«دودة» غزة!
حلمي الأسمر
جو 24 : يحلو لي بين حين وآخر أن أتجول فيما كتبت منذ زمن سحيق، خاصة حينما أمر بحالة جديدة مشابهة، تذكّرني بما كتبته في ذلك الزمن...
بين حين وآخر أتذكر قصة «الدودة» فما شأنها الآن، بعد ان اشتعلت النقاشات حول غزة، وما أسفر عنه العدوان؟
المهم، لم يسبق لي أن صدت شيئا في حياتي إلا عصفورا متوسط الحجم اسمه اللامي بفخ مصنوع من الأسلاك وفيها دودة لإغراء العصفور، وكنا نغني له ونحن أطفال كي يأتي إلى الفخ قائلين: يا لامي يا ابن عمي، توسلا لوصوله إلى الجهة المستهدفة، كي نستمتع ذلك النهار بطعم البروتين، حتى ولو كان رمزيا، إذ أن حجم مثل ذلك العصفور بالكاد يكون ثلاث لقمات!
شغفي بالطيور والصيد، أوصلني مرة إلى مغامرة غير محسوبة، حين قادتني قدماي إلى عش بومة في أحد الشقوق في الجبال، وعز علي أن أترك ذلك الصيد الثمين فأخذت فرخا من فراخ البوم على سبيل التذكار والغنيمة، حينما وصلت البيت صاحت بي أمي، وضربت على رأسها: بووووم؟ جايب لي بومة؟ وطردتني من البيت، وخيرتني بين المكوث في البيت والاحتفاظ بالبوم، فاخترت الخروج، ثم ما لبثت أن عدت متخلصا من غنيمتي وحينما امتد بي العمر قليلا، سمعت من يردد على مسامعي مثلا مصريا سائرا: يا ما جاب الغراب لأمه!
وعودة إلى موضوع الصيد، وشغفي به دون أن أتمكن من ممارسته على نحو فعلي، أذكر أن صديقا دعاني لمصاحبته إلى رحلة صيد، ولكن حين اكتشفت انه يريد أن يستخدمني لجلب الفريسة حينما تقع، غضبت وغادرته ولم أعد اكلمه بعدها، بالمناسبة، كثيرون يقومون اليوم بتلك المهمة، وباستمتاع شديد!
وفي موضوع الصيد تحديدا، (وهنا بيت القصيد) سأعترف أنني كنت أشعر أحيانا أنني أنا الدودة التي كنا نضعها طعما لطائر اللامي، وتلك حكاية أخرى، طالما قاومتها، فأنت تدخل إلى هذه الحياة بقامة ممشوقة، ثم ما تلبث أن تضطر للانحناء قليلا للولوج عبر بعض الأبواب ثم ما يلبث الطريق المفضي إلى شيء ما أن يضيق عليك، فتنحني أكثر، لأنك وافقت على مبدأ الانحناء، وشيئا فشيئا يضيق الممر حتى تضطر للمشي مقرفصا، ثم يجبرك ضيق الممر إلى الزحف على بطنك، كي تتحول بعد مسير قصير إلى مجرد دودة زاحفة، أو هكذا يُخطط لك أن تكون، والخيار أمامك أن تبقى مستمرا بالتقدم زاحفا على بطنك، كدودة، أو الانسحاب، والتمتع بالمشي بقامة ممشوقة!
في المرويات الشعبية أن أهل عروس وقفوا أمام بوابة باب العريس يريدون كسرها لأن قامة العروس أطول من البوابة، فاقترح أحد أقارب العريس أن تنحني العروس قليلا للدخول، فرفض أهل العروس، و»فركش» العرس، لأن عروسهم غير مستعدة للتنازل عن انتصاب قامتها، باعتبار أن هذا الانحناء بداية رحلة طويلة من التنازل، قد تنتهي بالزحف على البطن!
كثيرون يريدون للمقاومة في غزة أن تتحول إلى دودة!
الدستور
بين حين وآخر أتذكر قصة «الدودة» فما شأنها الآن، بعد ان اشتعلت النقاشات حول غزة، وما أسفر عنه العدوان؟
المهم، لم يسبق لي أن صدت شيئا في حياتي إلا عصفورا متوسط الحجم اسمه اللامي بفخ مصنوع من الأسلاك وفيها دودة لإغراء العصفور، وكنا نغني له ونحن أطفال كي يأتي إلى الفخ قائلين: يا لامي يا ابن عمي، توسلا لوصوله إلى الجهة المستهدفة، كي نستمتع ذلك النهار بطعم البروتين، حتى ولو كان رمزيا، إذ أن حجم مثل ذلك العصفور بالكاد يكون ثلاث لقمات!
شغفي بالطيور والصيد، أوصلني مرة إلى مغامرة غير محسوبة، حين قادتني قدماي إلى عش بومة في أحد الشقوق في الجبال، وعز علي أن أترك ذلك الصيد الثمين فأخذت فرخا من فراخ البوم على سبيل التذكار والغنيمة، حينما وصلت البيت صاحت بي أمي، وضربت على رأسها: بووووم؟ جايب لي بومة؟ وطردتني من البيت، وخيرتني بين المكوث في البيت والاحتفاظ بالبوم، فاخترت الخروج، ثم ما لبثت أن عدت متخلصا من غنيمتي وحينما امتد بي العمر قليلا، سمعت من يردد على مسامعي مثلا مصريا سائرا: يا ما جاب الغراب لأمه!
وعودة إلى موضوع الصيد، وشغفي به دون أن أتمكن من ممارسته على نحو فعلي، أذكر أن صديقا دعاني لمصاحبته إلى رحلة صيد، ولكن حين اكتشفت انه يريد أن يستخدمني لجلب الفريسة حينما تقع، غضبت وغادرته ولم أعد اكلمه بعدها، بالمناسبة، كثيرون يقومون اليوم بتلك المهمة، وباستمتاع شديد!
وفي موضوع الصيد تحديدا، (وهنا بيت القصيد) سأعترف أنني كنت أشعر أحيانا أنني أنا الدودة التي كنا نضعها طعما لطائر اللامي، وتلك حكاية أخرى، طالما قاومتها، فأنت تدخل إلى هذه الحياة بقامة ممشوقة، ثم ما تلبث أن تضطر للانحناء قليلا للولوج عبر بعض الأبواب ثم ما يلبث الطريق المفضي إلى شيء ما أن يضيق عليك، فتنحني أكثر، لأنك وافقت على مبدأ الانحناء، وشيئا فشيئا يضيق الممر حتى تضطر للمشي مقرفصا، ثم يجبرك ضيق الممر إلى الزحف على بطنك، كي تتحول بعد مسير قصير إلى مجرد دودة زاحفة، أو هكذا يُخطط لك أن تكون، والخيار أمامك أن تبقى مستمرا بالتقدم زاحفا على بطنك، كدودة، أو الانسحاب، والتمتع بالمشي بقامة ممشوقة!
في المرويات الشعبية أن أهل عروس وقفوا أمام بوابة باب العريس يريدون كسرها لأن قامة العروس أطول من البوابة، فاقترح أحد أقارب العريس أن تنحني العروس قليلا للدخول، فرفض أهل العروس، و»فركش» العرس، لأن عروسهم غير مستعدة للتنازل عن انتصاب قامتها، باعتبار أن هذا الانحناء بداية رحلة طويلة من التنازل، قد تنتهي بالزحف على البطن!
كثيرون يريدون للمقاومة في غزة أن تتحول إلى دودة!
الدستور