jo24_banner
jo24_banner

النبش في الحاويات من عوز إلى تجارة مربحة دون تدوير متكامل

النبش في الحاويات من عوز إلى تجارة مربحة دون تدوير متكامل
جو 24 : "بدك 2 كيلو كفتة" حاضر "بامبرز"، حاضر "كيلو "راس عصفور" حاضر، كلمات رجل وهو يستعد للنبش في الحاوية في احدى ضواحي عمان، يخرج الأكياس السوداء، ويبحث عما يمكن الاستفادة منه.
ذلك كان بداية المشهد الأول من مسرحية "التدوير" ومن بطولة الفنانين حسين طبيشات ومحمود صايمة التي عرضتها جمعية البيئة الأردنية، بالتعاون مع شبكة الطالب البيئي، وبرنامج إعادة التدوير.
المشهد المسرحي كان يحاكي واقع الحال، فهي انعكاس لما يحدث يوميًا في حاويات النفايات، ويكشف تفاصيل توزيع المناطق بين من يمارسون تلك المهمة، لكن الأهم أنها شرحت بشكل بسيط كيف يمكن تحويل تلك الممارسة إلى مشروع ناجح يساهم في الحفاظ على البيئة من جهة، ويضمن المردود من جهة أخرى، بحسب الخبير البيئي/ المدير التنفيذي لجمعية البيئة المهندس أحمد الكوفحي.
الكوفحي الذي أعد المسرحية يشرح ببساطة عدم وجود نظام متكامل لإعادة التدوير، بل محاولات مختلفة من منظمات مدنية، وكذلك من القطاع الخاص، يعتبر أن تلك المحاولات على مستوى جغرافي ضيق؛ بسبب عدم وجود إمكانيات مادية، وخاصة توفر حاويات الفرز والجمع والمعدات والسيارات.
عَبْر المسرحية، حاول الكوفحي نشر الوعي الذي تعمل عليه الجمعية منذ عام 1994 بتنفيذ برنامج توعية متكامل حول إعادة التدوير مع بعض المبادرات التطبيقية الريادية، وبرنامج فرز من المصدر في بعض المواقع السكنية، خاصة في حال وجود دعم باستخدام المعدات والكابسات من أمانة عمان، وهو دعم لا يستمر دائمًا؛ بسبب وجود طلب عال على هذه المعدات للعمل في مناطق أخرى من العاصمة؛ ما يجعلها غير متفرغة لجهود إعادة التدوير.

المشروع الريادي لجمعية البيئة
لكن الكوفحي أشار إلى أن المشروع الريادي الذي تم تنفيذه كان ناجحًا، وحاز جوائز دولية مثل: جائزة بلدية دبي وفورد، وتقديرًا من الديوان الملكي، ولكنه يؤكد أن المطلوب هو برنامج شامل على مستوى مدينة عمان على الأقل.
لا تنجو حاوية من تلك المنتشرة في أنحاء المملكة من حالة نبش وبشكل يومي من قبل أشخاص يعملون كجماعات أو فُرادى، يبحثون في الأعماق عن مواد يمكن بيعها تجارًا، يقومون بدورهم بإعادة توضيبها وتصديرها للخارج؛ لغايات إعادة تدوير النفايات.
ظاهرة جمع علب المشروبات الفارغة أو الزجاج أو الحديد لم تكن مقبولة لدى الكثير من المواطنين؛ على اعتبار أن النفايات ناقل للأمراض، أو أن من يمارسون ذلك العمل يعبثون في خصوصيات البشر، ويتركون ما تبقى في الشارع، لكنها فعليًا أصبحت مهنة مهمة لشريحة كبرى من الناس على اختلاف طبيعتهم، وباتت مصدر رزق، رغم أنها بقيت بعيدة عن التنظيم، وتُمارَس بشكل عشوائي.
ضمن حملات ودعوات متكررة، حاولت أمانة عمان أن تحدد مواعيد لإخراج النفايات من المنازل بين السادسة وحتى العاشرة من صباح كل يوم سبت، وحتى الخميس للمنازل، ومن السادسة وحتى العاشرة من صباح كل يوم ثلاثاء لمخلفات الأثاث، وللمخلفات الإنشائية الناجمة عن أعمال الصيانة خاصة المنزلية التي توضع بجانب الحاويات، على أن يتم تكييسها، وأن لا تزيد على خمسة أكياس فقط، فيما تخصص الساعة الحادية عشر صباحًا لإخراج وجمع النفايات من المحال التجارية.
لكن النبش في الحاويات لا يَعْرف وقتًا محددًا، وبخاصة أن غالبية الناس يخرجون نفاياتهم بعد العاشرة، وأحيانًا في ساعات الظهيرة التي تعتبر مناسبة لـ"قوم النبش"، كما عبر أحدهم وهو يهم وإخوانه الصغار بفرز محتويات حاولية بمنطقة عرجان في عمان.

ما هي عملية التدوير؟
هي إعادة تصنيع مواد خام أو صناعية من خلال الاستفادة من الكميات الهائلة من المواد المستهلكة (النفايات) كمواد خام أو مواد اولية لإنتاج سلع جديدة بتكلفة قليلة.
وتكمن أهمية التدوير من خلال استغلال هذه المواد المستهلكة، والتخلص من كميات هائلة من تلال النفايات المتراكمة التي أصبحت مشكلة حقيقية عند حرقها؛ لما تصدره من أبخرة وغازات لها تأثيرات خطيرة في الصحة.
لعملية التدوير شروط وأسس تبدأ من المواطنين الذين يجب أن يقتنعوا بجدوى عملية التدوير؛ كون الأغلبية ضمن استطلاع أجراه موقع تطوعي عرف باسم "بي عمان" ممن استطلعت آراؤهم لا يقومون بإعادة التدوير، لكن هذه الأغلبية ترغب في معرفة كيف وأين تقوم بإعادة التدوير.
الموقع أسسته كل من الناشطات: لمى القدومي، ورغدة بطرس، وربى الناظر، يقلن إننا نرغب في تقديم عمان بحلتها الجميلة للأردنيين والزوار، وعرض الاشياء التي يمكن القيام بها في مواجهة التحديات، واكتشاف الفرص في المدينة، ومن تلك المواضيع المهمة إعادة تدوير النفايات، والتعريف بها.

"ملكة النفايات" الصينية
"ملكة النفايات" لقب أطلق على الصينية "تشونج يان" التي أصبحت مليارديرة من تجارتها في النفايات الورقية، وبدأت حياتها العملية بنحو 2500 جنيه إسترليني، فأصبحت أغنى امرأة في العالم بثروة تقدر بثلاثة مليارات من الدولارات.
صنعت نفسها بنفسها، وبدأت حياتها العملية بقرض قيمته 2500 جنيه إسترليني عام 1985، وشرعت في استخدام هذه النقود بتجارتها البسيطة للاتجار في الورق، وإعادة تدويره في هونغ كونغ، لتصبح بعد ذلك أكبر مصدر لقصاصات الورق في الولايات المتحدة التي تقيم فيها الآن.
صنعت هذه السيدة ثروتها الضخمة من خلال شراء نفايات الورق الذي تقوم بإعادة تدويره، وتحويله الى ورق للتغليف. ما تزال تحتفط بـ72 في المئة من اسهم شركتها ناين دراجونزبيبر التي تعتبر اضافة كبيرة لصناعة الورق على مستوى العالم.

لا يوجد مشروع يحمل الصفة الاقتصادية الربحية
في الأردن لا يوجد مشروع تدوير نفايات يحمل الصفة الاقتصادية الربحية، فكلها مبادرات من مجموعات وأفراد؛ بسبب ضعف القوانين والأنظمة، واعتماد المشاريع على الميول التطوعية للمواطنين.
على سبيل المثال، هنالك جمعية البيئة الاردنية التي لديها اكثر من 250 شركة ومكتب تطوعي معد لإعادة التدوير التي تعمل على "انتيتي جرين" مع مجموعة من المنظمات في الاردن من أجل تأسيس مشاريع لإعادة التدوير منزليًا، وتتضمن هذه البرامج تدريبات، وورش توعية، ومشروع "بلو فيغ"، إذ قامت السفارة الهولندية بالتبرع بحاويات برتقالية اللون، ضمن برنامجهم لإعادة التدوير، المستقبل الأخضر للحلول المستدامة التي تعمل مع الفنادق والمنازل والشركات؛ من أجل جمع موادهم القابلة لإعادة التدوير، ويقبلون جميع أنواع المواد القابلة لإعادة التدوير: ورق، علب ألومنيوم، معادن، بلاستيك.
باستثناء حالات نادرة، فمثلًا يتم جمع المواد المعدنية "الحديد"، ويتم إعادة تصدير بعضه للخارج، وإعادة تصنيع جزء آخر في الداخل، أما الألمنيوم فيتم تصديره لإعادة استخدامه خارجًا، منتجات الورق المقوى يتم إرسالها إلى الزرقاء، أو المفرق ليعاد تدويرها ليستعمل كمناديل ورقية أو كورق معاد تدويره.

2300 طن يوميًا
وتتفاوت كميات النفايات التي تجمع من كافة الأقاليم حسب الكثافات السكانية في المناطق؛ إذ تصل الى نحو 500 طن يوميًا في الإقليم الأول، وإلى 200 طن في الإقليم السادس، بينما المعدل العام للجميع يصل إلى 2300 طن يوميًا.
دراسات بيئية أجرتها أمانة عمان الكبرى أكدت أن 45 في المئة من سكان مدينة عمان سيكونون في عام 2022 قادرين على فرز وتدوير نفايات المنازل.
تشير الدراسة إلى أنه في حال تعود العمّانيون على الفرز والتدوير، فسيتم تخفيض المبالغ المصروفة من قبل الأمانة على النفايات بمعدل الثلث تقريبا؛ إذ إنها تنفق حاليًا 26 مليون دينار سنويا على النظافة، بينما تسترد من المواطنين نحو 15 مليون دينار؛ أي إن معدل الإنفاق الكلي هو 9 ملايين دينار.
وقالت الدراسة إنه في العام ذاته، وجراء "الفرز والتدوير"، فإن كمية النفايات المجموعة ستقل بمعدل الثلث، مشيرة إلى أن عمان تخرج يوميًا ما مجموعه 2200 طن من النفايات.
ليس المشروع الوحيد، فمثلا تنوي أمانة عمان الكبرى ووزارة الطاقة والثروة المعدنية ومشروع تطوير قدرات قطاع الطاقة الممول من الوكالة الامريكية للتنمية الدولية، خلال أشهر إطلاق مشروع تطوير قدرات قطاع الطاقة لاستغلال النفايات للأغراض المختلفة.
المشروع يأتي ضمن في تحويل النفايات الى مصادر بديلة للطاقة، والبحث عن الفرص المتاحة لفرز النفايات وتدويرها، وإعادة استغلالها واستثمارها؛ بهدف تحويلها الى مصادر بديلة للطاقة كالطاقة الكهربائية والوقود الصناعي.
حاليًا هنالك أكثر من 1000 صندوق اعادة تدوير "صناديق زرقاء" حول عمان وزعت من قبل امانة عمان الكبرى من اجل برنامج اعادة التدوير "البرنامج التجريبي".
الصناديق موجودة في: غرب منطقة ام اذينة وفي وادي السير.

أول مشروع لإعادة التدوير
أول مشروع لإعادة التدوير بدأ تنفيذه من قبل جمعية البيئة الأردنية عام 1994، وما تزال الجمعية حتى الآن هي المنظمة الأهلية الأكثر نشاطًا في هذا المجال. وقد تم خلال المشروع جمع الورق المستخدم من المؤسسات الحكومية والمدارس والهيئات الدبلوماسية، وإرساله إلى مصنع الورق والكرتون الذي يعمل على إعادة تدويره، وبيعه في الأسواق المحلية والعربية المجاورة.
وبحسب الإحصاءات المتوفرة لدى الجمعية، فإن نحو 300 أسرة تعتمد في دخلها على جمع الورق المستعمل. وبالرغم من عدم وجود أرقام حقيقية تعكس واقع الفرز والتدوير للنفايات، فإن تقديرات أولية تبين أنه يتم جمع بين 35 و40 في المئة من نفايات البلاستيك، و15 في المئة من نفايات الكرتون، و10 في المئة من مخلفات المعادن كالحديد والألمنيوم.
ويتم جمع نحو 20 في المئة من المخلفات الزجاجية، وهناك الكثير من مخلفات المسالخ التي تدخل في صناعة الاعلاف، أو يتم استخدامها بشكل مباشر في زيادة خصوبة التربة، وهناك بعض المواد التي يعاد استخدامها مباشرة مثل عبوات المشروبات الغازية الزجاجية.
لكن تبقى النفايات محط اهتمام من ينبشون الحاويات في الليل والنهار، فهم يعتبرون أنها أصبحت مهنة مجزية قبل أن تتحول من عوز بسبب الفقر والحاجة، وتبقى مشاريع التدوير في إطار التطوع؛ علها تصبح يومًا مثل ذلك الذي بلغته "ملكة النفايات" الصينية.

(السبيل)
تابعو الأردن 24 على google news