حين أرَقْتَ خوابي الحنين!
حلمي الأسمر
جو 24 : أنتظر شهر الربيع، بفارغ الصبر، فارداً أمامي ذكريات مبللة بدموع الفرح والحزن سواء بسواء، فهذا العام مبشر بربيع يضج بالحيوية والشغب، والهذيان، لفرط ارتواء الأرض من دموع السماء!
أذكر في ربيع مضى، حينما أزهر اللوز من ورائي ففوجئت به، وشعرت بعتابه الرقيق، كأننا كنا على موعد، وخلفت موعده، فجاء ولم أكن في انتظاره، فاختلط بياضه بحلل الزفاف مع بياض الأكفان، وتلك لحظة حارقة، ليس يعرف سرها إلا من رافقك في رحلة الحياة التي بدا أنها طالت أكثر مما ينبغي!
ثمة خيانة ما؟ من خان من؟ زهر اللوز خانك أم أنت الذي خان؟ لا تدري على وجه التحديد، من الذي خان، حيث تتساوى الخيانات وتختلط بعضها ببعض حين تتزاحم على أبواب الحياة الخيانات، خاصة كانت أم عامة، فلا تعبأ كثيرا بمن خان ما، خاصة عندما يتسابق كل طرف في إبداع خيانته، ما أقسى الحياة حينما تصبح الخيانة ميدانا للسباق..!
تخونك ساقك بألم ممض، بعد أن تبدأ أعضاؤك باجتراح ألم ستة وخمسين عاما – ستكتمل بعد ايام - من البقاء على قيد الحركة والركض وراء آمال شاردة، وبانتظار محطات القطار التي سرعان ما تختفي وأنت تركب قطار الحياة، وفي كل مرة يُهيأ لك أن المحطة القادمة هي مقصدك، حتى إذا وصلتها اختفت كالبرق، وبدأتَ تتطلع للمحطة القادمة، لعل ثمة من ينتظرك هناك، فلا ثمة أحد، وحتى حينما تجد أحدا يشبه مَنْ تنتظر، سرعان ما ينشغل عنك، أو تنشغل عنه لا فرق، فيبتلعه الأفق، وتبدأ بانتظار جديد!
وتخونك الأحداث، كما تخون غيرك، فتتشابه الثورات بالنكسات والخيبات، والربيع بالخريف، فلا تكاد تميز بين بياض حلة الزفاف وبياض الكفن، وتختلط البدايات بالنهايات، والموْلد بالموت والرحيل، وتلك قصة معقدة، فالبداية هي نهاية على نحو ما، فلا تدري أتحتفي بها أم تبكي، تماما كلغز الدموع، حينما تنهمر فرحا وترحا، أو كالشروق والغروب، ولا تدري أي اللحظتين البداية والنهاية!
يا الله، كم هرمتَ وهرمتْ قدرتك على التخيل، وأنت تنتظر، حتى إن هذا الخيال تعب وهو يحاول أن يرسم صورة من تحن إليهم، فكأنه كلَّ وملَّ، فلم يعد قادرا على استحضار من تحب، وهو يستقل سريرا في الغيم، تتوقع أن يأتيك أو يأخذك معه إلى غياهب المجهول!
حتى الذاكرة بدأت تتذاكى عليك، فتنتقي ما تريد وتنأى عما تريد، هي الخيانات التي تنهال عليك، كالسهام التي تتكسر على السهام، وتحاول – ما وسعتك القوة – أن تضمد الجراح الصغيرة بجراح أخرى، فالهم الصغير يطفئه هم أكبر، كألم الصداع الذي ينسيك وجعه ألم الضمير، ويا لثقل هذا الهم، حينما تحاول أن تتحايل عليه، فيأتيك مجسما في ألف حُلة وشكل، ممزقا كل الدروع التي تحتمي بها!
ألم تزل تنتظر موسما آخر من مواسم إزهار اللوز؟ هل ثمة ما يمكن أن يحمله موسم آخر؟ هل ثمة متسع لحنين آخر، بعد أن أرَقْتَ كل خوابي الحنين المعتق، في محطات العمر المتسربة من بين أصابعك، كحبات الرمل؟ هل تحتفي بما يختفي سريعا فلا تتمكن من الإمساك به، فتغدو كمن يحاول أن يجمع البرق في مزهرية تزين غرفته؟
ستنتظر لا شك، فثمة شيء ما لا بد أن يأتي، ولو كان بعمر قوس قزح، الذي يظهر فجأة، ويختفي فجأة، كي تعيش على ذكراه، كما يعيش زهر اللوز على ذكراك!
(الدستور)
أذكر في ربيع مضى، حينما أزهر اللوز من ورائي ففوجئت به، وشعرت بعتابه الرقيق، كأننا كنا على موعد، وخلفت موعده، فجاء ولم أكن في انتظاره، فاختلط بياضه بحلل الزفاف مع بياض الأكفان، وتلك لحظة حارقة، ليس يعرف سرها إلا من رافقك في رحلة الحياة التي بدا أنها طالت أكثر مما ينبغي!
ثمة خيانة ما؟ من خان من؟ زهر اللوز خانك أم أنت الذي خان؟ لا تدري على وجه التحديد، من الذي خان، حيث تتساوى الخيانات وتختلط بعضها ببعض حين تتزاحم على أبواب الحياة الخيانات، خاصة كانت أم عامة، فلا تعبأ كثيرا بمن خان ما، خاصة عندما يتسابق كل طرف في إبداع خيانته، ما أقسى الحياة حينما تصبح الخيانة ميدانا للسباق..!
تخونك ساقك بألم ممض، بعد أن تبدأ أعضاؤك باجتراح ألم ستة وخمسين عاما – ستكتمل بعد ايام - من البقاء على قيد الحركة والركض وراء آمال شاردة، وبانتظار محطات القطار التي سرعان ما تختفي وأنت تركب قطار الحياة، وفي كل مرة يُهيأ لك أن المحطة القادمة هي مقصدك، حتى إذا وصلتها اختفت كالبرق، وبدأتَ تتطلع للمحطة القادمة، لعل ثمة من ينتظرك هناك، فلا ثمة أحد، وحتى حينما تجد أحدا يشبه مَنْ تنتظر، سرعان ما ينشغل عنك، أو تنشغل عنه لا فرق، فيبتلعه الأفق، وتبدأ بانتظار جديد!
وتخونك الأحداث، كما تخون غيرك، فتتشابه الثورات بالنكسات والخيبات، والربيع بالخريف، فلا تكاد تميز بين بياض حلة الزفاف وبياض الكفن، وتختلط البدايات بالنهايات، والموْلد بالموت والرحيل، وتلك قصة معقدة، فالبداية هي نهاية على نحو ما، فلا تدري أتحتفي بها أم تبكي، تماما كلغز الدموع، حينما تنهمر فرحا وترحا، أو كالشروق والغروب، ولا تدري أي اللحظتين البداية والنهاية!
يا الله، كم هرمتَ وهرمتْ قدرتك على التخيل، وأنت تنتظر، حتى إن هذا الخيال تعب وهو يحاول أن يرسم صورة من تحن إليهم، فكأنه كلَّ وملَّ، فلم يعد قادرا على استحضار من تحب، وهو يستقل سريرا في الغيم، تتوقع أن يأتيك أو يأخذك معه إلى غياهب المجهول!
حتى الذاكرة بدأت تتذاكى عليك، فتنتقي ما تريد وتنأى عما تريد، هي الخيانات التي تنهال عليك، كالسهام التي تتكسر على السهام، وتحاول – ما وسعتك القوة – أن تضمد الجراح الصغيرة بجراح أخرى، فالهم الصغير يطفئه هم أكبر، كألم الصداع الذي ينسيك وجعه ألم الضمير، ويا لثقل هذا الهم، حينما تحاول أن تتحايل عليه، فيأتيك مجسما في ألف حُلة وشكل، ممزقا كل الدروع التي تحتمي بها!
ألم تزل تنتظر موسما آخر من مواسم إزهار اللوز؟ هل ثمة ما يمكن أن يحمله موسم آخر؟ هل ثمة متسع لحنين آخر، بعد أن أرَقْتَ كل خوابي الحنين المعتق، في محطات العمر المتسربة من بين أصابعك، كحبات الرمل؟ هل تحتفي بما يختفي سريعا فلا تتمكن من الإمساك به، فتغدو كمن يحاول أن يجمع البرق في مزهرية تزين غرفته؟
ستنتظر لا شك، فثمة شيء ما لا بد أن يأتي، ولو كان بعمر قوس قزح، الذي يظهر فجأة، ويختفي فجأة، كي تعيش على ذكراه، كما يعيش زهر اللوز على ذكراك!
(الدستور)