تغيير المالكي ليس حلا فكيف مع بقائه؟!
ياسر الزعاترة
جو 24 : تدور المساومات الراهنة في العراق حول قضية المالكي وبقائه في السلطة، سواءً كانت مساومات داخلية أم مساومات مع الأمريكان وسواهم من العرب المعنيين بالملف، فيما لا تظهر إيران حتى الآن قدرا من المرونة فيما يتصل برحيله، ربما لأنها تدرك أن إعطاء إشارة صريحة من هذا النوع إنما تعني تراجعا يصيب هيبتها، فيما يبدو واضحا أن الملف العراقي يختلف عن الملف السوري من حيث مواقف الداخل الإيراني بين الإصلاحيين والمحافظين، ففي سوريا يختلفون، لكنهم فيما خصّ الشأن العراقي متفقون على إبقاء البلد تحت الوصاية الإيرانية، وهذا مفهوم لجهة ما يعنيه الأخير من خاصرة حيوية لإيران، فيما لا تشكل سوريا سوى جزءٍ من مشروع إقليمي لا يبدو الإصلاحيون على قناعة بالتضحية كثيرا من أجل بقاء بشار، بخاصة أن إمكانية بقائه على المدى المتوسط والبعيد تبدو شبه مستحيلة.
في السياق الشيعي العراقي يمكن القول إنه ورغم توحد الجميع خلف المواجهة مع “الدولة الإسلامية” رغم ما بين رموزهم من خلافات كبيرة، بل وعميقة، إلا أنهم يحمِّلون المالكي مسوؤلية التدهور، وهم معنيون بانسحابه من الحياة السياسية كمسار لإنقاذ الوضع، وهذا ما دفعهم إلى تسمية مرشحين آخرين، فيما ذهب مقتدى الصدر إلى توجيه دعوة مؤدبة للمالكي تناشده عدم الترشح، هو الذي قال فيه سابقا ما لم يقله مالك في الخمر، بل كان أشد عليه عمليا من جميع رموز السنة في العملية السياسية.
المصيبة أن أكثر رموز العرب السنة في العملية السياسية كانوا ولا يزالون يعانون من خفة استثنائية، إذ لا يعبرون بقدر لائق عن هموم الفئة التي ينتمون إليها، وهم حين يذهبون نحو البرلمان لإيجاد حل سياسي، فإنما يعترفون لأنفسهم ومن يزعمون تمثيلهم بسقف سياسي منخفض جدا، لاسيما أنهم لا يشكلون سوى أقلية في البرلمان الذي انتخب في ظل عدم قناعة العرب السنة بالعملية، وفي ظل حرب كان المالكي يشنها على الأنبار، الأمر الذي تسبب في تراجع تمثيلهم إلى نصف ما كان عليه في برلمان 2010 تقريبا.
من هنا، فإن الحوار على أسس الحل لا ينبغي أن ينطلق من الاعتراف بشرعية البرلمان الحالي، وإنما بالحديث عن حكومة إنقاذ وطني تشكل مدخلا لهيكلة جديدة للعملية السياسية، تليها انتخابات جديدة، ومن دون ذلك سيكون السقف منخفضا دون شك.
الأهم من ذلك هو أن التوصل إلى حل سياسي بائس للعرب السنة، إنما يعني أنهم سيواصلون رفضهم، ومن ثم انحيازهم لمن يشعرون أنه يدافع عنهم أكثر، ويتحدى من يقمعهم ويهمّشهم، أعني “الدولة الإسلامية”، ومن ينسجمون معها من المسلحين الآخرين؛ فصائل وعشائر، والنتيجة هي استمرار الحرب الدائرة بين الطرفين، وبقاء العملية السياسية على الهامش بلا أية قيمة تذكر.
ما ينبغي أن يقال أيضا هو أن ركون سياسيي العرب السنّة إلى الدعم الكردي، إنما يعني جهلا بالواقع السياسي وبالمزاج العام في الوسط الكردي، أقله قيادتهم التي لا ترى في الحرب ولا في السلم أو الصفقة التالية إلا تكريسا للواقع الجديد بعد احتلال كركوك ومناطق أخرى يراها قادة الأكراد جزءا من دولتهم، وهم يتحركون وعينهم على تثبيت الواقع الراهن، وصولا إلى الاستقلال الكامل في حال جرى تقسيم البلد برمته، ولذلك فهم يساومون الكتلة الشيعية والمالكي وإيران على الإبقاء على مكاسبهم الحالية، لاسيما أن إيران لا تحبذ الانفصال، تماما كما تركيا، لأن لكليهما مشكلة مع الأكراد الذين يعيش جزء منهم في البلدين.
لذلك كله، نقول إن على رموز العملية السياسية من العرب السنة أن لا يكرروا أخطاء الماضي، وعليهم أن يستثمروا الوضع القائم في تحقيق مكاسب حقيقية تعيد للمكون العربي السني حضوره في الواقع العراقي، أما الركون إلى المالكي أو سواه، فضلا عن الأكراد، فهو يعني تضييع الفرصة، من دون أن يعني ذلك تقليلا من دور المكون الشيعي الذي سيبقى الأهم بسبب أفضليته الديغرافية النسبية.
كل ذلك لا يدخل طبعا في حسابات تنظيم الدولة الذي يرى أنه أقام الخلافة، لكن الوضع العسكري ليس ثابتا، وسيعتمد بالضرورة على تطور السلاح في يد المالكي من جهة، وعلى التدخل الأمريكي من جهة أخرى، لكن حسما للمعركة لن يتم ما لم يقتنع العرب السنّة بجدوى ترك السلاح، وهم لن يقتنعوا ما لم يروا ضمانات لهيكلة جديدة للعملية السياسية، لاسيما أنهم سبق وعولوا على العملية السياسية ولم يحصدوا سوى المزيد من الإقصاء والتهميش.
ما يظهر عمليا في الأفق هو بقاء حالة المراوحة، بين من ينخرطون في العملية السياسية، وبين من يحملون السلاح، لاسيما أن الارتباط وثيق بين الوضعين السوري والعراقي، وهو ما يعني استمرار نزيف إيران حتى التعب والإرهاق، وتجرع كأن السم، والقبول بتسوية إقليمية لكل الملفات العالقة مع تركيا ومع العرب. والمؤسف أن ذلك لا يبدو وشيكا.
الدستور
في السياق الشيعي العراقي يمكن القول إنه ورغم توحد الجميع خلف المواجهة مع “الدولة الإسلامية” رغم ما بين رموزهم من خلافات كبيرة، بل وعميقة، إلا أنهم يحمِّلون المالكي مسوؤلية التدهور، وهم معنيون بانسحابه من الحياة السياسية كمسار لإنقاذ الوضع، وهذا ما دفعهم إلى تسمية مرشحين آخرين، فيما ذهب مقتدى الصدر إلى توجيه دعوة مؤدبة للمالكي تناشده عدم الترشح، هو الذي قال فيه سابقا ما لم يقله مالك في الخمر، بل كان أشد عليه عمليا من جميع رموز السنة في العملية السياسية.
المصيبة أن أكثر رموز العرب السنة في العملية السياسية كانوا ولا يزالون يعانون من خفة استثنائية، إذ لا يعبرون بقدر لائق عن هموم الفئة التي ينتمون إليها، وهم حين يذهبون نحو البرلمان لإيجاد حل سياسي، فإنما يعترفون لأنفسهم ومن يزعمون تمثيلهم بسقف سياسي منخفض جدا، لاسيما أنهم لا يشكلون سوى أقلية في البرلمان الذي انتخب في ظل عدم قناعة العرب السنة بالعملية، وفي ظل حرب كان المالكي يشنها على الأنبار، الأمر الذي تسبب في تراجع تمثيلهم إلى نصف ما كان عليه في برلمان 2010 تقريبا.
من هنا، فإن الحوار على أسس الحل لا ينبغي أن ينطلق من الاعتراف بشرعية البرلمان الحالي، وإنما بالحديث عن حكومة إنقاذ وطني تشكل مدخلا لهيكلة جديدة للعملية السياسية، تليها انتخابات جديدة، ومن دون ذلك سيكون السقف منخفضا دون شك.
الأهم من ذلك هو أن التوصل إلى حل سياسي بائس للعرب السنة، إنما يعني أنهم سيواصلون رفضهم، ومن ثم انحيازهم لمن يشعرون أنه يدافع عنهم أكثر، ويتحدى من يقمعهم ويهمّشهم، أعني “الدولة الإسلامية”، ومن ينسجمون معها من المسلحين الآخرين؛ فصائل وعشائر، والنتيجة هي استمرار الحرب الدائرة بين الطرفين، وبقاء العملية السياسية على الهامش بلا أية قيمة تذكر.
ما ينبغي أن يقال أيضا هو أن ركون سياسيي العرب السنّة إلى الدعم الكردي، إنما يعني جهلا بالواقع السياسي وبالمزاج العام في الوسط الكردي، أقله قيادتهم التي لا ترى في الحرب ولا في السلم أو الصفقة التالية إلا تكريسا للواقع الجديد بعد احتلال كركوك ومناطق أخرى يراها قادة الأكراد جزءا من دولتهم، وهم يتحركون وعينهم على تثبيت الواقع الراهن، وصولا إلى الاستقلال الكامل في حال جرى تقسيم البلد برمته، ولذلك فهم يساومون الكتلة الشيعية والمالكي وإيران على الإبقاء على مكاسبهم الحالية، لاسيما أن إيران لا تحبذ الانفصال، تماما كما تركيا، لأن لكليهما مشكلة مع الأكراد الذين يعيش جزء منهم في البلدين.
لذلك كله، نقول إن على رموز العملية السياسية من العرب السنة أن لا يكرروا أخطاء الماضي، وعليهم أن يستثمروا الوضع القائم في تحقيق مكاسب حقيقية تعيد للمكون العربي السني حضوره في الواقع العراقي، أما الركون إلى المالكي أو سواه، فضلا عن الأكراد، فهو يعني تضييع الفرصة، من دون أن يعني ذلك تقليلا من دور المكون الشيعي الذي سيبقى الأهم بسبب أفضليته الديغرافية النسبية.
كل ذلك لا يدخل طبعا في حسابات تنظيم الدولة الذي يرى أنه أقام الخلافة، لكن الوضع العسكري ليس ثابتا، وسيعتمد بالضرورة على تطور السلاح في يد المالكي من جهة، وعلى التدخل الأمريكي من جهة أخرى، لكن حسما للمعركة لن يتم ما لم يقتنع العرب السنّة بجدوى ترك السلاح، وهم لن يقتنعوا ما لم يروا ضمانات لهيكلة جديدة للعملية السياسية، لاسيما أنهم سبق وعولوا على العملية السياسية ولم يحصدوا سوى المزيد من الإقصاء والتهميش.
ما يظهر عمليا في الأفق هو بقاء حالة المراوحة، بين من ينخرطون في العملية السياسية، وبين من يحملون السلاح، لاسيما أن الارتباط وثيق بين الوضعين السوري والعراقي، وهو ما يعني استمرار نزيف إيران حتى التعب والإرهاق، وتجرع كأن السم، والقبول بتسوية إقليمية لكل الملفات العالقة مع تركيا ومع العرب. والمؤسف أن ذلك لا يبدو وشيكا.
الدستور