نظرات في المشهد التركي
حلمي الأسمر
الانطباع الأول الذي يتشكل في ذهن من يطل على تفاصيل المشهد التركي، يقول أن البلاد غدت أكثر استقرارا من تلك «الذروة» التي مرت بها حين اشتد الخلاف بين أردوغان وفتح الله غولن، حيث فرض انتصار حزب العدالة والتنمية نوعا من إعادة التموضع بين القوى الفاعلة على الساحة التركية، وبين يدي هذا وذاك، ثمة بعض الاستخلاصات، ربما تضيء بعض جوانب مشهد دولة حققت ما يشبه المعجزة في التطور خلال عقد او يزيد قليلا، بعد أن خرجت «سالمة» من أعتى حراك داخلي استهدف تقويضها، ووسط مشهد كوني شهد إفلاس دول وانهيار أنظمة، وتفكك تحالفات، وانسحابات لدول كبرى من دائرة التأثير، إلى دائرة التقهقر والانكماش على الذات!
أولا/ كثيرون يحسبون حزب العدالة والتنمية على تيار الإخوان المسلمين، وهذه واحدة من أكبر المغالطات في المشهد التركي، فالحزب الذي يمثل الإخوان في تركيا وهو حزب السعادة، لم يستطع ان يتجاوز نسبة الحسم التي تؤهله للدخول إلى البرلمان، وهي عشرة في المائة من مجموع الأصوات، وما هو مفاجىء، أنه لم يحصل إلا على أربعة في العشرة في المائة من أصوات الناخبين، وهي نسبة تظهر حجم شعبية التيار الإخواني في تركيا، التي يتشدق كثيرون بنسبة حزبها الحاكم إلى تيار الإخوان!
ثانيا/ كان ثمة اعتقاد ان سحب جماعة غولن تأييدهم لحزب العدالة في الانتخابات كفيلا بإلحاق هزيمة منكرة به، إلا أن العكس هو الصحيح، وتلك معادلة ملغزة، تحتاج إلى مقال مفصل، لكننا نقول في عجالة، أن ما حصل هو نوع من انفضاض الناس عن جماعة غولن، حتى من قبل من كانوا أعضاء رسميين في جماعة الخدمة، خاصة بعد أن شعروا – وبعضهم من كبار رجال الأعمال – ان خسارة حزب العدالة ستتسبب بخسارتهم لمصالحهم التجارية، فاعادوا موضعة أماكنهم، وعملوا على دعم «العدالة» بكل ما أوتوا من قوة، وربما كانت عملية الموضعة اكثر وضوحا لدى الجماعات الصوفية المؤثرة في المجتمع التركي، حيث دفعت كثيرين ممن كانوا يقاطعون الانتخابات إلى المشاركة بها بقوة، انتصارا لحزب العدالة الحاكم، كما دفعت من كان يصوت منهم لحزب الحركة القومية المعارض إلى دعم الحزب الحاكم، لأنهم شعروا أن الامتيازات التي يتمتعون بها غدت مهددة، فيما لو فشل حزب العدالة!
ثالثا/ هناك مسألة أسهمت كثيرا في ترويج الصورة الحقيقية لتركيا لدى العالم العربي، بعد أن كان كثيرون يرون فيها عملية إعادة إنتاج للحكم العثماني، وقد كان لوكالة انباء الأناضول حصة الأسد في هذا الأمر، وتحديدا بثها باللغة العربية، الذي أحدث ما يشبه الثورة في جلاء الصورة، ونقل حقيقة ما يجري في تركيا، بعيون تركية لا أجنبية، وفي هذا يختصر احد الأصدقاء هذا الامر بقوله إن العرب باتوا يسمعون من تركيا لا عنها، الأمر الذي بدد كثيرا من الترهات والتشويهات التي تتقن لعبتها وكالات الأنباء الأجنبية!.
(الدستور)