لا لإعلان حالة الطوارئ في الأردن
أزمتان تستحوذان على اهتمام الأردنيين وتفكيرهم، الأولى التطورات الدموية التي تحدث في سورية وعلى حدودهم الشمالية، والثانية البحث عن مخرج لانسداد مسار الإصلاح بعد أن أقر مجلس الأمة التعديل الثاني لقانون الانتخاب مع الإبقاء على الصوت الواحد.
المؤشرات في سورية تكشف عن بدء انهيار المنظومة الأمنية، بعد التفجير الذي أودى بحياة أبرز القادة الأمنيين، ولهذا الحدث دلالاته، أبرزها أن أجهزة مخابرات بدأت بالعمل الفعال هناك، معتمدة استراتيجية "قضم" النظام من الداخل حتى يتآكل، وما تبع عملية التفجير بساعات من سيطرة الجيش السوري الحر على المعابر الحدودية مع تركيا والعراق يؤكد ذلك، فالتواصل والسيطرة الأمنية لنظام بشار الأسد قد تراجعا، والروح المعنوية للأجهزة الأمنية والجيش السوري وميليشياته من الشبيحة ستبدأ بالانهيار التدريجي.
وعلى الأرجح ستتزايد حركة الانشقاقات أو لنقل الاستنكاف عن المشاركة بالعمليات العسكرية، والهرب إلى لبنان الوجهة الأكثر أمناً لمن يساندون نظام الأسد من القيادات البعثية والأمنية والعسكرية الوسطى.
إذن؛ ليس بالضرورة أن تلجأ الدول الغربية والعربية إلى أخذ الإذن من مجلس الأمن للتدخل العسكري، وتستطيع أن تلجأ إلى عمليات عسكرية نوعية على غرار التفجير بمقر الأمن القومي، وهو ما يجعل النظام هشاً آيلاً للسقوط في أي لحظة.
على وقع هذه التطورات يزداد القلق في عمان خاصة بعد أن وجهت الأجهزة الأمنية السورية والأطراف الإقليمية مثل إيران اتهاماتها للأردن بأنه متورط مع الحلف الذي يعمل لإسقاط النظام، فهو من جهة يفتح حدوده لتدفق الآلاف من اللاجئين السوريين، ولا يمكن أن يكون ضد إرادة المجتمع الدولي وضد منظومة حقوق الإنسان بتوفير ملاذات آمنة لهم، ومن جهة أخرى فهو يخشى من اختراق أمني وخلايا نائمة تتحرك عند لحظة الصفر حين يبدأ النظام بالتداعي والانهيار.
وقبل ذلك كله، فالأردن يريد سيناريو آمنا لانتقال سلمي للسلطة بدون حرب أهلية، أو انهيار للدولة يسمح بسيطرة مجموعات مسلحة متطرفة على السلطة واستحواذها على أسلحة خطرة من بينها ما يشاع عن أسلحة كيماوية.
سورية ستظل جارا للأردن مهما حدث، فالجغرافيا لا تتغير، وتداعيات ما يقع عندهم يصل صداه إلى عمان.
وصدى الانهيار في سورية سخّن ملف الإصلاح في الأردن، وعاد الرهان على أن لا يوشح جلالة الملك قانون الانتخاب ويعيده للحكومة والبرلمان مرة أخرى، ويوعز من جديد بأن يخضع مبدأ الصوت الواحد للمراجعة بعد أن أدرك المطبخ السياسي في الأردن أن دائرة المقاطعة للانتخابات تتسع، وأن رياح الربيع العربي لم تخمد بعد.
هذا السيناريو للأسف غير قابل للتحقيق حسب رأي خبراء قانونيين، ولذلك اندفعت الصالونات السياسية للبحث عن مخرج، فوجدت ضالتها بإعلان حالة الطوارئ، استناداً للحالة السورية، وهذا يتيح للملك حل البرلمان ورحيل الحكومة وتقديم قانون انتخاب مؤقت يلبي طموح الشارع حسب وجهة نظرهم.
ورغم تعطشنا لقانون انتخاب يدفع بالحالة السياسية خطوات للأمام ويسقط المحظورات الأمنية الواهية، ويترجم توصيات لجنة الحوار الوطني ويضعها قيد التنفيذ، إلا أننا نقف ضد إعلان حالة الطوارئ، وتعطيل أي شكل من أي أشكال العمل الديمقراطي مهما كان واهياً، ونرى في هذا الاتجاه قفزا على "الدستورية". وبقناعتنا أن التمسك بالخيارات الديمقراطية هو الذي يحمي ويصون الأردن عند استفحال الأزمات، وحين يهدد أمننا الوطني، وعلينا أن نتجنب تزيين وتبرير خيار إعلان حالة الطوارئ.
ولا أعتقد أن النظام أصبح محشورا عند الحائط، واستنفد كل الحلول حتى يلجأ لـ"حالة الطوارئ" للتعامل مع ملف قانون الانتخاب.
(الغد)