ليس مجرَّد خاتم، ليست مجرَّد دمعة !!
عبدالرحمن الدويري
جو 24 : لو كان الحادثُ لفنّانة أو راقصة عقدت قرانها على صديقتها، أو عارضة أزياء ارتبطت بكلبها؛ لازدحم الفضاء بخبرها، وطارت به الصحف، وغنّت له الفضائيّات، وتناقلته وكالات الأنباء، لكن؛ لأنه الفعل الطاهر، والعمل الملتزم، ولأنه للأقصى في زمن التباهي بالخيانة، والمسارعة بالتفريط، مرَّ مُرور الكرام، إلا لمحاً بالبصر، على بعض مواقع التواصل هنا وهناك !!
على غير ترتيب أو إرادة دُعيت الأخت الدكتورة ديمة طهبوب لإيطاليا، للمشاركة بورقة في مؤتمر لنُصرة القدس والأقصى، في 27/4/2014م، فوافقت وأضمرت النيّة، أن تتقدم لعتبات الأقصى المكسورة بهدية سَنيّة غالية، وهيأ الله لها مَن يَنقلها بأمانة، ويردّ التحية بأحسن منها، وما أراهما صنعا شيئا، لكنه صُنع الله لهما، وآية الله في أقدَارِه، يُجْريها على أيدي خُلصائه مِن الناس!!
هناك في" تورينو" اعتلت المنصَّة ناجت الأقصى عبر سامعيها، وشوشته عن مشاعرها نحوه.. عن خبيئتها التي خبأتها ما يزيد على عقد من الزمن، حاوية معنى الوفاء، مغلفة بظلال الشهادة، فيها أطياف طارق، ونَقش اسمه، وذاكرة الاتصال الأول، فأعجبته (الأقصى) الفكرة، وأوحى لها بالرضا، ففتحت حقيبتها، وأخرجت خبيئتها(خاتم الزواج) لتعرضه في مزاد البذل، حيث تجمّع الأحرار للنصرة، تملأ وجهها الدموع، وروحها اللوعة، لكنه الأقصى، وهل يملك حرٌّ أمام الأقصى ومأساته، أن يستأثر بلوعته هو، وعنوان ابتلائه؟!!
أنا أستشعر قيمة هذا الفعل.. أدرك بالغ أثره.. أدرك قسوته وآلامه.. أعرفه في لفحة عنقٍ، غَزَلتها لي قرينتي في عامِ زواجنا الأول، إذا نسيتها، أو تاهت عنّي في مكانٍ، كيف أرجع إليه ملهوفا، باحثا عن ضالتي، التي عمرها الآن 23 سنة، وقيمتها المادية لا تساوي دينارا، لكنها وإبريق الشاي، الذي يكفي لنَفَرَين، عندي بكل ما أملك على بساطته!! إنهما شريحة الذاكرة بكل تفاصيل حياتي الخاصة!!
بكت. نعم، وأبكت الحاضرين.. أدركوا المعنى، ووصلت الرسالة، فقام لها الكريم أبو زيد مقرىء الإدريسي المغربي ليفتديه بأربعة آلاف "يورو" ، هي ملكه في هذه اللحظة، لبرز من خلف ستار الغيب، ذلك القادم مِن الجزائر في تجارة، وكان أضمر منذ زمن بعيد، أن يبيعَ بيته في ضاحية الرشيد، ويقفَ ثمنه صدقة لله، بعدَ أن وسّع الله عليه، ببيت أرحب وأبهى، وعلى غير ميعاد قادته الأقدار إلى مؤتمر "تورينو" لا لمؤتمر "بريشا" المنعقد في نفس الوقت، ليفتدى الخاتم بـ 100 ألف يورو. ذلكم هو الأخ "أنس نيروخ"!!
لم يكن مجرد خاتم إذن، ولا مجرد دمعة، أو رغبة في الظهور!! من باذلة سخية ومشترٍ مغمور، لكنه شكلٌ من أشكال الافتداء، وخريطةُ لطريق البذل والعطاء، وشاخصةٌ من شواخص الاهتداء، ونبضُ تيّار يتشكل، عنوانُ ميدان تتضح معالمة، في الزمن السيسي العربي، الذي يُريد تكريس حالة الانكسار والخضوع في الناس!!
إنه حالة الرفض للواقع، وإعلان تمرد على ضواغط النفس، وتحويل للطاقة السّالبة أو المُكبَّلة بألم الفقدِ الجاثم في الحسّ، إلى طاقة موجبة، تُحرر الإرادة، وتُفجّر القوى الكامنة، وتَصنع من أطلال الماضي، صروح المستقبل، الذي يَستوعب المكان والزمان والإنسان!!
ليس هذا تفريطا مِن الأخت ديمة ابنة الأخ طارق طهبوب النقيب، وزوج طارق أيوب الشهيد، إنما هو إعلاء للقيمة، وإغلاء للثمن، وتثمينا للميراث، وإحياء لمكنونات الوجدان لتظهر للعيان، واستحضار ا للروح الطيبة مِن عالم الألم، لتُسهم في رفع العلم، في الطريق الصعب، وتُجدّد الهتاف لحشد التائهين عن السبيل!!
الحادثة ُتُظهر نمطا من الحياة، يتمُّ طمسه عن قصد، وطريقة في العيش تُرفع دونها الُحجُب كي لا تُرى، وأسلوبٌ في التربية لا يُراد له أن يَشيع، فهذه النادرة "ديمة" نشأت طفلة في هذا المحضن الرباني، كما أخبرني الدكتور أحمد القضاه"أبو مصعب"، في بيت الفجر والقرآن، ومأدبة الإيمان، في بيت أخ مسلم كان نقيبا يوما للأطباء، وهو اليوم أب للنجباء، في زمن الانكفاء!!
انتظرتُ أن يكتب في الحادثِ شخصٌ له في الصَّحافة رأيٌ مُعتبر، أو له في الإعلام سمع وبصر، فيأخذ الخبر مداه، لأنه يستحق النظر، ويستحق التحليل، لكنني لم أرَ من ذلك شيئا، فكان لا بدّ لي أن أقول، لأُنصِف وأَشكر!!
ليس هذا من باب الدعاية، إنما هو من باب الإنصاف، وليس في الأمر - إعلان الخير- محضور شرعيٌّ، ويدحض هذا الوهم قول الله تعالى:{واجعنا للمتقين إماما}، إمامةَ حرصٍ على السبق لنيل الثواب، وندب الآخرين للتأسّي والاقتداء، وهذا حق نلمحه في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من لا يشكر الناس لا يشكر الله)، وزاد الغزالي هذا الحق إيضاحا حين قال(لولا الرياء لذهب تسعة أعشار العلم) وأنا أقول: لولاه لذهب تسعة أعشار المروءة.. ، وما في الإمر رياء ولا سُمعة، إذا كان أصل الباعث مرضاة الله، ثم تهييج الخير في الآخرين!!
ويدعم هذا ما متمنّاه عمر الفاروق لو كان ابنه عبدالله ذَكر النخلة جوابا عن سؤال رسول الله حين سأل عنها، فعجز الصحابة، ليزداد من النبي حظوة، واستدل مالك بها فقال: "إن الخواطر التي تقع في القلب من محبة الثناء، على أعمال الخير، لا يقدح فيها إذا كان أصلها لله"، ولربيعة الرأي، وابن حجر قولا جميلا يفسّر هذا ويبرره!!
المؤكد الذي بِتُّ على يقين منه: أننا لا نُحسن صناعة رموزنا، لا نُجيد إطلاق أقمارنا، ولا نُتقن إماطة اللثام عن مُبدعينا، وعندنا من الطاقات الربانية ما لا يملك الآخرون معشار معشارها، ولكنهم يَجعلون مِن التفاهة شيئا ذا قيمة، ومن الرُّخص شيئا غالي الثمن، ومن الزَّيف ما لا يُجاريه الحق المصفّى، بفجور أُعينوا عليه، وسذاجة ضربت أطنابها فينا، فاستسلمنا لها!!!
لو كانت ديمة يسارية – وهنا أستعير عبارتها في الدكتور أيمن العتوم: لو كان يساريا لنالَ جائزة نوبل في الآداب-
كذلك أختنا أخت الرجال لو كانت يسارية، أو إعلامية روتانية، أو أمّا مثالية بعين الانقلاب الخائب، لقامت لها زفّة، واستقبلت بعَراضة، وطارت قصّتها في الخافقين!!
لا يضيرنا هذا فَقَدَر الأخيار الخفاء، والعمل بصمت، واللهُ يُثري ويُعلي.. يصون دُرره، ويخفي أفعال أبناءَ دعوته، وأهل ملّته.. يُداريها عن فضاءٍ تلبّد بالفَجَرة، وربَّما عن أبرارٍ داخَلَتْهم الأثَرَة، حتى يُنضج لنا الأجواء، ويُهيئ الأسباب، لأقدارٍ يَسّرَ أَسبابها ابتداء، وننتظر ثمارها انتهاء، وفق مشيئته واختياره، فطوبى لمن كان سببا فيما يُضمره الله، ووعد به، إذ جاء أوانه !!
a_dooory@yahoo.com
على غير ترتيب أو إرادة دُعيت الأخت الدكتورة ديمة طهبوب لإيطاليا، للمشاركة بورقة في مؤتمر لنُصرة القدس والأقصى، في 27/4/2014م، فوافقت وأضمرت النيّة، أن تتقدم لعتبات الأقصى المكسورة بهدية سَنيّة غالية، وهيأ الله لها مَن يَنقلها بأمانة، ويردّ التحية بأحسن منها، وما أراهما صنعا شيئا، لكنه صُنع الله لهما، وآية الله في أقدَارِه، يُجْريها على أيدي خُلصائه مِن الناس!!
هناك في" تورينو" اعتلت المنصَّة ناجت الأقصى عبر سامعيها، وشوشته عن مشاعرها نحوه.. عن خبيئتها التي خبأتها ما يزيد على عقد من الزمن، حاوية معنى الوفاء، مغلفة بظلال الشهادة، فيها أطياف طارق، ونَقش اسمه، وذاكرة الاتصال الأول، فأعجبته (الأقصى) الفكرة، وأوحى لها بالرضا، ففتحت حقيبتها، وأخرجت خبيئتها(خاتم الزواج) لتعرضه في مزاد البذل، حيث تجمّع الأحرار للنصرة، تملأ وجهها الدموع، وروحها اللوعة، لكنه الأقصى، وهل يملك حرٌّ أمام الأقصى ومأساته، أن يستأثر بلوعته هو، وعنوان ابتلائه؟!!
أنا أستشعر قيمة هذا الفعل.. أدرك بالغ أثره.. أدرك قسوته وآلامه.. أعرفه في لفحة عنقٍ، غَزَلتها لي قرينتي في عامِ زواجنا الأول، إذا نسيتها، أو تاهت عنّي في مكانٍ، كيف أرجع إليه ملهوفا، باحثا عن ضالتي، التي عمرها الآن 23 سنة، وقيمتها المادية لا تساوي دينارا، لكنها وإبريق الشاي، الذي يكفي لنَفَرَين، عندي بكل ما أملك على بساطته!! إنهما شريحة الذاكرة بكل تفاصيل حياتي الخاصة!!
بكت. نعم، وأبكت الحاضرين.. أدركوا المعنى، ووصلت الرسالة، فقام لها الكريم أبو زيد مقرىء الإدريسي المغربي ليفتديه بأربعة آلاف "يورو" ، هي ملكه في هذه اللحظة، لبرز من خلف ستار الغيب، ذلك القادم مِن الجزائر في تجارة، وكان أضمر منذ زمن بعيد، أن يبيعَ بيته في ضاحية الرشيد، ويقفَ ثمنه صدقة لله، بعدَ أن وسّع الله عليه، ببيت أرحب وأبهى، وعلى غير ميعاد قادته الأقدار إلى مؤتمر "تورينو" لا لمؤتمر "بريشا" المنعقد في نفس الوقت، ليفتدى الخاتم بـ 100 ألف يورو. ذلكم هو الأخ "أنس نيروخ"!!
لم يكن مجرد خاتم إذن، ولا مجرد دمعة، أو رغبة في الظهور!! من باذلة سخية ومشترٍ مغمور، لكنه شكلٌ من أشكال الافتداء، وخريطةُ لطريق البذل والعطاء، وشاخصةٌ من شواخص الاهتداء، ونبضُ تيّار يتشكل، عنوانُ ميدان تتضح معالمة، في الزمن السيسي العربي، الذي يُريد تكريس حالة الانكسار والخضوع في الناس!!
إنه حالة الرفض للواقع، وإعلان تمرد على ضواغط النفس، وتحويل للطاقة السّالبة أو المُكبَّلة بألم الفقدِ الجاثم في الحسّ، إلى طاقة موجبة، تُحرر الإرادة، وتُفجّر القوى الكامنة، وتَصنع من أطلال الماضي، صروح المستقبل، الذي يَستوعب المكان والزمان والإنسان!!
ليس هذا تفريطا مِن الأخت ديمة ابنة الأخ طارق طهبوب النقيب، وزوج طارق أيوب الشهيد، إنما هو إعلاء للقيمة، وإغلاء للثمن، وتثمينا للميراث، وإحياء لمكنونات الوجدان لتظهر للعيان، واستحضار ا للروح الطيبة مِن عالم الألم، لتُسهم في رفع العلم، في الطريق الصعب، وتُجدّد الهتاف لحشد التائهين عن السبيل!!
الحادثة ُتُظهر نمطا من الحياة، يتمُّ طمسه عن قصد، وطريقة في العيش تُرفع دونها الُحجُب كي لا تُرى، وأسلوبٌ في التربية لا يُراد له أن يَشيع، فهذه النادرة "ديمة" نشأت طفلة في هذا المحضن الرباني، كما أخبرني الدكتور أحمد القضاه"أبو مصعب"، في بيت الفجر والقرآن، ومأدبة الإيمان، في بيت أخ مسلم كان نقيبا يوما للأطباء، وهو اليوم أب للنجباء، في زمن الانكفاء!!
انتظرتُ أن يكتب في الحادثِ شخصٌ له في الصَّحافة رأيٌ مُعتبر، أو له في الإعلام سمع وبصر، فيأخذ الخبر مداه، لأنه يستحق النظر، ويستحق التحليل، لكنني لم أرَ من ذلك شيئا، فكان لا بدّ لي أن أقول، لأُنصِف وأَشكر!!
ليس هذا من باب الدعاية، إنما هو من باب الإنصاف، وليس في الأمر - إعلان الخير- محضور شرعيٌّ، ويدحض هذا الوهم قول الله تعالى:{واجعنا للمتقين إماما}، إمامةَ حرصٍ على السبق لنيل الثواب، وندب الآخرين للتأسّي والاقتداء، وهذا حق نلمحه في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من لا يشكر الناس لا يشكر الله)، وزاد الغزالي هذا الحق إيضاحا حين قال(لولا الرياء لذهب تسعة أعشار العلم) وأنا أقول: لولاه لذهب تسعة أعشار المروءة.. ، وما في الإمر رياء ولا سُمعة، إذا كان أصل الباعث مرضاة الله، ثم تهييج الخير في الآخرين!!
ويدعم هذا ما متمنّاه عمر الفاروق لو كان ابنه عبدالله ذَكر النخلة جوابا عن سؤال رسول الله حين سأل عنها، فعجز الصحابة، ليزداد من النبي حظوة، واستدل مالك بها فقال: "إن الخواطر التي تقع في القلب من محبة الثناء، على أعمال الخير، لا يقدح فيها إذا كان أصلها لله"، ولربيعة الرأي، وابن حجر قولا جميلا يفسّر هذا ويبرره!!
المؤكد الذي بِتُّ على يقين منه: أننا لا نُحسن صناعة رموزنا، لا نُجيد إطلاق أقمارنا، ولا نُتقن إماطة اللثام عن مُبدعينا، وعندنا من الطاقات الربانية ما لا يملك الآخرون معشار معشارها، ولكنهم يَجعلون مِن التفاهة شيئا ذا قيمة، ومن الرُّخص شيئا غالي الثمن، ومن الزَّيف ما لا يُجاريه الحق المصفّى، بفجور أُعينوا عليه، وسذاجة ضربت أطنابها فينا، فاستسلمنا لها!!!
لو كانت ديمة يسارية – وهنا أستعير عبارتها في الدكتور أيمن العتوم: لو كان يساريا لنالَ جائزة نوبل في الآداب-
كذلك أختنا أخت الرجال لو كانت يسارية، أو إعلامية روتانية، أو أمّا مثالية بعين الانقلاب الخائب، لقامت لها زفّة، واستقبلت بعَراضة، وطارت قصّتها في الخافقين!!
لا يضيرنا هذا فَقَدَر الأخيار الخفاء، والعمل بصمت، واللهُ يُثري ويُعلي.. يصون دُرره، ويخفي أفعال أبناءَ دعوته، وأهل ملّته.. يُداريها عن فضاءٍ تلبّد بالفَجَرة، وربَّما عن أبرارٍ داخَلَتْهم الأثَرَة، حتى يُنضج لنا الأجواء، ويُهيئ الأسباب، لأقدارٍ يَسّرَ أَسبابها ابتداء، وننتظر ثمارها انتهاء، وفق مشيئته واختياره، فطوبى لمن كان سببا فيما يُضمره الله، ووعد به، إذ جاء أوانه !!
a_dooory@yahoo.com