حول مؤتمر إصلاح الإخوان
ياسر الزعاترة
جو 24 : قرأت تاريخ معظم الجماعات الإسلامية بهيكليتها الجديدة منذ حسن البنا، وربما الكثير من تواريخ التنظيمات الأخرى، لكنني أعترف أنها المرة الأولى التي أسمع فيها بشيء اسمه «عصيان تنظيمي»، ربما لجهل مني، حتى لا أنفي القصة نهائيا.
المصطلح المذكور ورد في بيان المؤتمر الثاني لإصلاح جماعة الإخوان في الأردن؛ بعد المؤتمر الأول في مدينة إربد. وذلك في سياق الحديث عن الخطوات التصعيدية التي سيتخذها المؤتمرون في حال رفض قيادة الجماعة الاستجابة لمطالبهم التي التقى بعضها للمفارقة مع مطالب خصوم الجماعة، كما هي حال مطلب «تصويب الوضع القانوني للجماعة وفقا للمستجدات المحلية والعربية والعالمية»، ولا أدري كيف سيجري تصويب تلك الأوضاع بوجود حزب مرخّص. وهل سيكون بوسع المؤتمرين بعد ذلك التصويب أن يفوزوا في انتخابات داخلية بكل سهولة (في الحزب أو الجماعة أو الحزب وحده إذا اندمجت الجماعة في الحزب)؟!
ما أحب أن أقوله ابتداء هو أنني أتحدث من منطلق المحبة والاحترام لطرفي النزاع، وهو نزاع أو نزاعات لا تسلم منها أية جماعة على وجه الأرض، مع فارق في مستواها بين جماعة وأخرى، وبين مرحلة وأخرى، وهي نزاعات غالبا ما تتم لأسباب شخصية وأحيانا عصبية، وقليلا ما تتم على أسس فكرية أو برامجية (يُستخدم الحديث عن البرامج والأفكار في تبرير النزاع أحيانا)، وإذا كان خيرة الخلق بعد النبي عليه الصلاة والسلام قد اختلفوا، بل اقتتلوا، فلا غرابة أن يحدث ذلك مع المؤمنين من بعدهم (ما يجري بين تنظيم الدولة وجبهة النصرة، وهما ينتميان إلى ذات الجذور الفكرية شاهد على ذلك).
في النزاع الدائر حاليا في الجماعة، فإنني لا أرى أن الفريق الذي يمسك بزمام الأمور قد أصاب في إدارته للأزمة، سواء بالحكم على «ثلاثي زمزم»، (تم وقفه عمليا)، أم في الأزمة الأخيرة، وكان أولى به أن يكون أكثر حرصا على التوافق، فالجماعات الدعوية، وحتى السياسية لا تُدار فقط بالقوانين والانتخابات والمحاكم، بل قبل ذلك وبعده بالحب والإخاء والتوافق، فضلا عن أخذ العصبيات والحساسيات بنظر الاعتبار. تلك هي سنّة المصطفى عليه الصلاة والسلام كما تعكسها سيرته.
أكرر، وإن اختلف معي آخرون أن الخلاف في أصله ذو صلة بالأبعاد الشخصية والعصيبة أكثر من أي شيء آخر، ومحاولة إلباسه ثوب الخلاف الفكري والبرامجي لا تبدو مقنعة، ومن يتحدثون اليوم عن وجود أفكار متطرفة؛ كان بعضهم الأعلى سقفا في التعاطي مع الشأن السياسي قبل عامين اثنين لا أكثر، وهم مقدرون، ولا أشك شخصيا في أخلاقهم ولا إخلاصهم. أما الأفكار التكفيرية، فلا تحضر أبدا في سيرة الجماعة (ما قيمة أن يحرِّم د. أبو فارس دخول الوزارة في التقييم ولم يؤيده أحد؟). كما أن تقييم التجمعات لا يتم على قاعدة انتقائية، فأن يوجد شخص أو حفنة أشخاص بين هذا الطرف أو ذاك يتبنون رأيا شاذا؛ لا يجعل من العدل سحبه على الغالبية ممن لهم طرح ورأي معروف.
السؤال الذي يُطرح حقا على أعضاء مؤتمر الإصلاح هو: ماذا لو جرى حل المكتب التنفيذي الحالي للحزب والجماعة، وأجريت انتخابات جديدة، هل سيكون الفوز من نصيبهم أم أننا سنجد أنفسنا أمام ذات التوليفة، مع احتمال أن يتفوق الطرف الآخر أكثر من تفوقه السابق؟! أم هل يعتقدون أن سيفصّلون قوانين تمنحهم الأفضلية، ومن سيضع تلك القوانين؟ أليس مجلس الشورى الذي يتفوق فيه الطرف الآخر أيضا (لم يطالب المؤتمر المشار إليه بحله)؟!
يحدث في بعض الأحيان أن يصل الخلاف حدا لا يمكن التعايش معه، وينتهي الأمر إلى انشقاق، كما حصل قبل أقل من عقدين بين جناحي الحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة العام 48، وكان في الحقيقة برامجيا، إذا أصرِّ جناح الشيخ عبدالله نمر درويش على خوض انتخابات الكنيست، فيما رفض ذلك جناح الشيخ رائد صلاح، وكانت النتيجة أن ذهب معظم قواعد الحركة مع الشيخ رائد.
من حيث المنطق التنظيمي البحت، ورغم غياب الخلاف البرامجي الحقيقي، فإن الطبيعي أن يعلن أصحاب مؤتمر الإصلاح إنشاء تجمع آخر، أما الخطوات التي تحدثوا عنها، فلا تبدو منطقية، وبعضها ينطوي على استقواء بالوضع الرسمي، الأمر الذي لا يمكن أن يكون مقبولا من غالبية قواعد الجماعة، ولن يؤدي إلا إلى مزيد من التشظي والإحباط، وهذا بالضبط ما يريده خصوم الجماعة.
شخصيا لا أفضل أبدا هذا المسار الذي سيعني فشلا للطرفين، وأعتقد أن الكرة في ملعب الكبار في الجماعة حتى لو خذلهم الطرف الممسك بزمام الأمور في الجولة الماضية (له مبرراته بالطبع، وإن كنت لا أراها كافية)، إذ عليهم أن يحاولوا مرة أخرى، ومن المنطق أن يكون الطرف المشار قد بدأ يشعر بضرورة المرونة لتجاوز الأزمة، ويمكن أن ينبني على ذلك ترتيب للأوراق على نحو يحافظ على وحدة الجماعة، لاسيما أن انشقاقا على أساس من عصبية جغرافية لن يكون؛ لا في صالح الجماعة، ولا في صالح البلد.
في الطرفين رجال عقلاء، فضلا عن الطرف غير المنخرط في النزاع من الرجال الكبار الحريصين على جماعتهم، وبوسعهم جميعا أن يلملموا الأمر، ويتجاوزوا هذه الأزمة بعيدا عن أصوات التأزيم. ولا شك أن لدى الجماعة ما يمكن أن تشغل به وقتها وجهدها في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ المنطقة برمتها. وفقهم الله جميعا لما فيه الخير.
الدستور
المصطلح المذكور ورد في بيان المؤتمر الثاني لإصلاح جماعة الإخوان في الأردن؛ بعد المؤتمر الأول في مدينة إربد. وذلك في سياق الحديث عن الخطوات التصعيدية التي سيتخذها المؤتمرون في حال رفض قيادة الجماعة الاستجابة لمطالبهم التي التقى بعضها للمفارقة مع مطالب خصوم الجماعة، كما هي حال مطلب «تصويب الوضع القانوني للجماعة وفقا للمستجدات المحلية والعربية والعالمية»، ولا أدري كيف سيجري تصويب تلك الأوضاع بوجود حزب مرخّص. وهل سيكون بوسع المؤتمرين بعد ذلك التصويب أن يفوزوا في انتخابات داخلية بكل سهولة (في الحزب أو الجماعة أو الحزب وحده إذا اندمجت الجماعة في الحزب)؟!
ما أحب أن أقوله ابتداء هو أنني أتحدث من منطلق المحبة والاحترام لطرفي النزاع، وهو نزاع أو نزاعات لا تسلم منها أية جماعة على وجه الأرض، مع فارق في مستواها بين جماعة وأخرى، وبين مرحلة وأخرى، وهي نزاعات غالبا ما تتم لأسباب شخصية وأحيانا عصبية، وقليلا ما تتم على أسس فكرية أو برامجية (يُستخدم الحديث عن البرامج والأفكار في تبرير النزاع أحيانا)، وإذا كان خيرة الخلق بعد النبي عليه الصلاة والسلام قد اختلفوا، بل اقتتلوا، فلا غرابة أن يحدث ذلك مع المؤمنين من بعدهم (ما يجري بين تنظيم الدولة وجبهة النصرة، وهما ينتميان إلى ذات الجذور الفكرية شاهد على ذلك).
في النزاع الدائر حاليا في الجماعة، فإنني لا أرى أن الفريق الذي يمسك بزمام الأمور قد أصاب في إدارته للأزمة، سواء بالحكم على «ثلاثي زمزم»، (تم وقفه عمليا)، أم في الأزمة الأخيرة، وكان أولى به أن يكون أكثر حرصا على التوافق، فالجماعات الدعوية، وحتى السياسية لا تُدار فقط بالقوانين والانتخابات والمحاكم، بل قبل ذلك وبعده بالحب والإخاء والتوافق، فضلا عن أخذ العصبيات والحساسيات بنظر الاعتبار. تلك هي سنّة المصطفى عليه الصلاة والسلام كما تعكسها سيرته.
أكرر، وإن اختلف معي آخرون أن الخلاف في أصله ذو صلة بالأبعاد الشخصية والعصيبة أكثر من أي شيء آخر، ومحاولة إلباسه ثوب الخلاف الفكري والبرامجي لا تبدو مقنعة، ومن يتحدثون اليوم عن وجود أفكار متطرفة؛ كان بعضهم الأعلى سقفا في التعاطي مع الشأن السياسي قبل عامين اثنين لا أكثر، وهم مقدرون، ولا أشك شخصيا في أخلاقهم ولا إخلاصهم. أما الأفكار التكفيرية، فلا تحضر أبدا في سيرة الجماعة (ما قيمة أن يحرِّم د. أبو فارس دخول الوزارة في التقييم ولم يؤيده أحد؟). كما أن تقييم التجمعات لا يتم على قاعدة انتقائية، فأن يوجد شخص أو حفنة أشخاص بين هذا الطرف أو ذاك يتبنون رأيا شاذا؛ لا يجعل من العدل سحبه على الغالبية ممن لهم طرح ورأي معروف.
السؤال الذي يُطرح حقا على أعضاء مؤتمر الإصلاح هو: ماذا لو جرى حل المكتب التنفيذي الحالي للحزب والجماعة، وأجريت انتخابات جديدة، هل سيكون الفوز من نصيبهم أم أننا سنجد أنفسنا أمام ذات التوليفة، مع احتمال أن يتفوق الطرف الآخر أكثر من تفوقه السابق؟! أم هل يعتقدون أن سيفصّلون قوانين تمنحهم الأفضلية، ومن سيضع تلك القوانين؟ أليس مجلس الشورى الذي يتفوق فيه الطرف الآخر أيضا (لم يطالب المؤتمر المشار إليه بحله)؟!
يحدث في بعض الأحيان أن يصل الخلاف حدا لا يمكن التعايش معه، وينتهي الأمر إلى انشقاق، كما حصل قبل أقل من عقدين بين جناحي الحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة العام 48، وكان في الحقيقة برامجيا، إذا أصرِّ جناح الشيخ عبدالله نمر درويش على خوض انتخابات الكنيست، فيما رفض ذلك جناح الشيخ رائد صلاح، وكانت النتيجة أن ذهب معظم قواعد الحركة مع الشيخ رائد.
من حيث المنطق التنظيمي البحت، ورغم غياب الخلاف البرامجي الحقيقي، فإن الطبيعي أن يعلن أصحاب مؤتمر الإصلاح إنشاء تجمع آخر، أما الخطوات التي تحدثوا عنها، فلا تبدو منطقية، وبعضها ينطوي على استقواء بالوضع الرسمي، الأمر الذي لا يمكن أن يكون مقبولا من غالبية قواعد الجماعة، ولن يؤدي إلا إلى مزيد من التشظي والإحباط، وهذا بالضبط ما يريده خصوم الجماعة.
شخصيا لا أفضل أبدا هذا المسار الذي سيعني فشلا للطرفين، وأعتقد أن الكرة في ملعب الكبار في الجماعة حتى لو خذلهم الطرف الممسك بزمام الأمور في الجولة الماضية (له مبرراته بالطبع، وإن كنت لا أراها كافية)، إذ عليهم أن يحاولوا مرة أخرى، ومن المنطق أن يكون الطرف المشار قد بدأ يشعر بضرورة المرونة لتجاوز الأزمة، ويمكن أن ينبني على ذلك ترتيب للأوراق على نحو يحافظ على وحدة الجماعة، لاسيما أن انشقاقا على أساس من عصبية جغرافية لن يكون؛ لا في صالح الجماعة، ولا في صالح البلد.
في الطرفين رجال عقلاء، فضلا عن الطرف غير المنخرط في النزاع من الرجال الكبار الحريصين على جماعتهم، وبوسعهم جميعا أن يلملموا الأمر، ويتجاوزوا هذه الأزمة بعيدا عن أصوات التأزيم. ولا شك أن لدى الجماعة ما يمكن أن تشغل به وقتها وجهدها في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ المنطقة برمتها. وفقهم الله جميعا لما فيه الخير.
الدستور