jo24_banner
jo24_banner

حلاق عمّان

حلاق عمّان
جو 24 : ما سأرويه ليس من ابتداع الخيال، فبطلها يجلس في محله في وسط البلد، يمارس مهنته بشروطه.

باغتني حين دلفت إلى صالون الحلاقة الذي يملكه: حضرتك بدك تحلق لحيتك؟. فأجبته نافياً، مؤكدا إنني سأحلق شعري فقط. فأومأ إلى كرسي الحلاقة قائلا: تفضل.

بدأ الحلاق، قليل الكلام على غير العادة، رحلة حلاقة شعري، عندما ولج زبون آخر الصالون، فسأله الحلاق: حضرتك بدك تحلق ذقنك..؟

وعلى الرغم من ان إجابة الزبون كانت مماثلة لإجابتي، إلا أن السؤال استوقفني.. فهو لم يكن أبدا سؤالا اعتيادياً. قلت للحلاق: لماذا تسأل زبائنك عن حلاقة الذقن، فأجابني باقتضاب: لأني لا أحلق الذقن أبداً.

ثم أردف وهو يعاود تحريك المقص فوق رأسي : "أراحني جدا أن أحد خطباء الجمعة اعتبر قبل ايام ان حلق اللحية حرام مستندا الى ان اي امر نبوي يقتضي وجوب التنفيذ". طبعا لم أناقشه في المسألة لانني لست ضليعا في ذلك، ولعل عند زميلنا الشيخ وائل البتيري رأي يعتد به في هذه المسألة. لكني أحسست ان وراء موقفه شيئا اخر.. فسألته عنه: قال يا أخي، يأتي الزبون، و"يجعص" في المحل، ويضع رجلا على رجل، كأنه عبد الله النسور" ويستعجلك في عملك وربما يتذمر.. كله علشان يحلق لحيته بنصف دينار!. وانا أعرف زبائني ولا أسالهم، اما الغرباء مثلك فلا بد من سؤالهم.

لم اقتنع تماماً بما قاله، فعاودت سؤاله من زاوية اخرى: لا شك ان حادثا وقع معك وادى بك الى اتخاذ هذا الموقف الذي اراه غريباً، فلم يمر علي في حياتي ان حلاقا يرفض حلاقة الذقن الا انت؟..

أجاب مسارعاً: نعم، معك حق، ثم تنهد طويلاً واستطرد يروي قصة حدثت معه: كنت في مرة احلق لزبون، وعندما كان موس الحلاقة على رقبته، هدت ذبابة على عينه، فحرك رأسه عفوياً، فدخل الموس في رقبته، وعلق بها وسال الدم غزيراً، ما استدعى نقله الى الطبيب.
قلت ضاحكا: معقول!.. يا الهي..

فاضاف وهو يكمل قص شعري: هذا الرجل بقيت علامة في رقبته جراء ذلك، وما زال زبونا عندي، لكنه يحلق لحيته لحاله.

حادثة اخرى، رواها وقد انفتحت شهيته للحديث: جاءني مرة زبون وطلب حلاقة لحيته الكثة، وكانت لحيته تخفي خالاً " اي شامة كبيرة"، لم يخبرني عنها، واثناء الحلاقة اصطدم الموس بشيء.. و"دقر"، بعد ان جرح طرف الخال.

ولم املك نفسي من الضحك حين تابع سرده للحادثة: تدفق الدم غزيراً، وحاولت جهدي ان اقطعه باستخدام القطن والكولونيا وسط صراخ الزبون، الذي هالته غزارة الدم، دون ان افلح في مسعاي.. فنقلته الى الطبيب على حسابي. وهذا الزبون كاد ان يرفع علي قضية يطالبني بتعويض لولا ان افهمه اولاد الحلال ان الحق عليه لانه لم يخبرني بوجود الخال.
هنا قلت له ضاحكاً: بصراحة معك حق ان تتوقف عن حلق اللحى.

كان قد انهى قص شعري وشرع بتجهيز موس الحلاقة لحلاقة رقبتي من الخلف.. فقمت مسارعا عن الكرسي: لا ارجوك.. كثر خيرك الى هنا. ودفعت له ما له بذمتي وسط استغرابه، وغادرت الصالون لا ألوي على شيء، فقد خطر ببالي ان المشكلة ربما ليست في الحلاق ولا الزبائن وانما في الموس أو الحظ العاثر الذي قد يجعله يجز رقبتي.

إذن.. كما أن لإشبيلية حلاقها الذي خلده بومارشيه في مسرحيته التي صارت اوبرا شهيرة، ولبغداد أيضا حلاقها الذي وردت قصته في كتاب الف ليلة وليلة وصارت فيلما شهيرا، فلعمان أيضا حلاقها الذي لا يحلق الذقون.
"السبيل"
تابعو الأردن 24 على google news