jo24_banner
jo24_banner

ممنوع اللمس بداعي «القرف» !

حلمي الأسمر
جو 24 : طفل ما بالصف الأول وفي نهاية الدوام المدرسي في مدرسة حكومية تقع في منطقة بائسة قريبة من مخيم ما .. يلعب كدأب أي طفل في عمره بانتظار أبيه ليقله بسيارته المتهالكة تعبا إلى منزلهم الفقير السعيد غير آبه برائحة المجارير التي تلوث الجو .. يجري كثيرا ليفرغ طاقاته المكبوتة فيتعثر ببروز حجري في أرض الساحة ناتج عن عدم إجادة المقاول المسؤول عن تمهيد أرض المدرسة، ليقع الصغير على وجهه فيتلقى أنفه الأرض ويعلن بشلال دم نازف قوة الكدمة التي تعرض لها .. يبكي كثيرا ويصرخ مليا من هول الأحمر الذي ملأ وجهه، فتأتي المعلمة المناوبة ويصيبها القرف فتنادي على أخته التي تكبره بعام واحد لتغسل له وجهه في دورة المياه، غير مكترثة بحال الصغير متمنية رحيل آخر طالب من ساحة المدرسة حيث يرحل كل الأطفال إلى وجهاتهم ليعلن رحيله انتهاء عذابها المقرف يوميا !!
الأب .. جاء في اليوم التالي وقد شهدت بأم عيني الموقف بدهشة وبحنق شديدين :
أخبر مديرة المدرسة بما حدث ..
المديرة : كيف يعني ؟ مش فاهمتك !
الأب أعاد تلاوة القصة ..
المديرة : كيف يعني ؟!!
الأب بحنق شديد أعاد القصة كما تلاها أول مرة ولكن تعابير وجهه - أخيرا - اعتلاها الغضب!
المديرة للمرة الثالثة : كيف يعني .. مش عم بفهم كيف صار !!
في هذه اللحظة تمنيت لو أنني مكان الأب لأعيد تمثيل المشهد بالصوت والصورة واضعة المديرة مكان الصغير .. مستحضرة بروزا حجريا في أرضية غرفتها .. لتسقط على أنفها الجميل .. فيكسر ويسيل الدم شلالا على وجهها .. لتدرك الجميلة «كيف يعني»!!
انتهى عملي في المدرسة في تلك اللحظات ولم أستكمل بقية المشهد وقد كنت أتمنى أن يسعفني الوقت لأرى نتيجة الشكوى ..التي كنت أتمنى فيها إلحاق أشد العقاب بالمعلمة المناوبة لكنني قبل انصرافي توجهت للمديرة قائلة : «ديروا بالكم على الولاد .. هدول أمانة في رقابكم»!!
في السيارة استحضرت موقفا حصل معي في غابر الزمان عندما كنت أتدرب في مدرسة النزهة التابعة لوكالة الأنروا .. حيث كنت في أشد حالاتي متعة بتعاملي مع طالبات بعمر الزهور .. فقيرات جدا ولكنهن من أشد الأطفال ثراء بعزة النفس .. كنت أسعد بقصاصات الورق المزينة بقلوب الحب الحمراء والورود البلاستيك اللاتي كن يهدينها إياي بخجل .. فتكون مكافأتي الصغيرة لهن بقبلة صغيرة أو تربيت على الكتف أو مسحة سخية على شعورهن .. الشيء الذي كان يستدعي زميلاتي المتدربات والمعلمات تنبيهي دوما : « تقربيش عليهم .. كل شعورهم قمل» !!
لم أكن أبالي ولا أظن أنني سأبالي يوما ولا أعتقد أنني سأفتش شعر طفل متأكدة من نظافته قبل أن أحضن قلبه وأقبل براءته و أربت على فقره !!
تحية لصديقة «الفيسبوك» ريم استيتية، التي أهدتني هذه «الخطرفة» الريمية، لأخلي لها مكاني هنا، طواعية، وبسعادة غامرة!

الدستور
تابعو الأردن 24 على google news