مسيحيو الشـرق أم الشـرق برمته؟!
ياسر الزعاترة
جو 24 : منذ عامين، وبابا الفاتيكان لا يتوقف عن الحديث عن وضع مسيحيي الشرق (الجنرال بوتين صار وصيا عليهم أيضا!!)، ولا شك أن للربيع العربي صلة بذلك، فضلا عن بعض الأحداث التي جرت هنا وهناك، وطالت المسيحيين.
قبل أيام عاد البابا لهذه القضية بالقول إن “المسيحيين يتم طردهم من الشرق الأوسط وسط المعاناة”، مضيفا “ونظرا لأخطاء مجموعة متطرفة متعصبة، تغادر هذه المجموعات وخصوصا المسيحيين والإيزيديين، وغيرهم أيضا، فهؤلاء كلهم ضحايا عنف لا إنساني يتعرضون له بسبب هوياتهم الدينية والإثنية”.
قبل ذلك قال البابا في سياق مشابه إنه “سيكون من الجيد أن يدين كل القادة المسلمين في العالم من سياسيين ورجال دين وجامعيين بوضوح” هذا العنف الذي يسيء إلى الإسلام. يقصد الموجّه إلى المسيحيين.
ثمة إشكال كبير في المقاربة التي بتبناها البابا وبعض الأوساط المسيحية حيال هذه القضية في الأعوام الثلاثة الأخيرة، رغم وجود بعض المخاوف التي تستحق التقدير من دون شك (هل نطالبه بإدانة العنصرية المتصاعدة ضد المسلمين في أوروبا؟).
والحال إننا إذا جئنا نوصِّف ما تعرض له المسيحيون خلال الأعوام الأربعة الأخيرة منذ اندلاع موجة الربيع العربي، فإنه لا يُعد شيئا إذا ما قورن بما أصاب الغالبية المسلمة (بخاصة الغالبية السنيّة)، سواءً تم ذلك بأيدي الأنظمة كما في كل بلدان الربيع العربي، أم بأيدي مليشيات طائفية كما في العراق وسوريا، وكما في اليمن في الآونة الأخيرة.
ربما كان ما جرى في العراق هو الاستثناء الذي يمكن الحديث عنه فيما خصّ المسيحيين، وهنا تحديدا ينبغي التذكير بأن عنف داعش قد طال الجميع، وطال من المسلمين السنّة أكثر من غيرهم لاعتبارات سياسية تختلط بالبعد الديني (الردة والمحاربة وما شابه)، أما ما فعلته بالمسيحيين في الموصل، فينبغي أن يتذكر البابا أنه حظي بتنديد واسع النطاق من قبل جميع الرموز والفعاليات الإسلامية.
في مصر يمكن القول بكل بساطة، إن ما أصاب الكنائس لم يكن من فعل مناهضي النظام، وهم أنكروا ذلك وأدانوه، ويعلم البابا أن سيرة الأجهزة الأمنية في اختلاق الأحداث المشابهة كثيرة، ومنها تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية أواخر أيام مبارك. أما نظام مرسي (وهو لم يحكم عمليا)، فلم تصدر منه أية إساءة للمسيحيين، وتركهم يضعون ما يخصهم في الدستور بأيديهم.
هنا تحديدا تأتي القضية الأخطر فيما نحن بصدده، وهي المظلمة التي أوقعها المسيحيون بالغالبية السنّية في المنطقة حين انحازوا ضد أشواقها في الحرية والتحرر، ووقف أغلبهم موقفا سلبيا من الربيع العربي، إن كان في مصر (قبل الثورة وبدعم النظام)، أم في سوريا بالوقوف إلى جانب بشار الأسد الذي قتل وشرد الملايين من أبناء الغالبية كما يعلم البابا، ومع ذلك لم يكن موقفه منه ينطوي على أية إدانة، بقدر التركيز على عنف المجموعات الجهادية التي صعدت أصلا بسبب العنف المقابل في العراق وسوريا، وكان الأولى أن يدين من صنعوا الأجواء التي أدت إلى ذلك، وليس الغالبية التي دافعت عن نفسها.
لم تكن هناك قضية مسيحية في المشرق قبل الربيع العربي، بل قضية ظلم يطال الجميع، بل ربما طال الغالبية على نحو أوضح، والأصل أن ربيع العرب هو دعوة للحرية والتحرر على قاعدة المواطنة والمساواة، ولم يكن من حق الأقليات أن تنحاز إلى جانب الطغاة، وكان يسعها في أقل تقدير أن تقف على الحياد، مع التذكير للأمانة بوجود قلة من مسيحيي المنطقة لم يقفوا مع طغيان النظام السوري، بخاصة في لبنان). أما الكلام الذي كان يصدر قبل ذلك عن واقع مسيحيي المنطقة، فلم يكن دقيقا، إذ إن تراجع أعداد المسيحيين لم يكن بسبب الاضطهاد، بل بسبب قلة الإنجاب والهجرة، والأخيرة سببها جاذبية الغرب، ولو أتيح للمسلمين ما يتاح للمسيحيين في السفارات الأوروبية لتدفق عشرات الملايين إليها دون تردد.
إن أية إساءة لأي مسيحي على قاعدة طائفية، وكما لأي أحد من أية ملة أخرى تستحق الإدانة بلا تردد، وقد وقع شيء من ذلك بالفعل، لكن ما يجري في عموم المنطقة من عنف وفوضى هو نتاج الاستبداد والانسداد السياسي من جهة، وهو من جهة أخرى نتاج عدوان أنظمة الثورة المضادة على الربيع العربي، والأهم من ذلك كله هو نتاج العدوان الإيراني على غالبية الأمة، والأخيرة هي من وقف وراء فكرة تحالف الأقليات من خلال بعض أتباعها، وهو تحالف يستهدف الغالبية، ومن الطبيعي أن ينتج ردود فعل عنيفة. وإذا أراد البابا أن يكون منصفا، فعليه أن يدين من حاربوا أشواق شعوب كاملة في الحرية والتحرر، وليس التركيز فقط على مظالم أصابت المسيحيين والأقليات، بينما وقع على الغالبية عشرات أضعافها، إن لم يكن أكثر.
(الدستور)
قبل أيام عاد البابا لهذه القضية بالقول إن “المسيحيين يتم طردهم من الشرق الأوسط وسط المعاناة”، مضيفا “ونظرا لأخطاء مجموعة متطرفة متعصبة، تغادر هذه المجموعات وخصوصا المسيحيين والإيزيديين، وغيرهم أيضا، فهؤلاء كلهم ضحايا عنف لا إنساني يتعرضون له بسبب هوياتهم الدينية والإثنية”.
قبل ذلك قال البابا في سياق مشابه إنه “سيكون من الجيد أن يدين كل القادة المسلمين في العالم من سياسيين ورجال دين وجامعيين بوضوح” هذا العنف الذي يسيء إلى الإسلام. يقصد الموجّه إلى المسيحيين.
ثمة إشكال كبير في المقاربة التي بتبناها البابا وبعض الأوساط المسيحية حيال هذه القضية في الأعوام الثلاثة الأخيرة، رغم وجود بعض المخاوف التي تستحق التقدير من دون شك (هل نطالبه بإدانة العنصرية المتصاعدة ضد المسلمين في أوروبا؟).
والحال إننا إذا جئنا نوصِّف ما تعرض له المسيحيون خلال الأعوام الأربعة الأخيرة منذ اندلاع موجة الربيع العربي، فإنه لا يُعد شيئا إذا ما قورن بما أصاب الغالبية المسلمة (بخاصة الغالبية السنيّة)، سواءً تم ذلك بأيدي الأنظمة كما في كل بلدان الربيع العربي، أم بأيدي مليشيات طائفية كما في العراق وسوريا، وكما في اليمن في الآونة الأخيرة.
ربما كان ما جرى في العراق هو الاستثناء الذي يمكن الحديث عنه فيما خصّ المسيحيين، وهنا تحديدا ينبغي التذكير بأن عنف داعش قد طال الجميع، وطال من المسلمين السنّة أكثر من غيرهم لاعتبارات سياسية تختلط بالبعد الديني (الردة والمحاربة وما شابه)، أما ما فعلته بالمسيحيين في الموصل، فينبغي أن يتذكر البابا أنه حظي بتنديد واسع النطاق من قبل جميع الرموز والفعاليات الإسلامية.
في مصر يمكن القول بكل بساطة، إن ما أصاب الكنائس لم يكن من فعل مناهضي النظام، وهم أنكروا ذلك وأدانوه، ويعلم البابا أن سيرة الأجهزة الأمنية في اختلاق الأحداث المشابهة كثيرة، ومنها تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية أواخر أيام مبارك. أما نظام مرسي (وهو لم يحكم عمليا)، فلم تصدر منه أية إساءة للمسيحيين، وتركهم يضعون ما يخصهم في الدستور بأيديهم.
هنا تحديدا تأتي القضية الأخطر فيما نحن بصدده، وهي المظلمة التي أوقعها المسيحيون بالغالبية السنّية في المنطقة حين انحازوا ضد أشواقها في الحرية والتحرر، ووقف أغلبهم موقفا سلبيا من الربيع العربي، إن كان في مصر (قبل الثورة وبدعم النظام)، أم في سوريا بالوقوف إلى جانب بشار الأسد الذي قتل وشرد الملايين من أبناء الغالبية كما يعلم البابا، ومع ذلك لم يكن موقفه منه ينطوي على أية إدانة، بقدر التركيز على عنف المجموعات الجهادية التي صعدت أصلا بسبب العنف المقابل في العراق وسوريا، وكان الأولى أن يدين من صنعوا الأجواء التي أدت إلى ذلك، وليس الغالبية التي دافعت عن نفسها.
لم تكن هناك قضية مسيحية في المشرق قبل الربيع العربي، بل قضية ظلم يطال الجميع، بل ربما طال الغالبية على نحو أوضح، والأصل أن ربيع العرب هو دعوة للحرية والتحرر على قاعدة المواطنة والمساواة، ولم يكن من حق الأقليات أن تنحاز إلى جانب الطغاة، وكان يسعها في أقل تقدير أن تقف على الحياد، مع التذكير للأمانة بوجود قلة من مسيحيي المنطقة لم يقفوا مع طغيان النظام السوري، بخاصة في لبنان). أما الكلام الذي كان يصدر قبل ذلك عن واقع مسيحيي المنطقة، فلم يكن دقيقا، إذ إن تراجع أعداد المسيحيين لم يكن بسبب الاضطهاد، بل بسبب قلة الإنجاب والهجرة، والأخيرة سببها جاذبية الغرب، ولو أتيح للمسلمين ما يتاح للمسيحيين في السفارات الأوروبية لتدفق عشرات الملايين إليها دون تردد.
إن أية إساءة لأي مسيحي على قاعدة طائفية، وكما لأي أحد من أية ملة أخرى تستحق الإدانة بلا تردد، وقد وقع شيء من ذلك بالفعل، لكن ما يجري في عموم المنطقة من عنف وفوضى هو نتاج الاستبداد والانسداد السياسي من جهة، وهو من جهة أخرى نتاج عدوان أنظمة الثورة المضادة على الربيع العربي، والأهم من ذلك كله هو نتاج العدوان الإيراني على غالبية الأمة، والأخيرة هي من وقف وراء فكرة تحالف الأقليات من خلال بعض أتباعها، وهو تحالف يستهدف الغالبية، ومن الطبيعي أن ينتج ردود فعل عنيفة. وإذا أراد البابا أن يكون منصفا، فعليه أن يدين من حاربوا أشواق شعوب كاملة في الحرية والتحرر، وليس التركيز فقط على مظالم أصابت المسيحيين والأقليات، بينما وقع على الغالبية عشرات أضعافها، إن لم يكن أكثر.
(الدستور)