2024-12-23 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

عن «القاضي الجزار» وزمن الشمولية

ياسر الزعاترة
جو 24 : من خلال تقرير لصحيفة “صندي تايمز” البريطانية، كان بوسعنا أن نتعرف إلى جزء من سيرة من سمّته “القاضي الجزار” الذي “يصدر أحكاما ترضي الأجهزة الأمنية”. وقالت الصحيفة، إن القاضي سعيد يوسف يستعد للحكم على 919 شخصا من المتعاطفين مع جماعة الإخوان المسلمين بالإعدام، وذلك بعد أن أصدر حكمين جماعيين بالإعدام، الأول لـ529 شخصا، جرى تخفيف حكم غالبيتهم لاحقا إلى السجن المؤبد، بينما ثبّت حكم الإعدام على 37 منهم، والثاني الحكم على 683 آخرين بالإعدام. أما الآن، فهو يحضّر للحكم على 919 شخصا آخرين. ولفتت الصحيفة النظر إلى أن القاضي أصدر أحكامه على المجموعتين السابقتين في محكمة من محاكم المنيا جنوب القاهرة في أقل من ثماني دقائق!!
في تتبعها لسيرة القاضي المذكور من خلال المحامين، وجدت الصحيفة أنه في العام 2013 أصدر في محكمة بني سويف حكما بتبرئة ساحة 10 ضباط شرطة اتهموا بقتل المتظاهرين في 28 كانون الثاني/ يناير 2011 أثناء ثورة يناير. وقال محامي الضحايا إن القاضي “قرر إخلاء ساحة كل الضباط دون أن يستمع لمرافعة أي من الطرفين”. ومن الأحكام الغريبة التي أصدرها يوسف هو حكمه على رجل بالسجن مدة 40 عاما لحيازته بندقية.
هل يمكن والحالة هذه أن نتحدث عن حالة شاذة؟ ربما كان هذا القاضي حالة فريدة، لكنها تأتي ضمن سياق شامل، وإلا فكيف يمكن تصنيف الحكم (من محكمة أخرى) على أكثر من مئة شخص دفعة واحدة بالسجن لمدة عشر سنوات بتهمة التظاهر غير المشروع قبل أيام أيضا، وهي المحاكم التي ستتوالى من أجل الإبقاء على حوالي عشرين ألف شخص رهن الاعتقال دون مبرر مقنع؟!
لا يأتي هذا البعد منفصلا عما سواه من تجليات تؤكد أن الدولة البوليسية هي التي تتقدم تباعا في الساحة المصرية، من دون أن تقدم للمواطن أي شيء يُذكر على صعيد الحقوق والمكتسبات (الكهرباء تنقطع أكثر من أيام مرسي)، حتى أن أحد مسؤولي الحكومة يعلن أنه “يشعر بالعار” لأن معدل النمو كان أفضل أيام حكومة الرئيس مرسي.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هو: هل إن هذه السياسة الأمنية التي تثير الكثير من الانتقادات الدولية ضد النظام الحاكم هي اختيار طبيعي، وأن القوم يستمتعون بتلقي الانتقادات حتى من أقرب الحلفاء، وفي المقدمة أميركا التي يعلن وزير خارجيتهم أنها في حالة “زواج شرعي” مع مصر؟
الجواب هو لا بالتأكيد، فما من نظام يحب أن يثير من حوله كل هذه الانتقادات، بخاصة تلك التي تتعلق بسجله في مجال حقوق الإنسان، لكن الأمر هنا ليس اختيارا بحال من الأحوال، لأن إرادة أي نظام سياسي أن يسحق أكبر قوة سياسية في البلاد كانت في المقدمة، وفازت في 5 جولات انتخابية، لا يمكن إلا أن تفضي إلى هذا الذي يجري، أعني عسكرة المجتمع وتحويله إلى سجن كبير.
وما يغري النظام بفعل ذلك ليس فقط مساعيه لتثبيت نفسه، وإنما أيضا شعوره بأن الانتقادات الدولية لا تعدو أن تكون شكلا من أشكال رفع العتب، بينما يشعر أكثر المعنيين بالملف المصري بالرضا عن سلوكه، ذلك أن تثبيت دولة بوليسية في الداخل، وإن بغطاء ديمقراطي خارجي، لا يمكن إلا أن يعني ضرب الحضور العربي والإقليمي لمصر، ودفعها إلى الارتماء في حضن الغرب، فضلا عن مساعي إرضاء نتنياهو الذي عمل مقاول علاقات عامة للانقلاب.
نحن إذا إزاء مصيبتين في آن، فما يجري يمثل انقلابا على ثورة يناير، بما يعنيه ذلك من استعادة لمنظومة الفساد والاستبداد على نحو أسوأ، في ذات الوقت الذي يستعيد ما هو أسوأ أيضا من حقبة مبارك فيما يتصل بضرب الحضور الخارجي لمصر عربيا وإقليميا.
من أجل التخلص من ذلك كله فجّر المصريون ثورتهم في يناير 2011، وهم لذلك لن يسكتوا على انقلاب يعيدهم إلى وضع أسوأ بكثير من الذي ثاروا عليه، لكن اختلال ميزان القوى لصالح الانقلاب داخليا وخارجيا سيجعل المعركة أطول وأكثر شراسة من المعركة الأولى، غير أن ذلك كله لا يعني أن النتيجة ستكون مختلفة؛ لأن الشعب الذي ذاق طعم الحرية وعاش لحظة الأمل لن يركن إلى بؤس جديد مهما كانت التضحيات.

الدستور
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير