مسلسل الأخطاء الطبية ..إلى متى؟
جو 24 : آية عليان - دخلوا إلى المستشفى سيرا على الأقدام، وخرجوا محمولين بالنعوش على الاكتاف. غادروا منازلهم يشكون آلاما ‘بسيطة’، يطلبون العلاج، لكن من سعوا للشفاء على ايديهم ‘أخطأوا’، فأعادوهم في أكفانهم إلى مثواهم الأخير.
تتعدد الراويات والقصص، ويبقى العنوان واحدا: “مات بخطأ طبي”
هيا قنديل- 36 عاما- واحدة من كثيرين لاقوا حتفهم بخطأ طبي في مستشفى خاص لإجرائها عملية ربط المعدة. وأثناء إجراء العملية ارتكب الطبيب عدة أخطاء طبية أدت لوفاتها ، حيث لم يقدم على ربط معدة المريضة من خلال التنظير، وعوضا عن ذلك قام بفتح بطن المريضة بشكل طولي من منطقة الصدر، ودون الحصول على إذن من أهلها الذين وقعوا على إجراء عملية تنظير فقط. ومن المفارقات الغريبة أن الطبيب المتهم بالتسبب بوفاتها قد غادر الأردن بعدما رفعت دعوى قضائية عليه من مريض أخر تسبب أيضا بوفاته قبل قنديل بثلاثة أشهر .
كثيرون كقنديل ذهبوا ضحية للإهمال الطبي والأخطاء المتكررة التي لا تجد في المجتمع الاردني رادعا لها. فإلى متى يتواصل مسلسل الأخطاء الطبية التي يذهب بسببها كثيرون يلجأون للطبيب أملا في الشفاء ويكون ثمن هذا الأمل حياتهم أو معالجة الخطأ بخطأ اكبر؟
الدكتور علاء محمد طبيب جراح، يعمل في إحدى المستشفيات الكبرى، يروي تجربة مريرة، ويقول: ‘دخل المريض الى المستشفى وهو يعاني من الآم في الصدر، وبعد الفحص تم الكشف بأنه بحاجة إلى عملية قسطرة القلب والشرايين، من اجل زراعة شبكة لتوسيع الشرايين’.
ويتابع ‘عند زراعة الشبكة حدث خطأ غير مقصود من الكادر الطبي المتواجد في غرفة العمليات، حيث انفلت ما يسمى بالـ ‘شيت’ ما أدى إلى خروج الدم بكميات كبيرة من الشريان الرئيسي للمريض، ولم تتم معالجة الحالة بالسرعة المطلوبة، وانتهى الأمر بوفاة الشاب الذي كان يبلغ من العمر ٣٧ عاما’ .
أما الضحية سهى العمري التي توفيت أثناء ولادتها في احدى المستشفيات الخاصة، فإنها وبحسب أقاربها، أخبرت الفريق المختص أنها تعاني من الحساسية الزائدة من ‘البنج’، ورغم ذلك تم زيادة جرعة ‘البنج’ ما أدى إلى حصول نزيف داخلي حيث توفيت أثناء نقلها إلى مستشفى آخر.
لمواجهة تبعات الأخطاء الطبية ومخاطرها، يشدد الخبير الدولي المختص في هذا الملف الدكتور خالد الدويري على ضرورة تكثيف الرقابة المستمرة على المراكز الطبية من قبل وزارة الصحة من أجل الحصول على وثيقة تأمين إلزامي ضد أية مخاطر قد تتسبب بها المهنة، بحيث ‘لا يمكن لأي طبيب أن يمارس المهنة دون أن يحصل على هذه الوثيقة’.
ويرى الدكتور الدويري أهمية بالغة لـ ‘فرض الرقابة على وضع النظام الطبي، ومتابعة المستجدات في المجال الصحي، عن طريق الشراكة بين وزارة الصحة وجميع مقدمي الخدمات الصحية لتقديم خدمات آمنة تنعكس على تقليل الأخطاء الطبية’.
وعن دور نقابة الأطباء في معاقبة الأطباء المخطئين، يقول الدكتور الدويري إن ‘القضاء هو الجهة الوحيدة المسؤولة عن فرض تعويضات مادية على أي طبيب يرتكب خطأ طبيا’، في حين يكمن دور النقابة في ‘المسلك التأديبي فقط’.
أما حقوقيا، فإن الأخطاء الطبية تدخل في باب انتهاك ‘الحق في الحياة’، الذي يكتسب أولوية متقدمة في مواثيق حقوق الإنسان، كما أنها تنتهك الحق في الصحة.
ويعتبر دستور منظمة الصحة العالمية أن ‘التمتع بأعلى مستوى من الصحة الذي يمكن بلوغه هو أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان، دون تمييز بسبب العنصر أو الدين أو العقيدة السياسية أو الحالة الاقتصادية أو الاجتماعية’.
ويتفق دستور المنظمة مع المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تعتبر الحق في الحصول على رعاية صحية وطبية مناسبة ‘ واحدا من الحقوق الأساسية للإنسان’، وهو أيضا ما نص عليه الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي تبنته جامعة الدول العربية في العام 2004.
ويشير الميثاق إلى أن ‘لكل مريض الحق في تقديم شكوى للجهات المختصة الإدارية والنقابية والقضائية فيما يتعلق بالعناية الصحية المقدمة له، والحصول على إرشادات خاصة بطرق تقديم الشكاوى، والحصول على متابعة جدية من مختلف الجهات المعنية للشكوى المقدمة منه وتلقي جواب خطي خلال فترة زمنية معقولة، والحصول على تعويضات عادلة عن الأضرار التي أصابته دون وجه حق، وخلافاً للقانون سواء تعلق الأمر به شخصياً أو نشأ عن عجز أو وفاة أحد أفراد أسرته’.
“تم إعداد هذا التحقيق من قبل فريق مشروع حوكمة، وهو برنامج اعلامي استقصائي أطلقته مؤسسة طومسون رويترز في الاردن بالشراكة مع شبكة “أريج” إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية.”حوكمة
تتعدد الراويات والقصص، ويبقى العنوان واحدا: “مات بخطأ طبي”
هيا قنديل- 36 عاما- واحدة من كثيرين لاقوا حتفهم بخطأ طبي في مستشفى خاص لإجرائها عملية ربط المعدة. وأثناء إجراء العملية ارتكب الطبيب عدة أخطاء طبية أدت لوفاتها ، حيث لم يقدم على ربط معدة المريضة من خلال التنظير، وعوضا عن ذلك قام بفتح بطن المريضة بشكل طولي من منطقة الصدر، ودون الحصول على إذن من أهلها الذين وقعوا على إجراء عملية تنظير فقط. ومن المفارقات الغريبة أن الطبيب المتهم بالتسبب بوفاتها قد غادر الأردن بعدما رفعت دعوى قضائية عليه من مريض أخر تسبب أيضا بوفاته قبل قنديل بثلاثة أشهر .
كثيرون كقنديل ذهبوا ضحية للإهمال الطبي والأخطاء المتكررة التي لا تجد في المجتمع الاردني رادعا لها. فإلى متى يتواصل مسلسل الأخطاء الطبية التي يذهب بسببها كثيرون يلجأون للطبيب أملا في الشفاء ويكون ثمن هذا الأمل حياتهم أو معالجة الخطأ بخطأ اكبر؟
الدكتور علاء محمد طبيب جراح، يعمل في إحدى المستشفيات الكبرى، يروي تجربة مريرة، ويقول: ‘دخل المريض الى المستشفى وهو يعاني من الآم في الصدر، وبعد الفحص تم الكشف بأنه بحاجة إلى عملية قسطرة القلب والشرايين، من اجل زراعة شبكة لتوسيع الشرايين’.
ويتابع ‘عند زراعة الشبكة حدث خطأ غير مقصود من الكادر الطبي المتواجد في غرفة العمليات، حيث انفلت ما يسمى بالـ ‘شيت’ ما أدى إلى خروج الدم بكميات كبيرة من الشريان الرئيسي للمريض، ولم تتم معالجة الحالة بالسرعة المطلوبة، وانتهى الأمر بوفاة الشاب الذي كان يبلغ من العمر ٣٧ عاما’ .
أما الضحية سهى العمري التي توفيت أثناء ولادتها في احدى المستشفيات الخاصة، فإنها وبحسب أقاربها، أخبرت الفريق المختص أنها تعاني من الحساسية الزائدة من ‘البنج’، ورغم ذلك تم زيادة جرعة ‘البنج’ ما أدى إلى حصول نزيف داخلي حيث توفيت أثناء نقلها إلى مستشفى آخر.
لمواجهة تبعات الأخطاء الطبية ومخاطرها، يشدد الخبير الدولي المختص في هذا الملف الدكتور خالد الدويري على ضرورة تكثيف الرقابة المستمرة على المراكز الطبية من قبل وزارة الصحة من أجل الحصول على وثيقة تأمين إلزامي ضد أية مخاطر قد تتسبب بها المهنة، بحيث ‘لا يمكن لأي طبيب أن يمارس المهنة دون أن يحصل على هذه الوثيقة’.
ويرى الدكتور الدويري أهمية بالغة لـ ‘فرض الرقابة على وضع النظام الطبي، ومتابعة المستجدات في المجال الصحي، عن طريق الشراكة بين وزارة الصحة وجميع مقدمي الخدمات الصحية لتقديم خدمات آمنة تنعكس على تقليل الأخطاء الطبية’.
وعن دور نقابة الأطباء في معاقبة الأطباء المخطئين، يقول الدكتور الدويري إن ‘القضاء هو الجهة الوحيدة المسؤولة عن فرض تعويضات مادية على أي طبيب يرتكب خطأ طبيا’، في حين يكمن دور النقابة في ‘المسلك التأديبي فقط’.
أما حقوقيا، فإن الأخطاء الطبية تدخل في باب انتهاك ‘الحق في الحياة’، الذي يكتسب أولوية متقدمة في مواثيق حقوق الإنسان، كما أنها تنتهك الحق في الصحة.
ويعتبر دستور منظمة الصحة العالمية أن ‘التمتع بأعلى مستوى من الصحة الذي يمكن بلوغه هو أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان، دون تمييز بسبب العنصر أو الدين أو العقيدة السياسية أو الحالة الاقتصادية أو الاجتماعية’.
ويتفق دستور المنظمة مع المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تعتبر الحق في الحصول على رعاية صحية وطبية مناسبة ‘ واحدا من الحقوق الأساسية للإنسان’، وهو أيضا ما نص عليه الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي تبنته جامعة الدول العربية في العام 2004.
ويشير الميثاق إلى أن ‘لكل مريض الحق في تقديم شكوى للجهات المختصة الإدارية والنقابية والقضائية فيما يتعلق بالعناية الصحية المقدمة له، والحصول على إرشادات خاصة بطرق تقديم الشكاوى، والحصول على متابعة جدية من مختلف الجهات المعنية للشكوى المقدمة منه وتلقي جواب خطي خلال فترة زمنية معقولة، والحصول على تعويضات عادلة عن الأضرار التي أصابته دون وجه حق، وخلافاً للقانون سواء تعلق الأمر به شخصياً أو نشأ عن عجز أو وفاة أحد أفراد أسرته’.
“تم إعداد هذا التحقيق من قبل فريق مشروع حوكمة، وهو برنامج اعلامي استقصائي أطلقته مؤسسة طومسون رويترز في الاردن بالشراكة مع شبكة “أريج” إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية.”حوكمة