حرب غزه عملية سياسية
قصة الحرب على غزة ليست صنيعة حماس، ولا فتح، ولا الجهاد الإسلامي. إنها حتمية. الحرب الحالية تتوقف بعدما ينفد صبر الإسرائيليين من العيش في الملاجئ. لكن الحرب ستعود لأن وقف إطلاق النار سيُبقي الحصار القاسي على غزة وسكانها، مدعوماً من العالم الغربي وخاصة الولايات المتحدة .
غزه تتعرض اليوم لهجمه شرسه من شذاذ الافاق واعداء الانسانية وكانت قد تعرضت إلى عدوان مماثل من قبل اكثر من مرة ولم يكن المحيط بها أكثر فاعلية أو حضوراً في الوقوف امام العدوان الغاشم ولم يلحظوا أن إرهاب الدولة الذي مارسته إسرائيل وأميركا في الحروب وهو أحد الأسباب الرئيسية لتلك الظاهرة الجهادية غير العاقلة أصلاً والمنبعثة عن شعور بفيض الكأس من مظالم العالم والرغبة في تدميره .
فالعدوان على غزة ليس مجرد عملية تأديبية أو عقابية من زاوية إسرائيل لجهة سياسية بعينها، بل هي عملية سياسية أولية لفرض حلول تصفوية تلقي بثقل القضية الفلسطينية على العرب مجدداً.
وأن يخرج الثعلب نتنياهو معلناً أن العالم معه في هذه الحرب وأن يأخذ وقته في هذه المهمة الإجرامية القذرة، هذا يعني فعلاً أن القيادات العربية لم تتخلّ فقط عن مصالحها الوطنية ومصالح شعوبها، بل فقدت الانتماء إلى الثقافة الإنسانيةولا يمكن تبرير أي موقف سياسي لا يأخذ بالاعتبار المأساة الإنسانية في غزة المحاصرة التي تفتقد إلى الغذاء والدواء والماء والكهرباء. هذا العقاب الجماعي الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني وخاصة في غزة يراكم خيارات من العنف لن تساعد أبداً على إنتاج حلول سياسية في الحاضر والمستقبل .
عام 1993 قبل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات «غزة وأريحا أولاً» كخطوة أولى نحو اتفاق على دولة فلسطينية مستقلة سيدة بعد خمس سنوات. وبينما استطاع إعطاء قطاع غزة في التسعينيات الأمن والاستقرار، فشل الرئيس الفلسطيني الراحل في إقناع الدول المانحة بالعمل على جعله «هونغ كونغ» المنطقة. كانت المساعدات الإنمائية الدولية عامة، والعربية خاصة، للسلطة الفلسطينية جد ضئيلة، فلم تفلح في تحسين الوضع الاقتصادي للقطاع.
كما وأدرك الرئيس عرفات أن مفتاح استقرار غزة هو التنمية الاقتصادية، فطالب بإقامة منطقة صناعية على الحدود مع إسرائيل تعطي سكان غزة انطلاقة للالتحاق بالاقتصاد العالمي أدرك ياسر عرفات بأن قطاع غزة المحروم من موارد طبيعية عندما وُقع اتفاق أوسلو عام 1993 كان يقطن القطاع حوالي تسعمئة ألف نسمة على مساحة تقارب 300 كيلومتر مربع، مقارنة بسكانه اليوم البالغ عددهم مليوناً وثمانمئة ألف نسمة في بلدات وقرى مكتظة بالسكان، بكثافة هي الأعلى في العالم. موارد القطاع المائية الجوفية شحيحة، وبدأت ملوحتها ترتفع بسبب شح الأمطار والاستعمال الكثيف، وبالأخص خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي، حيث كانت المستوطنات التي سكنها حوالى عشرة آلاف إسرائيلي من 1967 إلى 2005، تستهلك وقتها أكثر من نصف المياه المستخرجة.
لم تكتفِ إسرائيل، بعد تفكيك مستوطناتها في غزة، بحصار عادي، إنما فرضت عليها حصاراً قاسياً شمل منع تصدير المواد بحراً وبراً واستيرادها، وحصرها بالمرافئ الإسرائيلية، وحرّمت على صيادي السمك الفلسطينيين الإبحار، وضغطت على مصر لإقفال الممرات بين سيناء المصرية وقطاع غزة، كما منعت استيراد الاسمنت لإعادة تعمير ما تهدمه القوات الإسرائيلية في الحروب المستمرة.
فعلت إسرائيل كل ذلك لحماية أمنها، مبررة قرارها أن الحصار يمنع تهريب السلاح إلى غزةو برغم فشلها أمنياً.
فوقعت الحرب بين الدولة العبرية وغزة في أواخر العامين 2008 و2012، وانتهت كلتاهما بوقف إطلاق النار. ا.
إن الطريق إلى السلام هو تماماً عكس ذلك. لن يتحقق أمن إسرائيل بإفقار مليوني فلسطيني في قطاع غزة، ولن يتحقق ما دام معدل الدخل القومي للفرد في إسرائيل يزيد عن ثلاثين ألف دولار، بينما الرقم لسكان غزة يقل عن ألف دولار. لا تحتاج غزة إلى حصار، إنما إلى خطة إنقاذ إنمائية تعيدها إلى العالم الذي انفصلت عنه العام 1948.
في غياب ذلك تتجدد الحرب خاصة، ان العرب، كل العرب، مشغولون بمحاربة بعضهم البعض وتقويض سيادتهم وتقسيم دولهم، والحفاظ على عروشهم المهتزة
غزه لا تطلب الآن الكثير من العرب بل تريد موقفاً سياسياً من العدوان يسهم العرب في رفع الحصار عنها لا أن يكونوا جزءاً منه فغزة ليست قضية تعالج بديبلوماسية صامتة وبمبادرات خرساء ولا بهذا المستوى من الخضوع والانتظار لعطف دولي من هنا أو هناك. إن جزءاً من التشدد الإسرائيلي والانفلات من أية ضوابط للعدوان، والقتل والتدمير المنهجيين، يعود إلى هذا الخنوع إن لم يكن التواطؤ العربي.
وها انا اتساءل مثل غيري من العرب الاشراف عن غزه وشعبها البطل ومايجري هناك وعن الاسرار التي تحيط بتلك البقعه ومن عليها فاحتار كما يحتار قلمي وقد وصلنا الى نقطه تفاهم على سؤال كبير يحتاج الى وقفه
هو هل العدوان الإسرائيلي وخلفه الموقف الأميركي بدايه لصوغ تسوية أو فرض حل على الشعب الفلسطيني من بين احتمالاته تكريس المعادلة الراهنة على الأرض وتدعيمها بتوافقات إقليمية؟
فحين تتحول المسألة إلى مطلب "حماية وجود الشعب الفلسطيني" نكون قد ابتعدنا كثيراً عن تسوية الدولتين، ومع ذلك لا يلقى هذا المطلب استجابة من مجتمع دولي يخضع للرؤية الإسرائيلية.
ام هذا هو الحل التصفوي أم انه الخطوة الضرورية لإعادة ربط المسار الفلسطيني بما سيحصل لدول وكيانات المنطقة وجغرافيتها السياسية؟
أليست المعطيات الحاصلة على الأرض تشير إلى حل إسرائيلي يعيد إلحاق ما يبقى من الضفة بالأردن، وقطاع غزة بمصر وان ذلك يصير مع الوقت أمراً واقعاً عبر إضعاف مقوّمات الاستقلال الفلسطيني وذهاب الأوضاع العربية لا سيما المحيطة بفلسطين إلى حال التفكك والاهتراء؟.
إن مسار القضية الفلسطينية يدل على ذلك حيث تلازمت إخفاقاتها مع ظهور الحركات السياسية الأكثر جذرية وتطرفاً ومنها واقع غزة. الأمر محسوم بالنسبة لإسرائيل والغرب حجم الكراهية والحقد العربيين سواء حملته البيانات السياسية أم شهادات عائلات الضحايا. لكن أن يشعر معظم الشعوب العربية بهذا التخلي عنهم من دولهم وأنظمتهم وقياداتهم وأن يكون مطلب هذه الواجهة السياسية رضى أميركا والغرب وعدم مواجهة إسرائيل فإن هؤلاء الغرباءفي أرضهم وأوطانهم ليسوا مادة ثورات فقط بل العنف الذي تزعم واجهات العرب السياسية أنه مستورد.