماس التي بعثت بها بالأمس كثيرة، لفلسطين والعرب وإسرائيل، والعالم كله، ولن أتوقف عند هذه الرسائل، فقد وصلت أصحابها، لكن أهم ما قالته حماس بالأمس، أن من يريد تصفية حماس، عليه أن يصفي غزة كلها، وهذا هو المستحيل بعينه!
رسائل «نصية» أخرى، من نوع آخر بعثت بها كتائب القسام، الجناح العسكري للحركة ليلة السبت، وصلت إلى أعداد غير معروفة من الإسرائيليين، عبر هواتفهم الخلوية، بمناسبة الذكرى العاشرة لاستشهاد مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين، من هذه الرسائل: «إذا تعرضت غزة لهجوم، فستصبح حياة الصهاينة جحيما»، و»في الحرب المقبلة سيتم استرجاع كل أرض فلسطين» و «القسام اختارتك لتكون شاليط المقبل... استعد»، في إشارة إلى الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الذي أسرته مجموعة فلسطينية مسلحة في عملية كوماندوس، على تخوم قطاع غزة، قبل أن تفرج عنه في 2011، في صفقة أطلقت بموجبها إسرائيل سراح 1027 فلسطينيا، هي خطوة قد تبدو صغيرة، ولكنها تعني الكثير لمن يتلقاها، حتى ولو كان ينام في حضن منظومة «القبة الحديدية» نفسها!
hilmias@gmail.com
(الدستور)