مسـلسـل عمـر الفاروق
ياسر الزعاترة
جو 24 : أعلن الشيخ فيصل بن جاسم آل ثاني، ممثل المؤسسة القطرية للإعلام (تلفزيون قطر)، والمشرف على مسلسل “عمر” بن الخطاب أن المسلسل أصبح جاهزا للبث في شهر رمضان المقبل، الأمر الذي أثار بعض الجدل في الأوساط الإسلامية، وهو جدل كان قد اندلع منذ العام الماضي حين تم الإعلان عن الشروع في إنتاج المسلسل.
كاتب المسلسل هو الشاعر والمبدع المعروف الدكتور وليد سيف، صاحب التغريبة الفلسطينية، وكاتب العديد من المسلسلات المهمة، لاسيما تلك التي عالجت المرحلة الأندلسية. أما المخرج فهو حاتم علي الذي قدم للشاشة العديد من الأعمال المهمة التي التقى فيها مع وليد سيف، بما فيها التغريبة والسلسلة الأندلسية.
حين يلتقي وليد سيف وحاتم علي، فبوسعنا أن نتوقع عملا كبيرا ومهما يقدم الخليفة الثاني بالصورة اللائقة. لكن الأمر لا يتوقف عند ثقتنا بهذين المبدعين، بل يشمل تزكية للمسلسل من طائفة من العلماء الذين قرأوا النص، ومن بينهم الشيخ يوسف القرضاوي وسلمان العودة وأكرم ضياء العمري وقيس المبارك وعلي الصلابي وآخرون، وجميعهم كانت لهم ملاحظاتهم ولمساتهم، مع أن الدكتور وليد سيف ليس طارئا على قراءة التاريخ، ويمكن الوثوق بدقته أيضا.
الجانب الأهم من الجدل المثار حول المسلسل لا يتعلق بالمعالجة التاريخية، وإنما بالبعد المتعلق بجواز تمثيل الصحابة، وهي مسألة محدثة من دون شك حظيت بالكثير من الجدل في الأوساط الإسلامية منذ عقود، لاسيما بعد ظهور هذا النوع من الدراما التاريخية في التلفزيون والسينما. وقد برز الجدل على نحو أوضح عند إعداد فيلم الرسالة لمصطفى العقاد الذي انتهى إلى تجسيد شخوص الصحابة باستثناء الخلفاء الراشدين وآل بيت النبي عليه الصلاة والسلام.
في ذلك العمل تم تجاوز الحظر على تمثيل الصحابة باستثناء من ذكرنا، ثم جاء مسلسل الحسن والحسين ليقدم سبطي النبي عليه الصلاة والسلام، الأمر الذي شجع على تجاوز المنع في المسلسل الجديد فيما خصَّ الخلفاء الراشدين وبقية الصحابة. طبعا هذا الجدل كان محصورا في الوسط السني، بينما تجاوز الوسط الشيعي ذلك وصولا إلى تجسيد الأنبياء، وإن بقي الخلاف حول البعد الأخير، إلى جانب تجسيد أئمة آل البيت.
للقائلين بحرمة تجسيد كبار الصحابة (فضلا عن الأنبياء) رأيهم الذي يستحق الاحترام، لكن الواضح أن التاريخ سيتجاوز هذا الرأي في الشق المتعلق بالصحابة، تماما كما تجاوز أصحابه حرمة التلفزيون وأصبحوا نجوما في الفضائيات (كانوا يحرمون حتى التصوير)، وبالطبع بعدما ثبت أن تجسيدهم بشكل جيد لا يضر بصورتهم أبدا، بل ربما فعل العكس.
والحق أن القائلين بالحرمة لا يملكون دليلا مقنعا (أقله من وجهة نظر القائلين بالجواز)، لأن الأصل في الأشياء الإباحة. ثم إن تمثيل الصحابة يمنحهم المزيد من التأثير في النفوس عندما يكون الأمر متقنا، وإذا قيل إن ذلك قد يكون مناط إساءة في بعض الأحيان، فإن الأمر لا يختلف عن الرواية المكتوبة (فضلا عن التمثيل بالصوت)، والتي تتضمن الحسن والسيئ. ومن قال إن آلاف الروايات التي تسيء لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما في كتب الشيعة قد أساءت لمنزلتهما في نفوس عموم الأمة؟!
وإذا كان تمثيل نبي الله يوسف عليه السلام في مسلسل (يوسف الصديق) الإيراني قد قدمه في صورة رائعة لولا المبالغة في قصة “زليخة”، فإن الأمر لن يختلف في حال تمثيل أدوار كبار الصحابة، مع أننا لا نميل إلى تمثيل أدوار الأنبياء، مع قناعتنا بأن الإساءة ليست حتمية، وتعتمد على الجهات التي تنتج العمل وتنفذه.
عندما يجتمع وليد سيف وحاتم علي، ويجيز السيناريو عدد من كبار العلماء، فأية إساءة يمكن للعاقل أن يتخيلها في عمل كهذا؟ إنني أجزم أن العمل سيقدم الخليفة الثاني بصورة قد تتجاوز النصوص المتاحة، لا أعني عند الشيعة، وإنما عند السنة، لاسيما أن العمل يتجاوز حياة البطل إلى الظلال الإنسانية والحضارية للمرحلة برمتها.
ميزة هذه الأعمال أنها تجعل التاريخ في متناول الناس العاديين، بمن فيهم الأجيال الجديدة التي تتراجع عندها عادة القراءة، فكيف حين يوضع في سياق من الرؤية الحضارية والإنسانية التي تنطوي على معالجة ضمنية لقضايا الحاضر أيضا؟
من المؤكد أننا سنعثر على قدر من الغث في المعالجات الدرامية لسيرة الصحابة، لكن السوق سيحكم عليها. وقد رأينا الفارق بين تنفيذ ذات نص النكبة الفلسطينية لوليد سيف، بين مسلسل “الدرب الطويل”، مقابل معالجته في “التغريبة”، ما يعني أن النص والإخراج يكملان بعضهما بعضا.
خلاصة القول إن التشدد في مسألة تمثيل الصحابة لا يبدو صائبا، وقد وقع ذلك في فيلم الرسالة لعدد منهم، مثل حمزة، عم النبي عليه الصلاة والسلام وبطل بدر وأحد، وعمار بن ياسر وبلال وسلمان، ولم يقل عاقل أن الأمر قد انطوى على إساءة لأي منهم، كما لم يجر الخلط بينهم وبين الممثلين كما يذهب البعض في سياق الرفض والاعتراض. وهذه القضية الأخيرة هي العنوان الأبرز للرافضين، لكنها لا تبدو مقنعة، فقد قدمت هوليود السيد المسيح في فيلم “آلام المسيح” مثلا ولم يجر الخلط بينه وبين الممثل، وكذلك الأمر في فيلم الرسالة والمسلسلات التي قدمت عددا من الصحابة.
عموما لا يخلو الأمر من بعض الملاحظات، لكن المسائل المحدثة تقرأ من كل الوجوه، وفي ظني أن الخير في هذا الأمر سيكون أكبر بكثير مما عداه، وعموما هي مسألة يسعها الخلاف ولا ينبغي لطرف أن يشنع على الآخر، فضلا عن أن يتهمه في دينه.الدستور
كاتب المسلسل هو الشاعر والمبدع المعروف الدكتور وليد سيف، صاحب التغريبة الفلسطينية، وكاتب العديد من المسلسلات المهمة، لاسيما تلك التي عالجت المرحلة الأندلسية. أما المخرج فهو حاتم علي الذي قدم للشاشة العديد من الأعمال المهمة التي التقى فيها مع وليد سيف، بما فيها التغريبة والسلسلة الأندلسية.
حين يلتقي وليد سيف وحاتم علي، فبوسعنا أن نتوقع عملا كبيرا ومهما يقدم الخليفة الثاني بالصورة اللائقة. لكن الأمر لا يتوقف عند ثقتنا بهذين المبدعين، بل يشمل تزكية للمسلسل من طائفة من العلماء الذين قرأوا النص، ومن بينهم الشيخ يوسف القرضاوي وسلمان العودة وأكرم ضياء العمري وقيس المبارك وعلي الصلابي وآخرون، وجميعهم كانت لهم ملاحظاتهم ولمساتهم، مع أن الدكتور وليد سيف ليس طارئا على قراءة التاريخ، ويمكن الوثوق بدقته أيضا.
الجانب الأهم من الجدل المثار حول المسلسل لا يتعلق بالمعالجة التاريخية، وإنما بالبعد المتعلق بجواز تمثيل الصحابة، وهي مسألة محدثة من دون شك حظيت بالكثير من الجدل في الأوساط الإسلامية منذ عقود، لاسيما بعد ظهور هذا النوع من الدراما التاريخية في التلفزيون والسينما. وقد برز الجدل على نحو أوضح عند إعداد فيلم الرسالة لمصطفى العقاد الذي انتهى إلى تجسيد شخوص الصحابة باستثناء الخلفاء الراشدين وآل بيت النبي عليه الصلاة والسلام.
في ذلك العمل تم تجاوز الحظر على تمثيل الصحابة باستثناء من ذكرنا، ثم جاء مسلسل الحسن والحسين ليقدم سبطي النبي عليه الصلاة والسلام، الأمر الذي شجع على تجاوز المنع في المسلسل الجديد فيما خصَّ الخلفاء الراشدين وبقية الصحابة. طبعا هذا الجدل كان محصورا في الوسط السني، بينما تجاوز الوسط الشيعي ذلك وصولا إلى تجسيد الأنبياء، وإن بقي الخلاف حول البعد الأخير، إلى جانب تجسيد أئمة آل البيت.
للقائلين بحرمة تجسيد كبار الصحابة (فضلا عن الأنبياء) رأيهم الذي يستحق الاحترام، لكن الواضح أن التاريخ سيتجاوز هذا الرأي في الشق المتعلق بالصحابة، تماما كما تجاوز أصحابه حرمة التلفزيون وأصبحوا نجوما في الفضائيات (كانوا يحرمون حتى التصوير)، وبالطبع بعدما ثبت أن تجسيدهم بشكل جيد لا يضر بصورتهم أبدا، بل ربما فعل العكس.
والحق أن القائلين بالحرمة لا يملكون دليلا مقنعا (أقله من وجهة نظر القائلين بالجواز)، لأن الأصل في الأشياء الإباحة. ثم إن تمثيل الصحابة يمنحهم المزيد من التأثير في النفوس عندما يكون الأمر متقنا، وإذا قيل إن ذلك قد يكون مناط إساءة في بعض الأحيان، فإن الأمر لا يختلف عن الرواية المكتوبة (فضلا عن التمثيل بالصوت)، والتي تتضمن الحسن والسيئ. ومن قال إن آلاف الروايات التي تسيء لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما في كتب الشيعة قد أساءت لمنزلتهما في نفوس عموم الأمة؟!
وإذا كان تمثيل نبي الله يوسف عليه السلام في مسلسل (يوسف الصديق) الإيراني قد قدمه في صورة رائعة لولا المبالغة في قصة “زليخة”، فإن الأمر لن يختلف في حال تمثيل أدوار كبار الصحابة، مع أننا لا نميل إلى تمثيل أدوار الأنبياء، مع قناعتنا بأن الإساءة ليست حتمية، وتعتمد على الجهات التي تنتج العمل وتنفذه.
عندما يجتمع وليد سيف وحاتم علي، ويجيز السيناريو عدد من كبار العلماء، فأية إساءة يمكن للعاقل أن يتخيلها في عمل كهذا؟ إنني أجزم أن العمل سيقدم الخليفة الثاني بصورة قد تتجاوز النصوص المتاحة، لا أعني عند الشيعة، وإنما عند السنة، لاسيما أن العمل يتجاوز حياة البطل إلى الظلال الإنسانية والحضارية للمرحلة برمتها.
ميزة هذه الأعمال أنها تجعل التاريخ في متناول الناس العاديين، بمن فيهم الأجيال الجديدة التي تتراجع عندها عادة القراءة، فكيف حين يوضع في سياق من الرؤية الحضارية والإنسانية التي تنطوي على معالجة ضمنية لقضايا الحاضر أيضا؟
من المؤكد أننا سنعثر على قدر من الغث في المعالجات الدرامية لسيرة الصحابة، لكن السوق سيحكم عليها. وقد رأينا الفارق بين تنفيذ ذات نص النكبة الفلسطينية لوليد سيف، بين مسلسل “الدرب الطويل”، مقابل معالجته في “التغريبة”، ما يعني أن النص والإخراج يكملان بعضهما بعضا.
خلاصة القول إن التشدد في مسألة تمثيل الصحابة لا يبدو صائبا، وقد وقع ذلك في فيلم الرسالة لعدد منهم، مثل حمزة، عم النبي عليه الصلاة والسلام وبطل بدر وأحد، وعمار بن ياسر وبلال وسلمان، ولم يقل عاقل أن الأمر قد انطوى على إساءة لأي منهم، كما لم يجر الخلط بينهم وبين الممثلين كما يذهب البعض في سياق الرفض والاعتراض. وهذه القضية الأخيرة هي العنوان الأبرز للرافضين، لكنها لا تبدو مقنعة، فقد قدمت هوليود السيد المسيح في فيلم “آلام المسيح” مثلا ولم يجر الخلط بينه وبين الممثل، وكذلك الأمر في فيلم الرسالة والمسلسلات التي قدمت عددا من الصحابة.
عموما لا يخلو الأمر من بعض الملاحظات، لكن المسائل المحدثة تقرأ من كل الوجوه، وفي ظني أن الخير في هذا الأمر سيكون أكبر بكثير مما عداه، وعموما هي مسألة يسعها الخلاف ولا ينبغي لطرف أن يشنع على الآخر، فضلا عن أن يتهمه في دينه.الدستور