التهويل في ظاهرة الجهاديين الغربيين
ياسر الزعاترة
جو 24 : قبل أيام نقلت صحيفة “التايمز” البريطانية تحذيرات أمنيين غربيين من “تزايد دور الجهاديين الغربيين الذين يقاتلون تحت راية تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في عمليات الذبح والقتل التي يرتكبها التنظيم سواء ضد من يرفضون اتباع أوامره من المواطنين والأقليات إلى الأجانب الذين يختطفهم”، وطوال الأيام الماضية لم يتوقف الإعلام البريطاني عن ملاحقة الظاهرة والتحذير منها، مع تباين في الحديث عن أسبابها وجذورها.
لا يمضي يوم إلا وتعثر في الصحافة البريطانية أو الفرنسية أو الألمانية وعموم الغربية، فضلا عن الأمريكية على تحذيرات من هذا النوع، مع سرد قصص لجهاديين غربيين ينشطون في صفوف الدولة الإسلامية في العراق والشام (يضيفون النصرة أيضا رغم الفارق بين التنظيمين)، وحيث تتفاوت تقديرات تلك الصحف بشأن أعدادهم على نحو لافت، بين من يراه مئات، وبين من يرفع الرقم إلى آلاف، الأمر الذي يكشف نوايا البعض تضخيم الظاهرة بكل وسيلة ممكنة.
قبل أيام أيضا كتب رئيس الوزراء البريطاني مقالا عن دور بلاده المقبل في العراق ضد “الدولة الإسلامية” في معرض تسويقه شعبيا، فكان أن ركز على أن ذلك التدخل يشكل ضرورة من أجل الحيلولة دون انتقال الإرهاب إلى شوارع بريطانيا.
والحال أن أهل الرأي يدركون أن “كاميرون” لم يقل الحقيقة، وأن تدخله المقبل (وربما القائم) في العراق لا صلة له بالمخاوف المشار إليها، لأن التدخل يزيدها ولا ينقصها، الأمر الذي تابعناه على خلفية المشاركة البريطانية الفاعلة في الحرب على أفغانستان أو العراق، ما يعني أنه يقلب الحقيقة تماما.
هو يفعل ذلك في واقع الحال كجزء من العلاقة الأقرب إلى التبعية مع الولايات المتحدة، وقد شاهدنا غضبه وخيبته العام الماضي حين صوّت البرلمان البريطاني ضد المشاركة في الحرب على النظام السوري، رغم أنها كانت مجرد لعبة من أجل انتزاع السلاح الكيماوي من بشار الأسد، وهو ما حصل عمليا.
لندع هنا مسألة التضخيم في أعداد الشبان المنخرطين في الأعمال الجهادية، إن في سوريا أم العراق، ولنتحدث أولا عن مبدأ المشاركة في نصرة شعب يقاتل طاغية كما في سوريا. ألا يُعد ذلك عملا إنسانيا قام به بريطانيون في إسبانيا وأمريكا اللاتينية، ولم يسئ إليهم أحد؟ ثم لماذا لم يتحدث أحد عن الجنود الأمريكان والأوروبيين الذين يعملون في الجيش الصهيوني وشاركوا في العدوان على قطاع غزة مثلا، بل في العدوان على كل الشعب الفلسطيني؟ ألا يفعل كثير من هؤلاء ذلك بناءً على منطلقات عقائدية؟!
لا خلاف على أن هناك ممارسات تتم باسم الجهاد لا يمكن قبولها، لكنها من جهة أخرى رد على عنف الطرف الآخر في سوريا والعراق، من دون أن يعني ذلك تبريرا لها بأي حال، وغالبية الأمَّة وعلمائها، بما في ذلك رموز السلفية الجهادية يستنكرونها.
لكن الأهم من ذلك كله هو أن هذا الطرح ما زال يتعامل مع العنف المسلح كظاهرة فكرية، بينما هو ليس كذلك، ولم يكن كذلك في يوم من الأيام، وقد كان أسامة بن لادن نفسه قد قال ذات مرة: “لماذا لم نستهدف السويد مثلا؟!”.
العنف المسلح هو نتاج ظروف موضوعية، من دون أن ننفي إمكانية أن يقوم شخص به على أسس فكرية في لحظة ما، لكن ذلك نوع من الشذوذ عن القاعدة، تماما كما يمكن أن يتورط مهووس بفكرة ما في عمل مسلح هنا أو هناك، الأمر الذي حدث مرارا في الولايات المتحدة من قبل أناس غير مسلمين.
العنف الذي ضرب الغرب بشكل محدود خلال الألفية الجديدة من قبل شبان مسلمين كان نتاج ظروف موضوعية تتعلق بالعدوان على الأمَّة في العراق وأفغانستان، وما سبقه من أعمال للقاعدة (هجمات سبتمبر وما قبلها) كان لذات السبب المتعلق بدعم أمريكا للكيان الصهيوني، فضلا عن مطاردة الإسلاميين، ومن ضمنهم أسامة بن لادن نفسه الذي اختط سبيل الإصلاح، وكان يعيش بسلام في السودان قبل أن يجري التحريض على طرده.
ما يجري الآن من أعمال مسلحة في سوريا هو نتاج عدوان طاغية على شعبه، وفي العراق نتاج الإقصاء والتهميش الطائفي (ظهور تنظيم الدولة أصلا كان بسبب الاحتلال الأمريكي الظالم للعراق)، وكلاهما نتاج مزاج حرب طائفية صنعتها إيران بغرورها وغطرستها، ومن يلاحظ مواقع التواصل يلاحظ أن الهجوم على إيران يتفوق على الغرب، مع تغير في المزاج بسبب حرب غزة والدعم الأمريكي للكيان الصهيوني. أما الجانب الآخر من الدوافع فيتعلق بعملية المطاردة العنيفة التي تعرضت لها ثورات الربيع العربي السلمية، وبالتالي فإن من المستبعد أن ينخرط أي من الشبان الذين ذهبوا للعراق وأفغانستان في أعمال عنف في البلاد التي جاءوا منها، لكن تدخلا غربيا سافرا ضد الجماعات الإسلامية قد يؤدي إلى شيء آخر، الأمر الذي قد يأتي على يد شبان لم يذهبوا أصلا إلى تلك الديار.
خلاصة القول هي أن التفسيرات المتشددة للنصوص الدينية، بل حتى الأيديولوجيات البشرية كانت دائما متوافرة، لكن تحويلها إلى عنف مسلح لا يتأتى من دون توافر الظروف الموضوعية، وحين تغيب يتم التراجع، وأحيانا بصيغة المراجعة كما حصل في مراجعات عدد من الحركات الجهادية خلال التسعينيات ومطلع الألفية الجديدة.
الدستور
لا يمضي يوم إلا وتعثر في الصحافة البريطانية أو الفرنسية أو الألمانية وعموم الغربية، فضلا عن الأمريكية على تحذيرات من هذا النوع، مع سرد قصص لجهاديين غربيين ينشطون في صفوف الدولة الإسلامية في العراق والشام (يضيفون النصرة أيضا رغم الفارق بين التنظيمين)، وحيث تتفاوت تقديرات تلك الصحف بشأن أعدادهم على نحو لافت، بين من يراه مئات، وبين من يرفع الرقم إلى آلاف، الأمر الذي يكشف نوايا البعض تضخيم الظاهرة بكل وسيلة ممكنة.
قبل أيام أيضا كتب رئيس الوزراء البريطاني مقالا عن دور بلاده المقبل في العراق ضد “الدولة الإسلامية” في معرض تسويقه شعبيا، فكان أن ركز على أن ذلك التدخل يشكل ضرورة من أجل الحيلولة دون انتقال الإرهاب إلى شوارع بريطانيا.
والحال أن أهل الرأي يدركون أن “كاميرون” لم يقل الحقيقة، وأن تدخله المقبل (وربما القائم) في العراق لا صلة له بالمخاوف المشار إليها، لأن التدخل يزيدها ولا ينقصها، الأمر الذي تابعناه على خلفية المشاركة البريطانية الفاعلة في الحرب على أفغانستان أو العراق، ما يعني أنه يقلب الحقيقة تماما.
هو يفعل ذلك في واقع الحال كجزء من العلاقة الأقرب إلى التبعية مع الولايات المتحدة، وقد شاهدنا غضبه وخيبته العام الماضي حين صوّت البرلمان البريطاني ضد المشاركة في الحرب على النظام السوري، رغم أنها كانت مجرد لعبة من أجل انتزاع السلاح الكيماوي من بشار الأسد، وهو ما حصل عمليا.
لندع هنا مسألة التضخيم في أعداد الشبان المنخرطين في الأعمال الجهادية، إن في سوريا أم العراق، ولنتحدث أولا عن مبدأ المشاركة في نصرة شعب يقاتل طاغية كما في سوريا. ألا يُعد ذلك عملا إنسانيا قام به بريطانيون في إسبانيا وأمريكا اللاتينية، ولم يسئ إليهم أحد؟ ثم لماذا لم يتحدث أحد عن الجنود الأمريكان والأوروبيين الذين يعملون في الجيش الصهيوني وشاركوا في العدوان على قطاع غزة مثلا، بل في العدوان على كل الشعب الفلسطيني؟ ألا يفعل كثير من هؤلاء ذلك بناءً على منطلقات عقائدية؟!
لا خلاف على أن هناك ممارسات تتم باسم الجهاد لا يمكن قبولها، لكنها من جهة أخرى رد على عنف الطرف الآخر في سوريا والعراق، من دون أن يعني ذلك تبريرا لها بأي حال، وغالبية الأمَّة وعلمائها، بما في ذلك رموز السلفية الجهادية يستنكرونها.
لكن الأهم من ذلك كله هو أن هذا الطرح ما زال يتعامل مع العنف المسلح كظاهرة فكرية، بينما هو ليس كذلك، ولم يكن كذلك في يوم من الأيام، وقد كان أسامة بن لادن نفسه قد قال ذات مرة: “لماذا لم نستهدف السويد مثلا؟!”.
العنف المسلح هو نتاج ظروف موضوعية، من دون أن ننفي إمكانية أن يقوم شخص به على أسس فكرية في لحظة ما، لكن ذلك نوع من الشذوذ عن القاعدة، تماما كما يمكن أن يتورط مهووس بفكرة ما في عمل مسلح هنا أو هناك، الأمر الذي حدث مرارا في الولايات المتحدة من قبل أناس غير مسلمين.
العنف الذي ضرب الغرب بشكل محدود خلال الألفية الجديدة من قبل شبان مسلمين كان نتاج ظروف موضوعية تتعلق بالعدوان على الأمَّة في العراق وأفغانستان، وما سبقه من أعمال للقاعدة (هجمات سبتمبر وما قبلها) كان لذات السبب المتعلق بدعم أمريكا للكيان الصهيوني، فضلا عن مطاردة الإسلاميين، ومن ضمنهم أسامة بن لادن نفسه الذي اختط سبيل الإصلاح، وكان يعيش بسلام في السودان قبل أن يجري التحريض على طرده.
ما يجري الآن من أعمال مسلحة في سوريا هو نتاج عدوان طاغية على شعبه، وفي العراق نتاج الإقصاء والتهميش الطائفي (ظهور تنظيم الدولة أصلا كان بسبب الاحتلال الأمريكي الظالم للعراق)، وكلاهما نتاج مزاج حرب طائفية صنعتها إيران بغرورها وغطرستها، ومن يلاحظ مواقع التواصل يلاحظ أن الهجوم على إيران يتفوق على الغرب، مع تغير في المزاج بسبب حرب غزة والدعم الأمريكي للكيان الصهيوني. أما الجانب الآخر من الدوافع فيتعلق بعملية المطاردة العنيفة التي تعرضت لها ثورات الربيع العربي السلمية، وبالتالي فإن من المستبعد أن ينخرط أي من الشبان الذين ذهبوا للعراق وأفغانستان في أعمال عنف في البلاد التي جاءوا منها، لكن تدخلا غربيا سافرا ضد الجماعات الإسلامية قد يؤدي إلى شيء آخر، الأمر الذي قد يأتي على يد شبان لم يذهبوا أصلا إلى تلك الديار.
خلاصة القول هي أن التفسيرات المتشددة للنصوص الدينية، بل حتى الأيديولوجيات البشرية كانت دائما متوافرة، لكن تحويلها إلى عنف مسلح لا يتأتى من دون توافر الظروف الموضوعية، وحين تغيب يتم التراجع، وأحيانا بصيغة المراجعة كما حصل في مراجعات عدد من الحركات الجهادية خلال التسعينيات ومطلع الألفية الجديدة.
الدستور