إعمار غزة أم نزع مخالبها وتضييع القضية؟!
ياسر الزعاترة
جو 24 : من العبث الاعتقاد أن أكثر من شاركوا في مؤتمر إعمار غزة في القاهرة، وقدموا الأموال قد فعلوا ذلك من أجل الحفاظ على القطاع كقاعدة للمقاومة، حتى لو قيل إن الأموال المذكورة ستذهب إلى حكومة التوافق، وستصرف بإشراف محمود عباس ورجالاته ، فيما ستقوم حماس بصرف ما يأتيها مباشرة شعبيا ورسميا في ترميم جهازها العسكري، أو ما أصيب منه خلال المواجهة البطولية مع العدوان الأخير.
حين كان نتنياهو يقصف البيوت والأبراج السكنية، لم يكن يفعل ذلك عبثا، بل من أجل جعل مسألة إعادة الإعمار عنصر ضغط على حماس بعد ذلك، فضلا عن هدفها الآني (خلال الحرب) ممثلا في دفعها نحو قبول التهدئة، وها إن ما أراده يتحقق من حيث اضطرار الحركة إلى قبول كل الشروط التي وُضعت على إعادة الإعمار باستثناء نزع سلاح المقاومة.
صحيح أن حماس قبلت بحكومة التوافق قبل العدوان الأخير، لكن الأكيد أيضا أن جزءا من ذلك كان بسبب الأوضاع الاقتصادية، والكلفة الصعبة التي باتت تتحملها في مواجهة حصار مصري خانق، وآخر إسرائيلي بطبيعة الحال.
من محاسن محمود عباس، أنه لا يتعبك في التحليل، فهو واضح كل الوضوح؛ ليس منذ مجيئه إلى السلطة بعد التمهيد لاغتيال ياسر عرفات عبر توفير البديل عنه، بل قبل ذلك أيضا يوم أن وقف ضد الشعب الفلسطيني كله حين أجمع على انتفاضة الأقصى نهاية أيلول من العام 2000.
هو يقول بالفم الملآن أنه ضد المقاومة المسلحة (السلمية مجرد شعار لا أكثر، بدليل مواقفه غير مرة من انتفاضات شعبية اعتبرها مؤامرة من نتنياهو لقتل الفلسطينيين!!!)، وهو مع التفاوض واستمرار التفاوض، إلى جانب التعويل على المؤسسات الدولية.
حين يعود محمود عباس إلى قطاع غزة، ويشرع في تحسين وضعه بالتدريج، فإن شعار السلاح الشرعي الواحد سيُرفع فوق الرؤوس، حتى لو جرى السكوت عنه آنيا، وهو كما قمع قوى المقاومة في الضفة، فلن يقبل بأن يشذ القطاع عن السياق. وحتى لو لم يطالب الفصائل بتسليم أسلحتها، فإن استخدام تلك الأسلحة ينبغي أن يكون بإذن السلطة (عباس بتعبير أدق)، والسلطة لها موقفها الصريح ضد استخدامه، ما يعني أنه لن يُستخدم إلا في حال رد العدوان، والعدوان لن يحدث على الأرجح لعدم الحاجة إليه ما دام القطاع قد انضم إلى الضفة الغربية في لعبة التنسيق الأمني والتعويل على المفاوضات.
تدفن حماس رأسها في الرمال حين تتحدث عن المقاومة والسلاح في ظل معادلة من هذا النوع، فضلا عن التعامل بقليل من حسن النية مع مؤتمر تستضيفه القاهرة ، وترعاه أمريكا وأوروبا برضا نتنياهو.
كان الطبيعي أن يكون الانتصار الذي تحقق في قطاع غزة محطة نحو تعميم خيار المقاومة على الوضع الفلسطيني، لكن المسيرة تذهب الآن في اتجاه منح الزعامة للخصم الأكبر لذلك الخيار في الساحة الفلسطينية.
نعلم أن الظروف العربية والدولية غير مواتية، لكن ذلك لا يغير في حقيقة أننا إزاء مسار بائس سيُدخل القضية في مزيد من التيه، وهي ليست معضلة من قاتلوا وصمدوا وانتصروا، بل معضلة المسار السياسي الذي دخل متاهة أوسلو وسلطته المصممة لخدمة الاحتلال عام 2006 (عبر المشاركة في الانتخابات طبعا)، من دون أن ننسى الإنجازات التي تحققت بإنشاء قاعدة للمقاومة، ومن ثم الانتصار في ثلاث مواجهات عسكرية، لكن المسار الخاطئ سيفرض استحقاقاته مهما شهد من محطات جميلة لا يمكن إنكارها، ذلك أن الجمع بين السلطة والمقاومة وهمْ، ونجاحه في قطاع غزة إنما كان بسبب عدم وجود جيش الاحتلال في القطاع، لكن الأخير لا يمكنه مواجهة محيط موغل في العداء من كل الاتجاهات، ويتحمل الكلفة وحده.
لقد حققت حماس وقوى المقاومة انتصارا رائعا في المواجهة الأخيرة، وكان بالإمكان جعله محطة لإنهاء حالة التيه الراهنة للقضية، وذلك عبر تحالف فلسطيني واسع من الداخل والخارج مع المقاومة وضد المفاوضات، لكن حاجات أهل القطاع فرضت نفسها، وهو ما يعيد التأكيد على وهمْ الجميع بين السلطة والمقاومة.
لا نحمِّل حماس أكثر مما تحتمل وسط هذا المحيط البائس، لكننا مضطرون إلى القول إن ما يجري لا ينطوي على مصلحة للقضية أبدا، فمتاهة عباس لن تفضي إلى خير، ما يعني أن التعويل الأخير سيبقى على الشعب الفلسطيني الذي يمكن أن يفجِّر انتفاضته الجديدة في مواجهة المحتل، وفي مواجهة عباس وسلطته ومساره العبثي، بخاصة أن الاستيطان والتهويد يتصاعدان يوميا. متى سيحدث ذلك؟ لا ندري.
الدستور
حين كان نتنياهو يقصف البيوت والأبراج السكنية، لم يكن يفعل ذلك عبثا، بل من أجل جعل مسألة إعادة الإعمار عنصر ضغط على حماس بعد ذلك، فضلا عن هدفها الآني (خلال الحرب) ممثلا في دفعها نحو قبول التهدئة، وها إن ما أراده يتحقق من حيث اضطرار الحركة إلى قبول كل الشروط التي وُضعت على إعادة الإعمار باستثناء نزع سلاح المقاومة.
صحيح أن حماس قبلت بحكومة التوافق قبل العدوان الأخير، لكن الأكيد أيضا أن جزءا من ذلك كان بسبب الأوضاع الاقتصادية، والكلفة الصعبة التي باتت تتحملها في مواجهة حصار مصري خانق، وآخر إسرائيلي بطبيعة الحال.
من محاسن محمود عباس، أنه لا يتعبك في التحليل، فهو واضح كل الوضوح؛ ليس منذ مجيئه إلى السلطة بعد التمهيد لاغتيال ياسر عرفات عبر توفير البديل عنه، بل قبل ذلك أيضا يوم أن وقف ضد الشعب الفلسطيني كله حين أجمع على انتفاضة الأقصى نهاية أيلول من العام 2000.
هو يقول بالفم الملآن أنه ضد المقاومة المسلحة (السلمية مجرد شعار لا أكثر، بدليل مواقفه غير مرة من انتفاضات شعبية اعتبرها مؤامرة من نتنياهو لقتل الفلسطينيين!!!)، وهو مع التفاوض واستمرار التفاوض، إلى جانب التعويل على المؤسسات الدولية.
حين يعود محمود عباس إلى قطاع غزة، ويشرع في تحسين وضعه بالتدريج، فإن شعار السلاح الشرعي الواحد سيُرفع فوق الرؤوس، حتى لو جرى السكوت عنه آنيا، وهو كما قمع قوى المقاومة في الضفة، فلن يقبل بأن يشذ القطاع عن السياق. وحتى لو لم يطالب الفصائل بتسليم أسلحتها، فإن استخدام تلك الأسلحة ينبغي أن يكون بإذن السلطة (عباس بتعبير أدق)، والسلطة لها موقفها الصريح ضد استخدامه، ما يعني أنه لن يُستخدم إلا في حال رد العدوان، والعدوان لن يحدث على الأرجح لعدم الحاجة إليه ما دام القطاع قد انضم إلى الضفة الغربية في لعبة التنسيق الأمني والتعويل على المفاوضات.
تدفن حماس رأسها في الرمال حين تتحدث عن المقاومة والسلاح في ظل معادلة من هذا النوع، فضلا عن التعامل بقليل من حسن النية مع مؤتمر تستضيفه القاهرة ، وترعاه أمريكا وأوروبا برضا نتنياهو.
كان الطبيعي أن يكون الانتصار الذي تحقق في قطاع غزة محطة نحو تعميم خيار المقاومة على الوضع الفلسطيني، لكن المسيرة تذهب الآن في اتجاه منح الزعامة للخصم الأكبر لذلك الخيار في الساحة الفلسطينية.
نعلم أن الظروف العربية والدولية غير مواتية، لكن ذلك لا يغير في حقيقة أننا إزاء مسار بائس سيُدخل القضية في مزيد من التيه، وهي ليست معضلة من قاتلوا وصمدوا وانتصروا، بل معضلة المسار السياسي الذي دخل متاهة أوسلو وسلطته المصممة لخدمة الاحتلال عام 2006 (عبر المشاركة في الانتخابات طبعا)، من دون أن ننسى الإنجازات التي تحققت بإنشاء قاعدة للمقاومة، ومن ثم الانتصار في ثلاث مواجهات عسكرية، لكن المسار الخاطئ سيفرض استحقاقاته مهما شهد من محطات جميلة لا يمكن إنكارها، ذلك أن الجمع بين السلطة والمقاومة وهمْ، ونجاحه في قطاع غزة إنما كان بسبب عدم وجود جيش الاحتلال في القطاع، لكن الأخير لا يمكنه مواجهة محيط موغل في العداء من كل الاتجاهات، ويتحمل الكلفة وحده.
لقد حققت حماس وقوى المقاومة انتصارا رائعا في المواجهة الأخيرة، وكان بالإمكان جعله محطة لإنهاء حالة التيه الراهنة للقضية، وذلك عبر تحالف فلسطيني واسع من الداخل والخارج مع المقاومة وضد المفاوضات، لكن حاجات أهل القطاع فرضت نفسها، وهو ما يعيد التأكيد على وهمْ الجميع بين السلطة والمقاومة.
لا نحمِّل حماس أكثر مما تحتمل وسط هذا المحيط البائس، لكننا مضطرون إلى القول إن ما يجري لا ينطوي على مصلحة للقضية أبدا، فمتاهة عباس لن تفضي إلى خير، ما يعني أن التعويل الأخير سيبقى على الشعب الفلسطيني الذي يمكن أن يفجِّر انتفاضته الجديدة في مواجهة المحتل، وفي مواجهة عباس وسلطته ومساره العبثي، بخاصة أن الاستيطان والتهويد يتصاعدان يوميا. متى سيحدث ذلك؟ لا ندري.
الدستور