jo24_banner
jo24_banner

الجديد المتحرك في الملف النووي الايراني

د. مكرم خوري مخوّل
جو 24 : اهم ملفات الصراع الحية الدائرة ما بين حلف شمال الاطلسي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية وبين دول البريكس بقيادة روسيا الاتحادية (روسيا، الصين، البرازيل، الهند وجنوب افريقيا) ومن يساندهما طوعا، مصلحة او اكراها هو المشروع النووي الايراني. هذا الملف الريادي غير منفصل عن الملفات الاخرى لان كل الملفات عابرة لحدود البلدان ومرتبطة بعضها ببعض. ذلك لان عملية اتخاذ القرارات السياسية في العلاقات الدولية تستند على قواعد التجارة الدولية وان شئتم الملاحة على سبيل المثال.
هي معادلة تحسب الربح والخسارة والتعويض والمخاطر والتكلفة ونتائج العملية والخلاصة كمنصة وثب للسير قدما. وهذا تماما الفرق ما بين فلسفة السياسة وفلسفة الاخلاق وما بين العلوم السياسية والسياسة كحرفة بالتحديد حيث قلما توجد اخلاق في المعادلات السياسية التي هي عبارة عن سلسلة من ادارة ازمات متعددة ومستمرة يهدف فيها كل طرف الى تحقيق المكتسبات وتقليل خساراته على جميع الاصعدة .
من يتابع صيرورة الملف النووي الايراني يعي تماما ان هناك صعوبة في حسمه وذلك لان معادلات الصراعات في بؤر متعددة في مناطق مختلفة في العالم ما زالت ملتهبة (مثل سوريا واوكرانيا) مما يدفع الطرفين لتسخير كل المهارات وتجريب كل الطرق لتحسين مواقفهما في ملفات اخرى (منها الفرعية) لكسب نتائج افضل في ملفات اخرى وذلك وفقا للاولوية التي يضعها هذا الجانب او ذاك.
يشار الى ان الضخ الاعلامي في العقود الاخيرة صوّر للرآي العام ان امريكا وايران عدوتان لدودتان. لنفترض ان هذه هي الحقيقة في امر الواقع (ولو لفترات متقطعة) الا ان الملف النووي الايراني والضغوطات العالمية على ايران، رغم انها لم تكسرها، ادت الى تبني ايران ولو لمرحلة قصيرة (او اطول؟) سياسة 'الواقعية السياسية' ( Realpolitik ) التي تشير الى ان السياسة (بما فيها الدبلوماسية) تستند الى 'علاقات قوة' تكون حساباتها عملية باردة وليست ايديولوجيا ملتهبة وهو ما يسمى احيانا بـ 'المكيافيلية' وفقا للفيلسوف الايطالي نيقولا مكيافيلي ( 1469-1527).
سياق الوارد اعلاه يتعلق بمعلومات وصلتني مفادها ان بعض مسارات المفاوضات ما بين ايران والولايات المتحدة غير المعلنة هو ان ايران (وذلك للخروج من الازمة وتحويلها الى نجاح) تحاول اقناع امريكا (واسرائيل عبر امريكا) انه آن الاوان وضع الحلفاء العرب الخليجيين في المقاعد الخلفية وبدلا من ذلك التحالف مع ايران في معادلة (تشمل تقسيم وظيفي جديد) سترسم الشرق الاوسط من جديد وذلك ليس بالضرورة لخدمة حكام الخليج العربي. ان حصل ذلك، فهذا سيمنح ايران قوة جديدة في ملفات اخرى متعددة (بما في ذلك سوريا) لقاء تقديم تنازلات في المشروع النووي الايراني ويمنح ايران دورا رياديا مع حلف الشمال الاطلسي لادارة الامور في العالم العربي بعد فشل تجربة الاخوان المسلمين. بكلمات اخرى، الدول التي ستسيطر على المنطقة ستكون دولا غير عربية: اسرائيل، تركيا وايران وبتعاون شمال اطلسي بالتحديد ولكن في اطار تفاهمات مع دول 'البريكس' وروسيا الاتحادية بشكل خاص. لكن اين سيضع هذا التحرك سوريا (التي هي حليفة ايران) والازمة فيها في حال نجاح هذا السيناريو؟ في تلك الحالة، ولكي لا يتم تصوير ايران على انها تخلت عن حليفتها، الجمهورية العربية السوريه، وبما ان بعض التنازلات التي ستقدمها ايران سيخدم حل الازمة السورية، سيكون المخرج (او بند من الصفقة الاوسع) احياء 'وديعة رابين'، اي الانسحاب من الجولان السوري المحتل اسرائيلياُ بالكامل (ولربما بترتيبات اقتصادية معينة) للجمهورية العربية السورية.
معنى هذه المعادلات ان تقاطع المصالح سينشئ تفاهمات مباشرة وغير مباشرة ما بين ايران واسرائيل (شبيهة بالتفاهمات عديدة ما بين دول الخليج واسرائيل). عاطفيا، سيتساءل البعض بشكل صادق او ساذج: 'اين القيم'؟ و'العروبة'؟ و'الاسلام'؟
لكن منذ متى تسير الامور في العلاقات الدولية وفقا للعواطف او الاثنية او الدين رغم انه يتم تصويرها لنا كذلك؟ فالدين والطائفية والمذهبية ما هي الا ادوات في الصراعات تستعمل لتحشيد شرائح مجتمعية بعد غسيل ادمغتها وجعلها فريسة (ضحية) سهلة لتحقيق الاهداف الاكبر. وبالتأكيد تدار النزاعات وفقا للمصالح الباردة، والا فكيف يمكن فهم تصريح افراد من آل سعود انه في حالة نشوب حرب ما بين اسرائيل (اليهودية الصهيونية) وايران (الاسلامية) فستقف السعودية مع اسرائيل؟ صحيح ان فهم الواقع يخفف من خيبة الامل... لكن هل ستشمل صفقة المشروع النووي فلسطين ايضاً؟ قد اعود اليكم !



* الكاتب أستاذ قسم الاعلام في جامعة كامبريدج
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير